24/09/2006 - 20:27

كل هذا الاصرار على اهانتنا.. وكل هذا الصمت العربي!/ ناصر السهلي

كل هذا الاصرار على اهانتنا.. وكل هذا الصمت العربي!/ ناصر السهلي
لم أنتمِ في حياتي إلى جماعة أو منظمة إسلامية ، لكن إنتمائي العربي الضيق والثقافي الاوسع إلى عالم إسلامي تختلط فيه دماء العروبة بالاسلام، أوقفني في كل مرة أشهد فيها مدى الاستغباء والمهانة التي يحاول اليمين الغربي الكولونيالي الجديد فرضه على عقولنا وترهيبها، كلما وهنت حالة هذا العالم العربي الذي يحتار في إستراتيجيته وتكتيكاته وتحالفاته المستهينة بالانسان عموما والعربي خصوصا...

كتبت قراءة في تصريحات بابا الفاتيكان ضمن السياق العام لإستمرار هذا المسلسل الترهيبي المنتقص من عقل الانسان العربي والمسلم، فلم يُعجب البعض (حتى العربي المنبطح على ظهره) قول الحقيقة القائلة بأنه ليس هناك ثمة مصادفة بين المشروع الامريكي وسلسلة التصريحات اليمينية الاستعلائية المتماهية مع حرافيشه العربية والغربية بشأن إعادة كتابة وصياغة تاريخ العقل الانساني للعربي..

ففي الغرب، الذي نعرف عقليته، ثمة فروق بين عقل متنور وعقل مُنقاد وراء أحزاب وقوى يمينية، ففي الثاني تهيمن النظرة الاستعلائية الاستشراقية، وإن سُميت إعتباطا أكاديمية، تنظر إلى شرقنا من ثقب لا يمكن وصفه ببضع كلمات... وفي الأول نرى عقلا منفتحا محذرا من سفاهات الساسة الغربيين الذين يتملقون لنظريات اليمين الامريكي المتطرف المتصهين، بقراءته لكل ردة فعل عربية | إسلامية دليلا على تنظيرات "صدام الحضارات".. فتلك القوى المحذرة من الانجرار خلف المشروع الامريكي الغربي تعاني الأمرين حتى في ديارها الديمقراطية، فتوضع تحت الرقابة الاشد صرامة من الرقابة العربية، ويعمل جاهدا اليمين المتطرف على تهميشها وإرهابها عبر عملية تجييش لجمهور يميني مُستلب العقل بفتح جل وسائل الاعلام أمام قيح العنصرية والتطرف وكيل الاتهامات بالخيانة لقوى غربية تحاول خلق نوعا من التوازن أو الوقوف كـ"بفرزون " أمام تلك الاندفاعات الهوجاء...

نقول هذا الكلام ليكون واضحا بأننا لسنا من السذاجة بمكان لنقوم بعملية تقليد لحالة من التعميم المستشري في الغرب الاول... فمن يتابع ردود الافعال التي جاءت ردا على طلب إعتذار البابا من أُناس يفترض بأنهم عاديون جدا، سيتفاجأ بأن بلدا بروتستنتيا كالدانمارك أفرد تلفازه الرسمي صفحة كاملة لردود، كان أقلها الدعوة إلى حرق هؤلاء المسلمين لتخليص البشرية منهم.. وقس على ذلك ما أفردته العديد من الصحف الغربية من تحشيد لأحزاب اليمين لجمهورها، تماما كما كانت مرحلة الرسوم الكاريكاتورية...

لوفيغارو الفرنسية التي قدمت لنا بعد تصريحات البابا مقالة من صحفي مغمور كل ما فعلته بأن ماحدث كان خطأً! وبأن نائب رئيس تحرير الصحيفة اليمينية لم يستطع أن يقدم للجمهور العربي سوى ذات الاهانات للعقل العربي الذي دائما ما يسيء فهم المقصود!

"إننا في زمن حرب, فإما هم وإما نحن، الغرب لم يهاجم الإسلام، إنهم هم الذين هاجمونا"

الاقتباس أعلاه لرئيس وزراء إسبانيا السابق الذي لم يرض أن يكون في الديمقراطية الغربية عقابا له على مواقفه من حرب بوش على العراق ومشاريعه لتحويل الشرق الاوسط ( تحديدا العالم العربي) إلى رقعة شطرنج يتلاعب بها وفق قراءته لدور الامبراطورية الامريكية المسخفة أيضا من قيمة وعقل الانسان العربي...

فالحرب التي يتحدث عنها أزنار وتخيير الغرب بين " إما هم وإما نحن"، في دفاعه عن بابا الفاتيكان، لا تسير إلا في سياق ما ذهبنا إليه عن العقلية التعميمية التي تحملها مخططات اليمين الغربي، في محاولة لفرض حالة إستعمارية أخرى...

هو، أي أزنار، ليس مجرد حالة فردية في العقلية السياسية النيوكولونيالية الغربية، فحين يتساءل عن الاعتذار الواجب تقديمه لاسبانيا عن فترة " إحتلال" العرب والمسلمين لها.. يدرك الرجل بأنه في الاصل لم يكن هناك من بلد يسمى إسبانيا... ويدرك بأن الحروب الصليبية التي كانت الكنائس الغربية تحض عليها وتقدم للمساكين من الفلاحين صكوك غفران لدخول الجنة... قابلها، بدل سفك دماء المسيحيين والمسلميين وتدمير مدنهم، بناء وإسهام عربي في نهضة الغرب قاطبة..

ولا نريد أن نذكر أزنار بكل تفاصيل الاذى الذي مارسته حملاتهم الصليبية في هذا الشرق، بل نطلب منه أن يقرأ ليستوعب بأن كل المدن الاسبانية تقريبا بنيت بالاصل على أيدي العرب والامازيع...

وفي المقابل أيضا حين قُدم لليهود صك البراءة والاعتذار، لم يجرِ تقديم إعتذار واحد للمسلمين والعرب الذين سفكت دمائهم حتى منتصف القرن العشرين...

بل ما قام به أجداد أزنار في لحظات التدني الاخلاقي والجهل المطبق، باعتبار الغرب مركز الكون( حتى يومنا هذا)، في إبادة عشرات الملايين من الهنود الحمر والسكان الاصليين للقارة الاسترالية، وسوق الأفارقة كعبيد إلى مستعمراتهم في ما كان يسمى الارض الموعودة... وتحويل حياة الانسان الغربي ذاته اليوم إلى عبودية للإستهلاك في ظل سيطرة الشركات العابرة للقارات في زمن من العولمة التي تريد إنتاج عقل مروض ومسير وفق أهواء الجشع الاستعماري الرأسمالي... لم يوازيه أي فعل عربي في إسبانيا التي حولها المسلمون والعرب، بوجود اليهود معهم، إلى منارة في العلم والبناء...

إذا كان أزنار وغيره يريد تصعيد نظرية صراع الحضارات، فليفهم بأنه يخدم هو وغيره إيجاد التربة الخصبة لهكذا صراعات لن تقف عند حدود التصريحات ...

لا بد أن الغرب اليميني يفهم ما نقصده.. تماما مثلما تفهم الانظمة العربية التي تدس رأسها في وحل من العار إعتقادا منها بأن إستهبال الشعوب يمكن له أن يدوم... قوة العرب ، حتى الديبلوماسية، حولتها عقلية الانصياع لـ" اللامنطق" في علاقتها بذاتها وشعوبها إلى مطية أضحت فيها عاجزة عن قول الحقيقة التي يعرفها كل زعيم وطني وكل إنسان عادي في أمريكا اللاتينية وفي أدغال أفريقيا...

بينما نحن العرب ليس لنا سلاح سوى الاستهزاء من قوتنا ومن الداعين لاستخدامها إستخداما مشروعا... بدل الجلوس على خوازيق إعادة صياغة دولنا إلى دول طائفية ومذهبية برعاية عقلية الكاوبوي الذي يجد بين ظهرانينا من يُبشر ويؤيد في السر والعلن النموذج العراقي الفاسد... مرتعدون من النموذج العراقي المقاوم والفلسطيني واللبناني والسوري بحجج أسخف من أن تقبلها عقول الدواب والنعاج!

فليقل أزنار وغيره ما يريدون قوله، لكن ماذا نقول ونفعل نحن العرب وأبناء هذا الشرق المستهدف إستهدافا واضحا؟

** ناصر السهلي- كاتب عربي
ممثل "كُتاب بلا حدود في الدانمارك"
دمشق في الاول من رمضان- 23 ايلول 2006

التعليقات