كشف أرشيف الجيش الإسرائيلي محاضر مداولات هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي في الأيام التي سبقت حرب حزيران العام 1967 وخلال الحرب. ويأتي الكشف عن المحاضر اليوم الخميس – الرابع من حزيران، الذي يصادف يوم الذكرى السنوية ال48 لعدوان حزيران، الذي احتلت إسرائيل خلاله الضفة الغربية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان وشبه جزيرة سيناء.

وتكشف هذه المحاضر عن خطط ترحيل الفلسطينيين من الضفة، والخلاف بين القيادة السياسية والعسكرية حيال شن الحرب، واقتراح وزير الأمن الإسرائيلي حينذاك، موشيه ديان، بتشكيل حكومة عربية في جزء من الضفة الغربية، والمخططات الإسرائيلية لترسيخ الاحتلال في الضفة خصوصا.

أجواء عدوانية

 ووفقا لهذه المحاضر، لم يستبعد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي في حينه، يتسحاق رابين، قبل نشوب الحرب أن 'يكون هناك خطر جدي على وجود إسرائيل' وأن 'الحرب ستكون صعبة وشديدة وكثيرة الخسائر' في الجانب الإسرائيلي.

رغم ذلك، أضاف رابين، خلال المداولات التي حضرها وزراء أيضا، أنه بسبب جهوزية الجيش المصري في سيناء، فإن كل يوم يمر من دون هجوم إسرائيلي سيؤدي إلى زيادة تحصين الجيش المصري في سيناء. 'وفي حال اضطررنا إلى ضربه، فإن الأمر سيكون أصعب'، وأشار إلى أن السوريين 'لن يجلسوا بهدوء'.

وتابع رابين أنه 'أشعر، وأكثر من مجرد شعور، أن حلقة خانقة عسكرية – سياسية آخذة بالإنغلاق حولنا، ولا أعتقد أن أحدا آخر غيرنا سيفتحها. وليس مسموحا لنا بالانتظار حتى نشوء وضع أصعب، إن لم يكن أكثر من ذلك، ولا أريد أن أعبر عن الأمور بشكل أكثر صراحة، في حال لم نعمل فورا'. واعتبر رابين أن الهدف المركزي هو إنزال 'ضربة ساحقة' على الرئيس المصري جمال عبد الناصر، معتبرا أن من شأن ذلك إحداث تغيير في الشرق الأوسط كله.

وقال قائد سلاح الجو الإسرائيلي، الجنرال مردخاي هود، إن سلاح الجو جاهز لشن غارات فورا، وأنه لا حاجة للانتظار 24 ساعة. كذلك أيد رابين الجنرال أريئيل شارون، الذي قال إن 'قوات الجيش الإسرائيلي جاهزة كما لن تكن جاهزة أبدا من حيث قدرتها على الإبادة وصد الهجوم المصري'، وادعى أن التردد والمماطلة أديا إلى 'فقداننا لعامل الردع الأساسي الذي كان لدينا، وهو خوف الدول العربية منا'.

وفي هذه الأجواء الحربجية العدوانية في صفوف قادة الجيش، قال رئيس حكومة إسرائيل، ليفي أشكول، خلال المداولات نفسها، إنه 'فلنفترض أننا كسرنا اليوم قوة العدو. سيتعين علينا بدءا من الغد أن نعيد بناء قوتنا. وعندها، إذا اضطررنا أن نحارب كل عشر سنوات، سيتعين علينا أن نفكر ما إذا كان لدينا حليفا يساعدنا، أم أننا نتحدث اليوم مع الحليف ونقول له غدا: نحن نستخف بك'.

'السماح' لسكان الضفة بالنزوح شرقا

عشية نشوب الحرب، في الخامس من حزيران، أبلغ سلاح الطيران الإسرائيلي قيادة الجيش بأنه شن غارات ضد قواعد سلاح الجو المصري وأصاب 180 طائرة مقاتلة على الأقل حتى الساعة 11:05. وبحسب المحاضر فإنه تقرر في مداولات بحضور ديان عدم مهاجمة سوريا، لكن بعد ساعة هاجم الطيران السوري طبريا ومجيدو، وفي أعقاب ذلك تقرر أن يهاجم الطيران الإسرائيلي أهدافا في سوريا وقصف أربعة مطارات عسكرية.

وجاء في المحاضر أنه 'تم اشتراط احتلال الضفة بالوضع في الجنوب. وفي جميع الأحوال، تقرر أن إمكانية احتلال الضفة كلها أفضل من اختراق مسار إلى جبل المشارف (في القدس الشرقية) فقط'.

وقال محضر اجتماع للجيش في اليوم الثاني للحرب إنه 'إذا كان الوصول إلى جبل المشارف سيتم في الصباح، فإنه ينبغي احتلال الضفة حتى (منطقة) قمم الجبال، ومنح إمكانية للمدنيين بالهروب'، أي ترحيل الفلسطينيين الخائفين من قوات الاحتلال الإسرائيلية. وأبلغ قائد سلاح الجو الإسرائيلي، استنادا إلى تقارير تلقاها من طياريه، بأنه يوجد 'هروب شامل' للفلسطينيين باتجاه الشرق، أي الأردن. وفي ساعات مساء اليوم نفسه، أبلغ ديان قادة الجيش بالاستعداد لاقتحام البلدة القديمة في القدس.

وفي اليوم التالي، 7 حزيران، أصدر ديان في الصباح الباكر أمرا بإغلاق البلدة القديمة واقتحامها، وألا تقتحم القوات المسجد الأقصى وحائط البراق. وتم تعيين شلومو لاهط حاكما عسكريا للمدينة. وجاء في المحضر العسكري أن حشود فلسطينية تنزح عن الضفة باتجاه الشرق. وقبل ظهر اليوم نفسه تلقت قيادة الجيش بلاغا من القوات بأنها احتلت الحرم القدسي الشريف وأن القوات بالقرب من باحة البراق.   

وفي موازاة ذلك وجه الجيش الإسرائيلي تهديدا إلى الأردن بأنه في حال عدم توقف القصف على القدس فإن الطيران الإسرائيلي سيقصف عمان. لكن مقاطع من هذا المحضر فرضت عليها الرقابة العسكرية أمر حظر نشر.

حكومة عربية في جزء من الضفة

بدأ الجيش الإسرائيلي في اليوم التالي، 8 حزيران، يناقش خطط ترسيخ الاحتلال في الضفة الغربية، وتقرر أن يحكمها حكم عسكري، وأن تقسم إلى ست مناطق، وأن يكون الحكم العسكري خاضع لقائد الجبهة الوسطى في الجيش.

ويتبين من المحاضر أن ديان طرح عدة أفكار حول مصير الضفة، بينها تشكيل 'حكومة عربية مستقلة' في قسم من أراضي الضفة، و'توحيد القدس'، وإلغاء اتفاقيات لجنة وقف إطلاق النار التي أقرت الحدود بين إسرائيل والأردن، في العام 1949.

وفي مقابل ذلك بدأ الجيش الإسرائيلي شن هجماته ضد سوريا.

وفي فجر يوم التاسع من حزيران أبلغت قيادة الجبهة الجنوبية للجيش الإسرائيلي أن قواتها أصبحت موجودة عند ضفاف قناة السويس والبحر الأحمر، وأنه تم احتلال سيناء كاملة، وأن 'الجيش الإسرائيلي ينتقل إلى الدفاع عن الحدود المتسعة لدولة إسرائيل، في الجنوب والشرق والشمال'.