تسببت المواجهات فجر اليوم بين عناصر من الشرطة المصرية ومتظاهرين في ميدان التحرير بالقلق من أن الثورة المصرية تواجه خطر الانتكاسة الحقيقة نتيجة ثورة مضادة، فيما يقلل بعض المراقبين من خطورة المواجهات ويعتبرها ردات فعل من قبل فلول النظام السابق، خصوصاً أنها جاءت بعد ساعات من قرار محكمة مصرية بحل المجالس المحلية التي أنتخبت في عهد الرئيس المخلوع مبارك. ويرى البعض أن ما حدث هو رد فعل غاضب من قبل أسر الشهداء والمصابين، نتيجة تأخر وتأجيل محاكمة رموز النظام السابق وعلى رأسهم الرئيس السابق حسني مبارك ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، حسبما ذكرت صحيفة "الشروق" المستقلة

وأعلنت وزارة الصحة المصرية أن إجمالي عدد المصابين في الأحداث التي وقعت في منطقة ميدان التحرير فجر اليوم بلغ حتى الآن 1036 مصابا، من بينهم 916 مصابا تم إسعافهم في موقع الأحداث، وتم تحويل 120 مصابا إلى المستشفيات. 

وأكد المجلس الأعلى للقوات المسلحة في صفحته الرسمية على الفيس بوك أنه نظرا للاحداث المؤسفة التي شهدها ميدان التحرير منذ الثلاثاء وحتى فجر الاربعاء، فإن لا مبرر لها إلا زعزعة أمن واستقرار مصر وفق خطة مدروسة ومنظمة يتم فيها استغلال دم شهداء الثورة بغرض إحداث الوقيعة بين الثوار والمؤسسة الأمنية في مصر لتحقيق هذه الأهداف. 

وأهاب المجلس العسكري في رسالته رقم 65 بالشعب المصري العظيم وشباب الثورة ومفجريها عدم الانسياق وراء هذه الدعوات والعمل على مقاومتها وإجهاضها حفاظا على أمن وسلامة مصر في هذه الظروف العصيبة.

وتداركاً للتعصيد، ذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية، أن فرق من القوات المسلحة والشرطة العسكرية قامت بالانتشار أمام وزارة الداخلية، وحلت محل قوات الأمن المركزي المتواجدة هناك، ونظمت القوات المسلحة انتشارها وتمركزت في المناطق الرئيسية حول وزارة الداخلية، وقامت الفرق بصرف المتظاهرين المتواجدين حول الوزارة في اتجاه ميدان التحرير بطريقة سلمية، وردد المتظاهرون هتاف (الجيش والشعب ايد واحدة) وقاموا بحمل أحد ضباط القوات المسلحة أثناء ترديدهم للهتاف.

كما تقرر إحالة كافة المتورطين في أعمال الشغب التي وقعت الليلة الماضية أمام مسرح البالون بالعجوزة وبميدان التحرير إلى النيابة العسكرية للتحقيق معهم بمعرفتها. وكان مصدر أمني قد صرح لوكالة أنباء الشرق الأوسط، فجر اليوم الأربعاء، بأن قوات الأمن بمديرية أمن الجيزة ألقت القبض على 9 متهمين في أحداث الشغب بمسرح البالون.

خلفية الأحداث

تعود خلفية مواجهات فجر اليوم إلى مساء أمس الثلاثاء، وتحديداً الساعة الثامنة ، عندما أقامت وزارة الثقافة حفلا بمسرح البالون بالعجوزة، لتكريم أسر شهداء ثورة 25  يناير، وخلال الحفل حاول عدد من الأشخاص الدخول للحفل بدعوى أنهم من "أسر الشهداء"، لكن رجال الأمن بالمسرح تصدوا لهم ومنعوهم من الدخول إلا بتصريح من منظمي الحفل، فردوا بمحاولة دخول المسرح عنوة وتحطيم زجاج بوابته، مما أدى إلى نشوب مشاجرة بين الطرفين، اعتدى خلالها كل منهم على الآخر بالشوم والحجارة.

وبعد ساعات معدودة من "البلطجة" في المسرح، توجه عدد من الذين تم منعهم من دخول المسرح إلى ميدان التحرير، وانضم إليهم بعض المعتصمين الذين يفترشون الأرض أمام مبنى اتحاد الإذاعة والتليفزيون بماسبيرو، وعندما حاولت الأجهزة الأمنية تفريقهم رفضوا، فحاولت فضهم بالقوة، فتدخل عدد من المتظاهرين وبدأوا برشق قوات الأمن بالحجارة، لتتحول بعدها إلى اشتباكات بينهم وبين الأجهزة الأمنية التى استخدمت القنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين.

في المقابل أصدر وزير الداخلية، اللواء منصور العيسوى أمراً لجميع قوات الشرطة بعدم التعامل على الإطلاق مع المتظاهرين؛ والانسحاب من ميدان التحرير على الفور، وساد ميدان التحرير في الساعات الأولى من فجر الأربعاء حالة من الهدوء المشوب بالترقب والحذر، فى أعقاب انسحاب مدرعات الأمن المركزي من ميدان التحرير وتمركزها بالقرب من وزارة الداخلية.

وقال المحلل والباحث التاريخي الدكتور أحمد عبد الحميد عبد الحق لموقع "إسلام أون لاين" إن "ما حدث يتعلق بعدة أمور منها: التساهل مع أعمال البلطجة؛ واضطراب جهاز الشرطة بعد تغير الأحداث في مصر، وسعي فلول النظام السابق لنشر الانفلات الأمني، والانتقام لحل المحليات".

وقال عبد الحميد إن "كثيرًا من رجال الحزب الوطني المنحل شعروا بالخوف عقب قيام الثورة ولكنهم لما رأوا التساهل معهم، وأن الأمر كله مرده للقضاء، كشروا عن أنيابهم، وتأسدوا مع يقينهم أن معهم الأموال التي تسخر المحامين للدفاع عنهم والوصول للثغرات القانونية التي تجعلهم يفلتون من العقاب". وأشار عبد الحميد إلى أهمية وجود " آليات لضمان عدم تكرار وقوع مثل هذه الأحداث، وهذا لا يكون إلا بنوع من الشدة مع الحذر، مع وجود مراقبة استشعارية تمنع الحدث قبل وقوعه، وإلا فلن تنتهي أزمات هؤلاء التي يفتعلونها؛ فهم يرون مجدهم يضيع أمامهم، بينما لا توجد القوة التي تردعهم"؛ معتبرًا أنهم "يوقنون أن الأمر لن يزيد عن القبض على البعض او استدعائهم ثم عرضهم على النيابة ليقوم موكلوهم بالبحث عن ثغرات قانونية للعفو عنهم".
 
وقال المحلل السياسي فتحي مجدي للموقع ذاته: "أعتقد بشكل كبير أن هناك صلة بين ما حدث وحكم حل المجالس المحلية خاصة وأنه يتعلق بأكثر من خمسين ألفا من فلول الحزب الوطني المنحل، وهؤلاء لهم مصلحة مباشرة في إشاعة أجواء من الفوضى، وإظهار الوضع في مصر بصورة توحي بأن هناك اضطرابات وانعدامًا للأمن"؛ مؤكدًا أن "لهذا الأمر انعكاساته القوية على جذب الاستثتمارات الأجنبية وأيضا استعادة حركة السياحة لنشاطها، وهم يسعون بكل ما أوتوا من قوة لتنفيذ مخططهم الهدام".

وأضف مجدي أن "الأمر بحاجة إلى إعادة ترتيب وعقد جلسات للحوار أولا بين مجموعات شباب الثورة والأحزاب للاتفاق على أجندة وطنية تعبر بمصر من هذه المرحلة بالغة الصعوبة ووضعها على بداية الطريق لاستعادة الاستقرار أولاً والتوقف عن الإثارة والتهييج الحاصل حاليًا من الجميع، وإلا زاد الأمر من سيء لأسوأ".

وأشار مجدي إلى أن "البداية الصحيحة تكون باحترام الإرادة الشعبية التي عبر عنها جموع المصريين في استفتاء مارس، وألا يحدث التفاف من أي نوع على ما تم إقراره، لإرساء مبدأ مهم، وهو احترام رأي الأغلبية أيًا كان، وعدم التلاعب به من قبل مجموعات يبدو واضحًا أنها متخوفة من تنفيذ الاستحقاق الانتخابي في موعده".
 
وقال المحلل السياسي علي جمال إن ليست هناك علاقة قوية بين حل المجالس المحلية والمواجهات، وقال: "الحدثان مربوطان بطبيعة وقوعهما في مصر، لكني بالقطع لا أؤيد فكرة أن وقوع أحداث التحرير بالأمس جاءت نتيجة انتقامية مباشرة من فلول الحزب الوطني المنحل، وإلا لكنا نكرر ذات الدعاوى التي رددها الاعلام قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير". وأضاف جمال: "يمكن الربط بين ما حدث في مسرح البالون والتحرير بصورة أوضح بتصريحات الدكتور عصام شرف صباح أمس، هذا منطقي أكثر؛ فقد أكد في تصريح شفى قلوب كثيرين أنه تم تشكيل صندوق لعلاج المصابين في أحداث الثورة داخل وخارج مصر دون حد أقصى، وكذلك تعويض أسر الشهداء". واستدرك قائلا: "لكن في الحقيقة؛ فقد تعودنا عقب كل استجابة حكومية تحدث هجمة على المعتصمين المطالبين بها تكرر هذا عدة مرات في الآونة الأخيرة... وأنا أرى الربط أكثر منطقية باستجابة الحكومة لمطالب أسر الشهداء، ولا علاقة مباشرة لها بفلول الوطني والبلطجة وماشابه من مصطلحات".
 
اعتداء على ثوار وليس بلطجية

واختلفت التقييمات والتحليلات لما جرى أمس، فقد أعلنت "حملة حمدين صباحي "، المرشح الناصري لرئاسة الجمهورية، اليوم الأربعاء، عن انضمامها إلى اعتصام ميدان التحرير بدءا من اليوم الأربعاء، لحين الاستجابة الجادة من المجلس العسكري، وحكومة الدكتور عصام شرف، لكامل مطالب وأهداف الثورة. وأعربت الحملة في بيان رسمي، عن "كامل إدانتها" لما جرى أمس الثلاثاء بميدان التحرير من "إعتداءات أمنية بالغة العنف" ضد المتظاهرين من أهالي أسر الشهداء والمتضامنين معهم من الثوار والنشطاء السياسيين، وأكدت الحملة أنها تقف إلى جوار المطلب العادل لأسر الشهداء بسرعة القصاص من المجرمين الحقيقيين الذين تسببوا فى مقتل شهداء الثورة، وأضافت "نرفض تماما تقديم كبش فداء لهذه الجريمة من صغار الضباط وأمناء الشرطة مع استمرار تأجيل جلسات محاكمات كبار المسئولين ورموز الفساد والاستبداد والنهب المنظم، الذي جرى لمصر وعلى رأسهم الرئيس المخلوع حسنى مبارك".

ودعت الحملة رئيس الوزراء، إلى فتح تحقيق فوري فيما جرى واتخاذ قرار عاجل بإقالة اللواء منصور العيسوي، وزير الداخلية الحالي، مضيفة "إذا لم يكن الدكتور عصام شرف، الذي جاء رئيسا للوزراء بفضل الثورة وباقتراح الثوار، قادرا على اتخاذ إجراءات حاسمة في ذلك الموقف، فليتقدم باستقالته وليعود إلى صفوف الثوار مرة أخرى".

وشددت حملة صباحي على أهمية تحمل المجلس العسكري لمسؤولياته الحقيقية في هذه المرحلة الخطيرة من مسيرة الثورة، باتخاذ عدد من الإجراءات العاجلة والفورية، وأولها الكشف عمن يقف وراء مخططات زعزعة الأمن واستقرار البلاد التي تحدث عنها في بيانه الأخير، والمحاسبة الفورية لهم، والقضاء التام على فلول النظام البائد، التي تثير تلك الحالة من الفوضى والارتباك، ودعته إلى الالتزام الفوري بتنفيذ حكم القضاء المصري بحل المجالس المحلية، والتعجيل بمحاكمات مبارك وأسرته ونظامه، وعدم المط والتطويل في سير تلك القضايا.

وطالبت الحملة بإعلان خطة جادة لبدء إعادة هيكلة وزارة الداخلية "التي لازالت تضم بين صفوفها الكثير ممن عذبوا وقتلوا وأجرموا في حق الشعب المصري وهم جزء من مخطط إثارة الفوضى وتعطيل مسيرة الثورة"، بحسب نص البيان، كما طالبت بإعلان المجلس العسكري عن خطته لإنهاء المرحلة الانتقالية بما فيها حسم الجدل حول الدستور أولا وتوقيت الانتخابات البرلمانية والرئاسية.

في المقابل، اعتبر الدكتور عماد أبو غازي، وزير الثقافة، أن واقعة هجوم مجموعة من "البلطجية" على مسرح البالون وتدميرهم محتوياته أمس، كان معدا ومرتبا له من قبل، موضحا أن هؤلاء البلطجية موجهون، فكيف لمن يريدون التكريم أن يأتوا في أتوبيسات جماعية، يحملون الشوم والعصي، وأن بعضهم كانوا يحملون أسلحة بيضاء ونارية أيضا. وقال وزير الثقافة إن وراء تلك الأحداث أصابع معروفة، مشيرا إلى أنه تم ضبط 7 من البلطجية الذين حاولوا اقتحام المسرح، وأنه قام بالاتصال باللواء فايز أباظة، مدير المباحث الجنائية للإفراج عن عامل المسرح الذي ألقت قوات الشرطة القبض عليه عن طريق الخطأ، أثناء أحداث الاقتحام، وتم الإفراج عنه بالفعل، مشيدا بروح العاملين بالمسرح والسيرك القومي، ودفاعهم عنه.

من جانبه، اعتبر الدكتور عمرو حمزاوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن أحداث أمس واليوم في ميدان التحرير تشير إلى أمرين، الأول هو أن هناك قوى ضالعة في ترتيب وممارسة وتطبيق سيناريو للفوضى، سواء كانت هذه القوى والعناصر ذات صلة بمسألة حل المجالس المحلية، أو كانت من العناصر المارقة داخل بعض أجهزة الدولة التي استفادت من النظام القديم، أو مجموعات من ممارسي العنف ومن البلطجية، وأضاف في تصريح خاص للقناة الأولى بالتليفزيون المصري عبر الهاتف اليوم الأربعاء، أن هناك سيناريو منظم للفوضى، موضحا أن ما حدث هو أن هناك محاولة منظمة لإشاعة الفوضى في مصر.



وقال حمزاوي: "لا بد من ضبط النفس، خاصة ونحن نريد أعادة الثقة بين المواطنين والأجهزة الأمنية". وأوضح أن هناك حالة من القلق بين المواطنين إزاء المستقبل السياسي، وقال: "نحن في لحظة رمادية بها نقاشات لا داعي لها، مثل "الدستور أولا أم الانتخابات"، وبها جهد وطاقة تستثمر في قضايا لن تعود على الوطن بنفع كبير، وبها جهد وطاقة لا توجه إلى القضايا العامة، مطالبا بضرورة الالتزام بضبط النفس، بمعني عدم استخدام العنف المفرط، ولا بد أن تكون هناك محاولة سياسية جادة لتفكيك المشكلات التي تؤدي إلى تفجر الأوضاع مرة أخرى.