التنسيق الروسي - الإسرائيلي وموازناته بين الملفين السوري والأوكراني

تعد العلاقات الروسية - الإسرائيلية من العلاقات العميقة بحكم وجود تنسيق دبلوماسي وأمني وعسكري عالي المستوى بين الطرفين. تشترك تل أبيب وموسكو في ملفات تعد الأسخن على الصعيد الدولي، بدءًا من الملف الفلسطيني

التنسيق الروسي - الإسرائيلي وموازناته بين الملفين السوري والأوكراني

خلال لقاء بوتين وبينيت في 22 تشرين الأول/أكتوبر 2021 (أ.ب.)

تعد العلاقات الروسية - الإسرائيلية من العلاقات العميقة بحكم وجود تنسيق دبلوماسي وأمني وعسكري عالي المستوى بين الطرفين. تشترك تل أبيب وموسكو في ملفات تعد الأسخن على الصعيد الدولي، بدءًا من الملف الفلسطيني، ثم الملف السوري، وصولًا إلى الملف الأوكراني. الأخطر بين هذه الملفات الثلاث، هو الملف الأوكراني بحكم تشعب العلاقات فيه؛ فإسرائيل لديها علاقات وثيقة مع كل من روسيا من جهة، ومع أوكرانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى.

ساهم ازدياد أعداد الإسرائيليين من أصول روسية وأوكرانية، والبالغ عددهم حتى عام 2021 حوالي 1.5 مليون نسمة، إلى جانب وجود علاقات اقتصادية وتبادل تجاري ضخم، في الحفاظ على المنحى التصاعدي للعلاقات بين تل أبيب وموسكو؛ فيما تعمقت العلاقات بعد عام 2015، وهو تاريخ التدخل الروسي في الحرب السورية، ودخول أمن الشرق الأوسط واستقرار إسرائيل مرحلة حرجة لا سيما في ظل التحركات التي شهدتها المنطقة بعد عام 2011؛ وعلى حساب ثباتية العلاقة مع أوكرانيا، التي لا تمتلك زمام أي مسألة في الشرق الأوسط. ولذا، فإن العلاقات الروسية - الإسرائيلية انتقلت إلى مربع المساومات والموازنات بين الملفات التي تحمل مصالح متبادلة.

مراجعة تاريخية

تشترك روسيا مع إسرائيل بعلاقات ثقافية ودينية واجتماعية أقدم من تلك الأمنية والعسكرية. فقد كان الاتحاد السوفييتي من المسارعين للاعتراف بتأسيس إسرائيل عام 1948. تعود هذه العلاقات إلى هجرة يهود من دول الاتحاد السوفييتي سابقًا بعد أن أعطتهم الحكومة السوفييتية وثم الروسية حرية الهجرة خارج البلاد، وأصبحت السمة الغالبة للعلاقات مع اليهود هي الدمج لا العزل. حتى عام 1957، بلغت نسبة طلاب الدراسات العليا من الجماعات اليهودية 4.2% من طلبة الجامعات في دول الاتحاد السوفييتي، وشكلت النخب اليهودية المثقفة النسبة الغالبة من المهاجرين السوفييت إلى إسرائيل بعد عامي 1980 و1991. فتح غورباتشوف باب الهجرة إلى فلسطين أمام يهود الاتحاد السوفييتي المنهار، ليتبنى اليهود الناطقون بالروسية موقفًا أكثر إسرائيلية وصهيونية من أي يهود آخرين، وبالتالي، فقد تماهى موقفهم مع موقف اليمين الإسرائيلي؛ إلا أنهم يحتفظون بكامل انتمائهم إلى روسيا بلدهم الأم ومصالحها.

وحافظت روسيا على دعمها الدبلوماسي والسياسي لإسرائيل، لا سيما عبر استخدام حق النقض (فيتو) ضد أي قرار يدين أعمال العنف والعمليات العسكرية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، أصحاب الأرض. تبرر موسكو استخدام الفيتو لصالح إسرائيل برؤيتها أن هذه الأعمال هي "دفاع عن النفس"، كما حصل في عملية "الجرف الصامد" ضد المقاومة الإسلامية في غزة عام 2014. تزامن الفيتو الروسي مع دخول الحرب السورية مرحلة جديدة من التصعيد العسكري، وأيقنت إسرائيل أنه يمكن التعاون مع روسيا بما يضمن هدوءها؛ ولتنفيذ مخططها الأمني، فقد أصبحت خطًا خلفيًا لفصائل معارضة عاملة في ريف دمشق الغربي وريف القنيطرة ودرعا؛ وأبرزها ألوية الفرقان ولواء اليرموك وجبهة النصرة، والتي أصبحت في وقت لاحق جزءًا من قوات الفيلق الخامس تحت القيادة الروسية.

التنسيق الاستخباراتي والأمني في سورية

تتلاقى الرؤى الأمنية الروسية والإسرائيلية في القدرة العالية على التنسيق الاستخباراتي وحماية الوضع السياسي القائم مع ضمان حقوق الحلفاء ضد أي هجوم عسكري خارج عن القانون الدولي، وتتفق كل من موسكو وتل أبيب أن أولوية الأمن القومي والفهم العسكري هي للقوة الاستخباراتية القائمة على المصالح المشتركة، والتي تضمن أمن إسرائيل ومصالح روسيا في المنطقة، والتي تحصلت على أكثرها بعد انخراطها في الحرب السورية. هذا الاتفاق جاء مصحوبًا مع تعديل العقيدة الروسية لتتضمن تحريك القوات المسلحة الروسية إلى خارج الحدود بهدف حماية أمنها القومي ومصالحها، في ظل الضغط السياسي والعسكري والاقتصادي الدولي على موسكو. أعادت موسكو عام 2014 صياغة مبادئ العقيدة الأمنية وأشارت إلى ضرورة الانتباه إلى التأثير المعلوماتي والاستخباراتي على الداخل الروسي، والتعاون مع الدول التي تصدر تكنولوجيا الاستخبارات وتكنولوجيا الأمن الرقمي، وبذلك استطاعت تقدير حجم الخطر المحيط بمصالح موسكو بعد الربيع العربي على الأقل.

وتخشى القيادتان من الربيع العربي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتعتبرانه حراكًا إسلاميًا من شأنه أن يضرب أي مخطط لهما في المنطقة ويهدد استقرار حلفاء في المنطقة. عدّ كل من فلاديمير بوتين وبنيامين نتنياهو أن تطويق الربيع العربي، على الأقل في سورية، بأسبابه المباشرة وغير المباشرة، مهمة تقع على عاتق الدول الشريكة في المنطقة؛ وليس من مصلحتها تغيير نموذج الحكم والسماح بانتقال ديمقراطي للسلطة وخسران الأنظمة التي تخدم بشكل أو بآخر مصالح تل أبيب وموسكو؛ كما الحال في سورية.

وعلى هذا، ومن منطلق أن كلا الطرفين يسعيان لضمان الأمن القومي: بالنسبة لروسيا أمن مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي ولإسرائيل أمنها في مواجهة الفصائل الإسلامية السنية الممثلة بجبهة النصرة ولواء الفرقان والفصائل القادمة من الشيشان وأفغانستان ودول القوقاز، والمقاومة الإسلامية الشيعية الممثلة بحزب الله والحرس الثوري؛ فإن أهم عامل في استدامة العلاقات الأمنية والاستخباراتية هي الامتناع عن انتقاد أي فعل - عسكري أم دبلوماسي - يقوم به أي من الطرفين؛ سواء في المنطقة أو خارجها. تضمن موسكو بهذا التعاون الخلاص من الجهاديين القوقاز والشيشان الذين يشكلون بأفكارهم الجهادية المتطرفة خطرًا على أمن موسكو ومصالح رعاياها في المنطقة؛ بينما تضمن تل أبيب إخراج إيران من سورية بأقل الخسائر الدبلوماسية والعسكرية جراء انخراطها بحرب مباشرة مع طهران أو وكلائها في المنطقة، حزب الله مثالا، عبر كفّ يد إيران التي أصبحت عبئًا على روسيا على الأرض السورية.

ولم تشارك إسرائيل في العقوبات التي فرضها كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ضد روسيا بعد ضم شبه جزيرة القرم، وتهديد سلامة وأمن إقليم دونباس. كما أنها لم تتدخل في أزمة روسيا - أوكرانيا الأخيرة واقترحت أن تعلب دور الوسيط بين الطرفين. وفي الوقت ذاته لم تشارك روسيا بإدانة أية أعمال عنف تقوم بها إسرائيل في المنطقة، ولا سيما بعد التصعيد الأخير في القدس وحي الشيخ جراح والعدوان على غزة منذ أيار/مايو الماضي، لصالح اعترافها بسلطة إسرائيل على المناطق المحتلة، سواء في الاجتماعات الدولية أو المباحثات الفردية التي قادها كل من بوتين ونتنياهو في أكثر من 15 زيارة إلى الكرملين. أحد أهم أوجه التنسيق الاستخباراتي الإسرائيلي - الروسي، هو اغتيال قيادات بارزة في المقاومة الفلسطينية في سورية، بعد فتح المجال الجوي أمام الطيران الحربي الإسرائيلي لتوجيه ضربات مباشرة وفي عمق دمشق، كما الحال في محاولة اغتيال أكرم العجوري في منزله بدمشق، أو اغتيال شخصيات تابعة لحزب الله اللبناني مثل علي محسن (الجواد) قرب مطار دمشق الدولي، دون أي رد من الجانب السوري.

في الوقت نفسه، تخشى إسرائيل من تعاظم قوة روسيا في سورية، ولا سيما بعد تشغيل نظام المراقبة والتعقب في القواعد الروسية في سورية، واكتشاف قدرة ورادارات قاعدة حميميم القادرة على تشويش حركة الملاحة الجوية في المنطقة في حال تعرضت مصالح موسكو للخطر؛ كما حدث أخيرًا بعد أن قصفت إسرائيل مواقع في ريف دمشق قبل أسبوعين، وكان نتيجة القصف أن تأثرت حركة الملاحة في مطار بن غوريون (اللد) بسبب القوة الدفاعية الروسية المتطورة في قاعدة حميميم.

التنسيق العسكري

على الرغم من تنافس روسيا وإسرائيل في سوق السلاح العالمية واقتصاد الحرب، إلا أن روسيا تزود جيران إسرائيل، لا سيما سورية ومصر، بأسلحة نوعية سواء عبر تزويدها بالمقاتلات الجوية أو بمنظومات الدفاع الجوي. وفي المقابل، فإن إسرائيل تعدّ من أهم الدول التي تصدر أسلحة إلى دول ما بعد الاتحاد السوفييتي وأهمها أوكرانيا وأذربيجان.

وبعد بروز الأزمة الأوكرانية عام 2014، وبسبب عمق العلاقات بين تل أبيب وواشنطن، فقد كان التنسيق العسكري قائمًا على هدف الحفاظ على توازن الدعم في الملفين السوري والأوكراني، وأوقفت إسرائيل تزويد روسيا بالطائرات المسيّرة (درونز)، نظرًا لحساسية الملف الأوكراني وعلاقة إسرائيل بالغرب.

منذ بداية الحرب في سورية، كانت آلية الحوار بين تل أبيب وموسكو قائمة على تفادي وقوع أي صدامات بين الروس والإسرائيليين على أي مستوى، والعمل على توجيه الجهود الثنائية نحو الأرض السورية وتحديد هوية وعدد القوى الفاعلة في الأرض. تعد تل أبيب الوجود الإيراني في سورية تهديدًا لأمنها القومي؛ وبالضرورة، فإنها تعمل على التنسيق مع أي قوة من شأنها التصدي لهذا الوجود وإضعافه. أصبحت تل أبيب قلقة من تضخم الميليشيا الإيرانية المساندة للجيش السوري الذي أنقذته موسكو من الانهيار، وخشيت فقدان السيطرة على الحدود الشمالية.

بدأ التنسيق الإسرائيلي - الروسي مع قوات المعارضة الموجودة في المثلث الجنوبي الغربي من سوري لضرب القوات الإيرانية التي كانت تتمركز في مقار عسكرية تابعة للجيش السوري، وأهمها لواء 90 ولواء 121 ميكا ومقرات الفرقة السابعة والفرقة الرابعة. استغلت تل أبيب التوتر الطائفي بين القوات السنية العاملة في جنوب سورية والقوات الشيعية التابعة لإيران؛ وأبقت تل أبيب علاقتها مع فصائل المعارضة رغم التنسيق مع القوات الروسية التي بدأت عملياتها في سورية في أيلول/ سبتمبر 2015. كان الجانب الإسرائيلي بحاجة إلى التنسيق على مستويين: الأول، عبر جعل قوات المعارضة حاجزًا أمام وصول القوات الإيرانية التي اتخذت من مناطق "مثلث الموت" جنوبي غرب سورية نقاط ارتكاز لها مع قوات جيش النظام لاستعادة قرى القنيطرة؛ أما الثاني، فقد كان من خلال تنسيق مع القوات الروسية، بحيث أن الأخيرة لن تتدخل جويًا في المثلث بشكل يمنع أية أخطاء أثناء العمليات العسكرية. جرى هذا التنسيق من خلال قنوات اتصال يعتمد عليها من الجانبين، كان نتائجها وضع الجانب الروسي في حيّز مراقبة وتوجيه عمليات قوات الفرق الثالثة والرابعة والسابعة، مشاة ومدفعية، التابعة للجيش السوري، مع القوات الإيرانية، لمواجهة قوات المعارضة.

استفادت تل أبيب، عبر إطلاق يدها في سورية ومنحها الضوء الأخضر من قبل موسكو، من معارك جنوبي غرب سورية من خلال إضعاف قوات المعارضة، والتأكد من القدرة على التحكم بهم، لا سيما من خلال فتح الخط أمام الجرحى لدخول المشافي الإسرائيلية وتزويدهم بالتموين، ونقل قرارات المشاورات التي تنعقد في غرفة العمليات العسكرية "موك" في الأردن. ضمنت إسرائيل بذلك عدم تعرض حدودها لأي عملية عسكرية وضمان تنفيذ العمليات ضد القوات الإيرانية بعيدًا عن حدود الجولان؛ بالإضافة إلى إضعاف القوات الإيرانية (الحرس الثوري وزينبيون وفاطميون)، عبر ضربهم مع قوات المعارضة السورية. أما على مستوى الاستفادة من الجانب الروسي، فإن التنسيق مع الروس، الذين يتحكمون بالمجال الجوي السوري، سمح لتل أبيب بتوجيه ضربات مباشرة للقوات الإيرانية وقوات حزب الله، مع ضمان عدم الرد من الجانب السوري أو الإيراني.

تسمح تل أبيب بتمرير أسلحة إيرانية إلى الفصائل الشيعية العاملة في سورية بشرط ألا تكون أسلحة نوعية وثقيلة تساهم في تقوية قدرات حزب الله الصاروخية، أو حتى حركة حماس، في الإقليم. لذا، تنفذ إسرائيل في ظل صمت روسي وعجز سوري، غارات بين وقت وآخر على مخابئ محتملة للأسلحة الإيرانية في سورية. على الرغم من تسليم موسكو دمشق أربع منصات من منظومة الدفاع الجوي طراز إس-300، إلا أن دمشق لا تستخدمها كون المنظومة تخضع لإدارة تشغيلية عسكرية من ضباط روس في قاعدة حميميم، ولا يُسمح لدمشق باستخدامها؛ وبالنسبة لروسيا، فإن استخدامها قد يكشف عيوبًا محتملة فيها مما يشكل تهديدًا لسمعة شركات التسليح الروسية أمام المعسكر الأوروبي. يشي هذا التصرف بتنسيق بين تل أبيب وموسكو يسمح بضرب أي هدف يُحتمل تهديده لأمن إسرائيل من داخل الأراضي السورية، سواء على مستوى العمل العسكري الجماعي أو مستوى الأفراد من مهندسي العمليات. منذ 2013، نفذ سلاح الجو الإسرائيلي ما لا يقل عن 285 غارة على أهداف سورية وإيرانية في دمشق وريفها وحمص؛ وأخيرًا في مرفأ اللاذقية الذي لا يبعد عن القاعدة الروسية سوى بضع كيلومترات.

رغم الضوء الأخضر لتل أبيب، إلا أن توقيت وسياق استهداف مرفأ اللاذقية لم يكن مؤاتيًا؛ واستغلته موسكو لتوبيخ تل أبيب وتذكيرها بملفات أخرى؛ أهمها الملف الأوكراني. لم تخفِ موسكو انزعاجها من ضربات إسرائيلية قريبة من أماكن سيطرتها، إلا أن لهجتها لم تكن بالحدّة المفترضة تجاه تل أبيب؛ رغم أن هناك اتفاقية تفاهم حول العمليات العسكرية والتدريبات المشتركة موقعة بين الطرفين في سورية.

ملف أوكرانيا مقابل ملف سورية

من المهم بالنسبة لموسكو في خضم الحديث عن غزو روسيا أوكرانيا، إبقاء نظر دول الاتحاد الأوروبي إلى الجبهة المشتعلة في سورية، وجهودها في ملف الحرب ضد الإرهاب، لا سيما بعد وصول الأزمة إلى مرحلة حرجة بعد إعلان انفصال كل من دونتسك ولوغانسك وبعد اجتياح قوات الجيش الروسي للأراضي الأوكرانية ووصولها مشارف كييف. وجدت إسرائيل، بصفتها حليفة دول الاتحاد الأوروبي، وبحكم علاقاتها الاجتماعية والدينية والدبلوماسية مع دول ما بعد الاتحاد السوفييتي، وبحكم علاقاتها التجارية والأمنية والاقتصادية مع أوكرانيا، نفسَها في مأزق بين دعم موسكو أو التخلي عنها في تصفية الملف الأوكراني. ترغب كييف باستدامة علاقتها مع تل أبيب عبر فتح السوق الإسرائيلية أمام الصناعة والتجارة الأوكرانية، واستيراد الأسلحة ومنظومات الدفاع الجوي الإسرائيلية المتمثلة بالقبة الحديدية وقطاع التكنولوجيا المتطورة (30% من الهايتك في أوكرانيا إسرائيلي)، إلا أن إسرائيل لم تمدّ المعونة الكاملة لأوكرانيا بسبب خوفها من ضرب العلاقات الدبلوماسية والأمنية مع موسكو.

لم يبرز موقف

على مستوى شرق المتوسط، تتمتع روسيا بحريّة مطلقة بالموانئ البحرية السورية، القريبة من المياه الإقليمية للأراضي الفلسطينية المحتلة، من خلال استئجار ميناء طرطوس بعقد لمدة 49 عامًا وتسيير دوريات عسكرية في ميناء اللاذقية بعد أن قامت إسرائيل بقصفه منذ أقل من شهر؛ ويشكل هذا تهديدًا للمعسكر الغربي لا سيما وأن الفرقاطات الروسية قريبة من سواحل فلسطين المحتلة من قبل إسرائيل.

تسعى تل أبيب إلى خلق توازن بين مصالحها في الملف الأوكراني و الملف السوري: فلا يمكن لها أن تقف موقفًا سلبيًا حيال الهجوم على أوكرانيا، كون دول مثل ليتوانيا وأوكرانيا من مستوردي السلاح الإسرائيلي والتكنولوجيا الأمنية التي تصنعها تل أبيب؛ ولا يمكنها، في الوقت نفسه، الإعلان بشكل واضح عن تأييدها لأوكرانيا، إذ أنها تعرض بذلك حدودها الشمالية للخطر وتصبح عرضة لصواريخ قادمة من سورية، كما حصل منذ أقل من شهر بعد أن أطلقت سورية صاروخًا باتجاه الأراضي المحتلة ودوت صافرات الإنذار في وادي عارة ومناطق أخرى في المثلث في الوسط، وفي شمالي فلسطين.

لم يكن وصول وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، إلى سورية قبيل الهجوم على كييف، للإشراف على المناورات الروسية في البحر المتوسط، عبثيًا؛ إذ أن المناورات على مستوى عالٍ من الأهمية وتحمل رسائل قوية للمعسكر الغربي الذي بدا عاجزا تماما عن التدخل لصالح كييف، ولم يقدم أية مساعدة لدرء خطر القوات الروسية؛ سواء على المستوى الدبلوماسي أو العسكري عشية الحرب. إلى جانب الأسلحة المستخدمة و المجربة في الحرب السورية من قبل الجانب الروسي، منذ عام 2015، والتي أظهرت متانة صناعة التسليح الروسية، فإن المناورات أبرزت قدرة فائقة لأسلحة روسية متطورة من قبيل مقاتلات "ميغ 31" ذات القدرة على حمل صواريخ من طراز "كينجال فرط الصوتية" المضادة لحاملات الطائرات، وقاذفات "تو-22 م"، بالإضافة إلى إبراز منظومة رادارات عالية الدقة في رصد الأهداف المُعادية، مع وجود أكثر من 15 سفينة حربية من الأساطيل الروسية الثلاث؛ المحيط الهادئ و أسطول الشمال وأسطول البحر الأسود، والقادرة على رصد الغواصات المعادية و تنظيم الملاحة البحرية والجوية في عمق 1.5 ألف كم.

تُذكّر موسكو تل أبيب أنه يجب عليها الضغط على واشنطن لرفع يدها عن ملف أوكرانيا، أو على الأقل تخفيف حدة لهجة الحوار حول الملف، بما يضمن تفاهمات توصل موسكو إلى حوار يضمن إنهاء الحرب في أوكرانيا وفق خارطة طريق تتناسب مع أهداف موسكو من الحرب، والتي يمكن أن تتلخص في منع أوكرانيا من الانضمام إلى حلف الناتو وقطع الطريق أمام المعسكر الغربي من تمتين نقاط ارتكاز بالقرب من الحدود مع روسيا، وقلب النظام في أوكرانيا وتسليم مقاليد السلطة للجيش الأوكراني بما يضمن مصالح روسيا في المنطقة.

عشية بدء الهجوم على أوكرانيا، عمدت إسرائيل إلى ضرب مواقع حساسة للجيش السوري في مناطق من ريف دمشق، والتي يوجد فيها أيضا عناصر من الشرطة العسكرية الروسية من إدارات المنطقة الجنوبية؛ في محاولة لاستغلال التوتر الحاصل على جبهة كييف، وخلق موازنة في المواقف تجاه الحرب ضد أوكرانيا، لا سيما بعد أن أعلن لابيد أن الحرب على أوكرانيا إنما هي حرب ساذجة، وأن التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا ما هو إلا "انتهاك خطير للنظام الدولي".

أما على مستوى روسيا، في محاولة من موسكو لإرسال رسائل ميدانية لكل من تل أبيب وحلفائها، أطلقت روسيا برنامج تدريبات مشتركة مع قوات الجيش السوري بالقرب من حدود الجولان، شملت تدريبات برية ومناورات جوية؛ في محاولة لإبقاء الملف السوري ورقة ضغط على المعسكر الغربي عن طريق تهديد حدود الأراضي المحتلة، وفي ذلك رسالة إلى تل أبيب بأنها ليست الوحيد القادرة على التحكم بقواعد اللعبة في المنطقة. وكردّ على تصريحات لابيد حول التدخل العسكري في أوكرانيا، أبدت موسكو انزعاجها من تصرفات إسرائيل في المنطقة، وعدّت إسرائيل دولة استيطانية تقوم على أراضٍ ليست لها. يبدو أن الرد الروسي لم يتأخر إذ أن البعثة الروسية في الأمم المتحدة أعربت عن قلقها الشديد من "خطط تل أبيب المعلنة لتوسيع النشاط الاستيطاني في مرتفعات الجولان المحتلة، الأمر الذي يتعارض مع أحكام اتفاقية جنيف لعام 1949"، وأن روسيا "لا تعترف بسيادة إسرائيل على مرتفعات الجولان التي هي جزء من سورية"؛ ليأخذ الجدال حول الملفين رسائل أخرى لأطراف دوليين تفيد بأن سوريو ومنطقة شرق المتوسط بالمجمل ساحات مفتوحة لتصفية ملفات أخرى.

التعليقات