18/07/2012 - 10:46

حول "أخونة" الانتفاضات العربية../ علي جرادات

"تحالف مصر والسعودية حماية للمذهب الإسلامي السني الوسطي"، والقول للرئيس المصري الجديد، محمد مرسي، خلال زيارته للسعودية. هنا ثمة تصريح مثقل بالدلالات، وبربطه بتصريح آخر لمرسي يقول: "أمن الخليج العربي خط مصري أحمر"، تكون إيران هي المقصودة، لا بالمعنى السياسي فقط، كما أسس ومارس الرئيس المخلوع، حسني مبارك، ترجمة للإرادة الأمريكية، وخدمة لمصالحها ونفوذها ومخططاتها، ومنها اعتبار إيران لا إسرائيل العدو المركزي للعرب، بل بالمعنى المذهبي أيضاً، كما يريد التأسيس والممارسة باسم مصر الدولة الرئيس مرسي "ألإخواني" النشأة والتربية العقل والعاطفة، ما يعني أن "الإخوان" لا ينوون مواصلة سياسة مبارك الخارجية بعد تديينها فقط، بل ينوون مذْهَبَتِها بطريقة تخالف توجه مؤسسة الأزهر، المرجعية الرسمية للمسلمين، التي تعترف بالمذاهب الإسلامية كافة، ومنها المذهب الشيعي الذي تسمح بتدريسه أسوة ببقية المذاهب. وهنا تكمن الدلالة الأكثر خطورة لتصريح مرسي، إذ مفهوم أن يغازل السعودية الثرية أملاً في تلقي المساعدات، أما أن يكون ثمن المساعدة وضع سياسة مصر الدولة تحت الإبط السعودي، وبالتالي تحت الإبط الأمريكي، فأمر لا يمكن تفسيره إلا باعتباره رسالة سياسية أخرى، إنما من عيار ثقيل، يريد "الإخوان" منها لا ضمان الدعم الأمريكي لهم داخل مصر فقط، بل، وضمان الدعم ذاته لهم في سوريا أيضاً، ما يشي بطموحهم لـ"أخونة" الحقل السياسي العربي عبر التفرد بنتائج الانتفاضات العربية، والمصرية والسورية بخاصة، لكن السؤال: هل طموح "الإخوان" هذا واقعي؟

حول

   "تحالف مصر والسعودية حماية للمذهب الإسلامي السني الوسطي"، والقول للرئيس المصري الجديد، محمد مرسي، خلال زيارته للسعودية. هنا ثمة تصريح مثقل بالدلالات، وبربطه بتصريح آخر لمرسي يقول: "أمن الخليج العربي خط مصري أحمر"، تكون إيران هي المقصودة، لا بالمعنى السياسي فقط، كما أسس ومارس الرئيس المخلوع، حسني مبارك، ترجمة للإرادة الأمريكية، وخدمة لمصالحها ونفوذها ومخططاتها، ومنها اعتبار إيران لا إسرائيل العدو المركزي للعرب، بل بالمعنى المذهبي أيضاً، كما يريد التأسيس والممارسة باسم مصر الدولة الرئيس مرسي "ألإخواني" النشأة والتربية العقل والعاطفة، ما يعني أن "الإخوان" لا ينوون مواصلة سياسة مبارك الخارجية بعد تديينها فقط، بل ينوون مذْهَبَتِها بطريقة تخالف توجه مؤسسة الأزهر، المرجعية الرسمية للمسلمين، التي تعترف بالمذاهب الإسلامية كافة، ومنها المذهب الشيعي الذي تسمح بتدريسه أسوة ببقية المذاهب. وهنا تكمن الدلالة الأكثر خطورة لتصريح مرسي، إذ مفهوم أن يغازل السعودية الثرية أملاً في تلقي المساعدات، أما أن يكون ثمن المساعدة وضع سياسة مصر الدولة تحت الإبط السعودي، وبالتالي تحت الإبط الأمريكي، فأمر لا يمكن تفسيره إلا باعتباره رسالة سياسية أخرى، إنما من عيار ثقيل، يريد "الإخوان" منها لا ضمان الدعم الأمريكي لهم داخل مصر فقط، بل، وضمان الدعم ذاته لهم في سوريا أيضاً، ما يشي بطموحهم لـ"أخونة" الحقل السياسي العربي عبر التفرد بنتائج الانتفاضات العربية، والمصرية والسورية بخاصة، لكن السؤال: هل طموح "الإخوان" هذا واقعي؟

   يحيل السؤال أعلاه إلى سؤال مدى واقعية نمط تفكير عربي انفصل عن الواقع فتحول إلى أيدولوجيا ما انفك أصحابها يحاولون استبقاء الوعي السياسي للمواطن العربي محشوراً بين خيارين: إما القبول بسلطة رجال الدين أو القبول ببقاء سلطة الحكام المستبدين الذين ادعوا زوراً، (وصدقهم مَن صدقهم)، تمثيل التيارات المدنية، وتلك ثنائية أيديولوجية مجردة يتشارك "الإخوان"، (وما تفرع عنهم)، وأنظمة الاستبداد في تعميمها في الوعي والعقل والممارسة، بل ويساهمان بمشترك طموحهما لاحتكار الحقل السياسي العربي، في تصوير صعوبة الفكاك منها، أو استحالته، وكأن ثمة "عقلا سياسياً عربياً ثابتاً"، ولعل تمسك "الإخوان" بأوهام هذه الثنائية وكأنها الحقيقة، هو ما يحول دون استقرائهم للناشئ بعد الانتفاضات الشعبية، استقراء يتجاوز اعتباره مجرد حدث، إلى رؤيته علاقة، أو مجموعة علاقات مترابطة تولد أحداثاً مطلوب استخراج باطنها من ظاهر يحجبه بالقبض على ملموس تناقضاته المعقدة التي تنتج حركة متصاعدة لا تعصف براهن النخب السياسية، (ومنها "الإخوان")، ومستقبلها وحسب، ولكنها تحرر الوعي السياسي للمواطن وترسم ملامح مستقبله أيضاً، حيت صار صوت المواطن الناخب حاسماً في تحديد ميزان القوى بين النخب المتنافسة على نيل ثقته، ما يجعله الضمانة الأساسية لاستمرار فتْحٍ الحقل السياسي بعد إغلاقه عقوداً، بينما يحاول "الإخوان" اليوم إعادة إغلاقه من جديد، لكنهم ربما يدرون وربما لا يدرون أن محاولتهم هي مجرد فرْضٍ للأيديولوجي على الواقع وكأنه الواقع، ذلك لأنها:  
 
1: تصطدم بعقبات تساوي عقبات محاولة إعادة احتكار هذا الحقل السياسي بعد أن حررته انتفاضات لم يحظ "الإخوان"، (كما لم يحظ غيرهم)، بشرف تفجيرها أو قيادتها، ما يعني انطواء هذه المحاولة على معارك فكرية سياسية ومجتمعية معقدة لا مع الجيش، (في مصر وسوريا مثلاً)، فقط، بل أيضاً، وهذا هو الأهم، مع بقية قوى المجتمع السياسي والمدني، وخاصة مع الائتلافات الشبابية التي فجرت الانتفاضات، وتعارض تحويلها إلى انتفاضات دينية، فما بالك بتحويلها إلى انتفاضات مذهبية؟          

2: وتواجه معضلات تساوي معضلات محاولة تفريغ أهداف هذه الانتفاضات من مضمونها، ذلك أن أهدافها، (كأي ثورة أو انتفاضة شعبية)، لا تتحدد بمزاجية أو إرادوية، إنما بمقاربة موضوعية خلاقة بين الخاص في تجربة ثورية بعينها وبين العام في التجارب الثورية التاريخية التي تبقى قابلة للتجدد ما لم تفضِ، (بعد إطاحة نظام سياسي قائم بقوى اجتماعية معينة)، إلى تأسيس نظام سياسي جديد بقوى اجتماعيه جديدة ذات ثقافة وسياسة وقيم وأخلاقيات جديدة.

3: وتنطوي على خلق استقطاب، بل صراع، حاد ومعقد بين قوى المجتمع السياسي والمدني التي التحقت بركب هذه الانتفاضات بمشارب وبرامج ومرجعيات متنوعة، ما يفرض ضرورة صياغة مقاربتها بالتوافق بين هذه القوى، وليس بتفرد إحداها وكأنها من فجرها وقادها.

4: وتحمل في جوفها اللجوء إلى سياسة مهادنة، بل تابعة، للتدخلات الخارجية في شؤون الانتفاضات العربية، وأخطرها التدخلات الأمريكية والغربية عموماً، وتقود بالنتيجة إلى الاستنجاد بها ضد أطراف داخلية، تماما كما فعل حكام الاستبداد والتبعية على مدار عقود لم تسفر إلا عن انفجار انتفاضات شعبية فاجأت الجميع وأذهلتهم.

5: وتتجاهل أن فوز "الإخوان" النسبي والمتفاوت بالسلطة في تونس والمغرب ومصر غير مستقر، بل، وتراجع نوعياً في الانتخابات الرئاسية المصرية قياساً بنتائج الانتخابات البرلمانية قبل شهور معدودة، بل، إن فوز مرشحهم بمنصب الرئاسة لم يكن ليكون لولا ما حصل عليه من أصوات مؤيدي بعض التيارات المدنية، عدا أنه جاء بفارق ضئيل حتى عما حصده منافس أراد إعادة إنتاج النظام السابق، هذا ناهيك عن أن نتائج الانتخابات في الجزائر وليبيا قد جاءت مغايرة تماما، فيما الحالة السورية معقدة ومفتوحة على احتمالات عدة، ما يعني أن الحصاد الانتخابي لألوان الطيف الفكري والسياسي العربي في انتخابات ما بعد الانتفاضات الشعبية ما انفك متحركاً، ويشهد تحولات لافتة، يغدو صعباً معها تصور واقعية محاولة "أخونة" الحقل السياسي العربي المساوية لإعادة احتكاره، والمنطوية على عقباته ومعضلاته وصراعاته ذاتها.

6: وتتجاهل أن الوعي السياسي للمواطن العربي بعد الانتفاضات الشعبية صار ينتقل، وإن ببطء وتدرج، من وضعية مواطن يعطي الصوت لمن يشاطره الانتماء إلى دين أو طائفة أو مذهب أو قبيلة أو جهة جغرافية، إلى  وضعية مواطن يعطي صوته لمن يعبر عن مصلحته كفرد حر، كما دلت بدايات تجربة الانتخابات في تونس ومصر وليبيا، حيث قل التصويت تبعاً للاعتبارات الأيديولوجية المجردة في المدن وفي أوساط الجيل الشاب والطبقة الوسطى، بينما كان على نحو نسبي آخر في الأوساط الريفية والطبقات الشعبية والأقل تعليماً التي يرتبط تطور وعيها السياسي بوصول الأحزاب السياسية التي تدعي تمثيلها إليها، عدا ارتباطه بتوحيد هذه القوى لنفسها، وبتبنيها لمصالح هذه الأوساط الاجتماعية، والنضال لتحقيق مطالبها بالفعل قبل القول، بما يحول دون تركها فريسة للفقر والتهميش والجهل كعوامل مجتمعية تساعد كل راغب في إعادة احتكار الحقل السياسي، وفي هذا السياق ثمة أهمية لتمثل دروس تجربة ما أحرزه المرشح الرئاسي، حمدين صباحي، من نتائج مفاجئة ومبهرة في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة المصرية، ودروس تجربة ما أحرزه تحالف القوى الوطنية من نتائج مغايرة لكل التوقعات في الانتخابات الليبية.

   عليه، إن محاولة "أخونة" الحقل السياسي العربي، إي إعادة احتكاره، هي محاولة أيديولوجية لا واقعية، حتى لو ساندتها الولايات المتحدة التي لم تفضِ مساندتها لأنظمة الاستبداد إلا إلى إضافة عامل آخر لعوامل اندلاع الانتفاضات الشعبية، لكن يبدو أن أيديولوجية "الإخوان" لم تسمح، (ويبدو أنها لن تسمح)، لهم باستخلاص الدرس تماما بعد.                                        
                          

التعليقات