02/01/2007 - 11:13

بالأصالة عن نفسه وبالوكالة عن بوش.. / عبد اللطيف مهنا

بالأصالة عن نفسه وبالوكالة عن بوش.. / عبد اللطيف مهنا
بالأصالة عن نفسها، وبالوكالة عن الولايات المتحدة الأمريكية، غزت إثيوبيا الصومال لتخوض موضوعياً واحدةً من حروب بوش الكونية ضد عدوه الكوني اللامرئي المسمى بالإرهاب... هذا العدو ممثلاً هذه المرة في اتحاد المحاكم الشرعية الصومالية... سقطت مقديشو كما سقطت كابل وبعدها بغداد تحت الاحتلال... والذرائع التي تساق تقريباً هي هي، لتفتتح بهذا الغزو بؤرة حرب ثالثة انتهت بسقوط عاصمة لتبدأ من ثم هذه الحرب فعلاً، والله أعلم متى تضع أوزارها... المصطلحات التزويرية المعتمدة تتكرر من قبل غزاة جدد يسيرون على خطا من سبقهم وبالنيابة عنهم، مثل: قوات التحالف، القوات المشتركة، والمقصود هنا تحالف الجيش الإثيوبي الغازي وحكومة بيدوا المحاصرة سابقاً، وفاقدة الشعبية والحول والطول، وما تبقى من ميليشيات أمراء الحرب الذين عادوا مع الغزاة، أو اغتنموا فرصة اختفاء المحاكم المفاجئ لمعاودة الظهور.

واستطراداً، نسمع التعلل برسالة القضاء على الإرهاب، وواجب مطاردة فلوله، ومأثرة فرض الاستقرار... ومساعدة، لوجه الله، تقدم لهيئات المجتمع المدني بغية إعادة بناء الدولة الصومالية، أو الهيئات المزعومة في بلد قبلي بامتياز ولم يعرف راهنة مثل هذه الهيئات، وصولاً إلى إرساء الديموقراطية على الطريقة الإثيوبية هذه المرة... وأخيراً، إنها، وفق المنطق الإثيوبي، حرب استباقية مفروضة على ميليس زيناوي، والتي لا يريدها وإنما اضطر لها أو أكره عليها لا لشيء إلا للمحافظة على السيادة الإثيوبية المهددة من قبل من يتوعدون باحتلال اديس أبابا، وكل ذلك جاء بطلب من حكومة بيدوا الانتقالية المؤقتة الشرعية... والمهم أنه بضوء أخضر ومساعدة استخباراتية أمريكية!!!

هنا التاريخ، في شقه العدواني الاستباقي، يعيد نفسه... انتصار إثيوبي سريع أكثر من المتوقع لدى أصحابه يذكر بالانتصارين الأمريكيين، لكن مع الفارق طبعاً، اللذين تما في بداية غزو أفغانستان والعراق... انتصار لا يعمل حساباً لمقاومة حتّام سوف تندلع... أي مثل ذينك الانتصارين السريعين نظراً لاختلال موازين القوى اللذين أدت تداعياتهما فيما بعد إلى ذات الورطة التي تعيشها اليوم الإدارة الأمريكية في هذين البلدين، كنتيجة لمثل هذه البلطجة العشوائية، أي أزمة تخبطها وتوالي اجتهاداتها غير المبشرة للخروج منها، أو هذه التي تدرس أو يعاد النظر فيها أو المنتظر الإعلان عنها في الأيام القليلة القادمة من استراتيجيات منشودة، تلك التي يراد لها أن توضع أو تعتمد من أجل الخروج من الورطة مع البقاء في المنطقة كمشروع هيمنة ليس من السهل انكفاؤه، حيث تشكل اللجان، ليلتف على توصياتها من قبل الإدارة الأمريكية ذات النهج الأيدلوجي والنزوع الإمبراطوري، كما هو الحاصل مع لجنة بيكر – هاملتون العتيدة، مثلاً...

هنا لا بد من ملاحظة أمور أربعة:
الأول، انسحاب مقاتلي المحاكم وشيوخها المفاجئ من كل الجبهات أو المدن وذوبانهم السريع بعد خلع البزة العسكرية وارتداء الملابس المدنية في مجتمعاتهم القبلية، الأمر الذي يذكرنا بالمثال الطالباني بعد سقوط كابول.

والثاني، قدوم الحكومة الانتقالية المؤقتة على ظهر الدبابات الإثيوبية مع ما تيسر من أمراء الحرب، أو أولئك الذين سارعوا لإعلان موالاتهم لها منهم، إلى مقديشو، وهذا يحدث تماماً، وأيضاً مع الفارق، مثلما كان الأمر بالنسبة لتحالف الشمال الأفغاني، وبقايا مجاهدي الحقبة السوفيتية المنصرمة.

والثالث، أن الرئيس الإثيوبي المنتصر مؤقتاً، والذي أعلن أن جيشه قد قتل ما بين الألفين إلى ثلاثة آلاف من مقاتلي المحاكم، بدأ منتشياً بانتصاره، ويتصرف كحاكم عسكري، الأمر الذي يذكرنا مجدداً بشيء من الرئيس بوش بعيد سقوط كل من كابل وبغداد... من ذلك جملة من التصريحات النابايونية مثل قوله: "إننا نبحث ما سنفعله بحيث لا تهوي مقديشو في فوضى، ولن نسمح باحتراقها".

وفي عودة عن تأكيد سابق بعدم دخول جيشه العاصمة الصومالية، ورجوع عن إعلانات متكررة بمغادرة الصومال "في أسرع وقت ممكن" يسوق الرئيس الإثيوبي ذريعة للبقاء لا المغادرة ألا وهي واجب مطاردة فلول المتطرفين، عندما يقول:
إن "قادة المحاكم والجهاديين والأريتريين يلوذون بالفرار ولكن سنواصل ملاحقتهم، وهذا هو برنامجنا"، ثم يعطي توجيهاته للحكومة الصومالية الانتقالية، التي من المفترض أنه جاء لنصرتها، وسيظل منتصراً لها طالما طلبت منه ذلك، قائلاًَ:
"لا ينبغي للحكومة الاتحادية المؤقتة أن تسمح بوجود أمراء الحرب في مقديشو".

والطريف هنا أن أمراء الحرب، أو بعضهم، هم جزء من هذه الحكومة، وبرلمانها، أو أعلنوا الولاء لها، ومنهم من سبقوها إلى إحياء مقديشو ووضعوا أيديهم، كما قالت الأنباء، على ما تبقى من مؤسسات في بلد غزت فيه المؤسسات، مثل المطار والميناء، والقصر الحكومي إلخ.

الرابع، هو أن قرار الأمم المتحدة الأخير بشأن الصومال السابق للغزو الإثيوبي، والسابق أيضاً لمحاولة استصدار قرار آخر بعد الغزو يدعو لانسحاب الغزاة، وهي محاولة فشلت بفضل الممانعة الأمريكية، قد مهد للتدخل الإثيوبي، وبين ثناياه، إذ ما وجد حظوظاً للتطبيق، يكمن مخرج للحكومة الصومالية الانتقالية... هذه الحكومة الضعيفة والعديمة الشعبية لقدومها مع الغزاة إلى العاصمة المحتلة، والفاقدة للبنى والهيكليات، والتي لم تفعل خلال عامين من عمرها الذي بدأ في نيروبي شيئاً على صعيد برنامجها المتفق عليه لإخراج البلد من الفوضى، تلك التي نجحت المحاكم، أي خصمها، نسبياً، في وضع حدٍ لها... وهو مخرج تمثل في قوات إفريقية تحل محل الإثيوبية، هذا إذا ما جرت الأمور أو التطورات وقتما تشتهيه سفن هذه الحكومة...

في تعاملها مع ردود الأفعال الإقليمية والدولية على الغزو الإثيوبي، نلاحظ أن إثيوبيا لم تلق بالاً للدعوات التي جاءت من الجامعة العربية، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والاتحاد الإفريقي، ومنظمة الإيغاد، التي تطالبها بالانسحاب من الصومال... وبعضها يطالب بانسحاب فوري، كما هو حال منظمة المؤتمر الإسلامي، في حين أن الجامعة تدعو إلى تنسيق الجهود الدولية والإقليمية لوقف إطلاق النار... اللامبالاة الإثيوبية مردها عدم تأثير من يدعونها في مواجهة استنادها إلى الدعم الأمريكي المعلن للغزو. هذا الذي كان قد بدأ واضحاً، كما أشرنا في مقال سابق، عندما زار الجنرال جون أبي زيد أديس أبابا "لبحث شؤون عسكرية مشتركة"، وانتهى الآن معلناً عندما اعتبرت واشنطن الغزو الإثيوبي للصومال "دفاعاً عن النفس"، وبتعطيلها قراراً من المفترض أن يصدر عن مجلس الأمن يطالب بانسحاب الغزاة.

والآن، وبعد سقوط مقديشو، يلح على المتابع مثل هذا السؤال:
وعلى ضوء ما تقدم، الصومال إلى أين؟!

هنا لا بد من الأخذ في الاعتبار عدة أمور، أولها: هذا الذوبان السريع لقوات المحاكم، بقرار تكتيكي معلن، يأخذ في الحسبان عدم تكافوء القوى واختلال موازين المواجهة. فالجيش الإثيوبي المقارب عديده ال 170 ألفاً، المجهز والمدرب والمسلّح بحيث يعد من أقوى الجيوش في القارة السوداء، يواجهه، على ما تفترض بعض التقديرات، زهاء عشرة آلاف متطوع من ميليشيا المحاكم ذات التسلح شبه الفردي الخفيف إجمالاً، وعليه، فحرب العصابات هي السبيل الوحيد المنطقي لمن يريد مواجهة ما يعد عدواً تاريخياً بالنسبة للصوماليين... وهنا يكمن فهم المغزى من قول شيخ شريف أحمد، وهو يعلن تكتيك المحاكم الجديد للمواجهة والقائل بحرب عصابات طويلة الأمد: "لا أتوقع إلا القتال".

هناك من يستخف بمثل هذا الكلام، ويبني ذلك، على سرعة الانتصار الإثيوبي واختفاء المحاكم من الجبهات، لكن من يدرك عمق العداء الذي يختزنه الصوماليون للإثيوبيين، ومدى شعبية المحاكم التي جلبت نوعاً من الاستقرار للبلد، وحدّت من فساد أمراء الحرب، بالإضافة إلى تدين الصوماليين إجمالاً يدرك مدى جديته... ويعزز هذه الجدية كون المحاكم أصلاً هي محاكم قبلية، أي أنه كان بدايةً لكل قبيلة محكمتها، التي يراد منها أن تعوض غياب الدولة، ثم كان اتحادها فيما بعد، وتدرّجها، بدءاً من المطالبة بتطبيق الشريعة بعيد سقوط نظام زياد بري قبل 16 عاماً، أي منذ أيام حكومة علي مهدي محمد عام 1991، ثم اختفائهما لتعود للظهور في العام 1994 داعيةً لفرض النظام، حتى تطورها مع الأيام إلى سلطة في مواجهة الفراغ وعبث أمراء الحرب، وأخيراً سيطرتها على العاصمة ومناطق شاسعة من الصومال خلال الستة أشهر المنصرمة.

الثاني، أما وقد انتهت على ما يبدو سبل وفرص التسوية بسقوط مقديشو تحت الاحتلال، رغم الكلام المستمر عن التسويات والكلام عن وساطة كينية، فإن الورطة الإثيوبية في الصومال سوف تستدعى سواها. هناك، من الآن، كلام منطقي عن حرب عصابات، وتوقع أن تحظى بدعم إريتري مثلاً، وآخر عن انتهاج الأسلوب العراقي في المقاومة، وكلام أكثر عن حرب إقليمية سيؤدي لها هذا الحدث لا محالة. وحيث كانت النتيجة الأولية له هو عودة أمراء الحرب ومعهم السلب والنهب في أول يوم احتلال تشهده مقديشو، وبالمقابل مظاهرة في العاصمة المحتلة ضد التدخل الإثيوبي، فإن الوجع الصومالي المزمن في الأوغادين المقتطعة من الوطن لصالح إثيوبيا، وكذا ما يدعى الإقليم الشمالي ذو الأغلبية الصومالية في كينيا، يؤكد على أن الاستقرار في مثل هذا البلد المنكود لا يخدم مصالح إقليمية، وهنا نأتي إلى الأمر الثالث وهو:

إن هذه التربة المضطربة إقليمياً تغري الراغبين دولياً في إعادة تركيب القرن الإفريقي إجمالاً وفق مصالحهم واستراتجياتهم الكونية، وعليه، وفي هذا السياق، هاهي واشنطن الراعي للغزو الإثيوبي تسارع إلى فتح جبهة جديدة لمحاربة الإرهاب بالوكالة عنها... نحن إذن أمام أفغانستان صومالية، أو كما قلنا في مقال سابق، عرقنة القرن الإفريقي... وحيث أن هذا السياق هو أقرب الطرق لتغذيه روح مواجهة الغزو وبالتالي انطلاق شرارة مقاومة الاحتلال وفق المثال الأفغاني والعراق، أو استثارة ما يدعوه الأمريكان والإثيوبيون بالتطرف، نخلص إلى هذا السؤال:

ترى، هل نحن في الصومال، أو القرن الإفريقي إجمالاً، أزاء تداعيات مريرة ودامية، لعلها ستكون جزءاً من استراتيجية بوش الجديدة الموعودة في المنطقة أو نتيجة محتومة لها؟؟!!

التعليقات