يعتبر الضابط سعد الدين الشاذلي بارقة الضوء الوحيدة في حرب حزيران/ يونيو 1967 وكان وقتها برتبة لواء، فقد قاد قوات تقدر بـ1500 ضابط وجندي في سيناء، مؤلفة من كتيبة مشاة وكتيبة دبابات وكتيبتين من الصاعقة، كانت مهمتها حراسة وسط سيناء بين القطاع الأوسط والجنوبي.

ولكن بعد تدمير الطيران المصري وحالة الفوضى التي عمت وأوامر الانسحاب العشوائية من سيناء، انقطع اتصاله مع القيادة، فلم يعد يعرف ما الذي جرى، ولكنه استطاع أن يحدس، وذلك لأنه شاهد الطيران الإسرائيلي مسيطرًا في الجو ولم يعد يرى طائرات مصرية منذ الساعات الأولى للقتال.

 حاول أن يعرف الحقيقة وتنصت على راديو العدو، وفهم من حركة الطيران في الجو والغياب التام للطيران المصري وأخبار راديو العدو حقيقة ما جرى، وأن القوات المصرية باتت مكشوفة للطيران الإسرائيلي، فقرر أن يناور كي ينجو بقواته، وبدلا من الانسحاب غربًا كما فعلت القوات المصرية التي كُشفت للطيران وجرى تدميرها على الأرض، انسحب باتجاه معاكس فدخل بقواته إلى داخل النقب الفلسطيني، مسافة خمسة كيلو مترات.

 وأخفى قواته في واد بين جبلين فحماها من الطيران الإسرائيلي لمدة ثلاثة أيام (5-7 حزيران) إلى أن تمكن من الاتصال بالقيادة التي أمرته بالانسحاب، ومع غروب الشمس في يوم الثامن من حزيران بدأ الانسحاب ليلا بقواته إلى الغرب وقطع مسافة 200 كيلو متر في أرض يسيطر عليها العدو برًا وجوًا في عملية انسحاب بالغة التعقيد وبدون أضواء كي لا يكشف للطيران إلى أن وصل غرب القناة صبيحة التاسع من حزيران بأقل ما يمكن من الخسائر، وكانت قواته هي القوات الوحيدة في الحرب التي لم ينفرط عقدها وبقيت متماسكة.

 بعد عبوره غربًا، تم نسف الجسور على قناة السويس، وكسب الشاذلي شعبية كبيرة نتيجة ما قام به بين ضباط وجنود الجيش المصري وتم تعيينه قائدًا للقوات الخاصة والمظلات والصاعقة من 1967 إلى 1969، وفي العام 1970 عينه جمال عبد الناصر قائدًا لمنطقة البحر الأحمر تمكن خلالها من إعادة الأمان للناس على طول ساحل البحر الأحمر حيث كانت إسرائيل تقوم بعمليات استفزاز وخطف للناس، الأمر الذي زاد من احترامه وتقديره.

بعد رحيل عبد الناصر، عينه السادات في العام 1971 رئيسًا لهيئة الأركان المصرية، ويعتبر الرأس المدبر لعبور قناة السويس في أكتوبر 1973 حيث وضع خطة العبور تحت اسم (المآذن العالية) وأصر عليها، رغم خلافات في الرأي مع قادة آخرين، وفي عصر السادس من تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973، تمكنت القوات المصرية من سحق ثلاثة ألوية مدرعات ولواء مشاة إسرائيلية كانت ترابط شرق القناة وتستحكم في خط بارليف، "أكثر الحصون مناعة في التاريخ البشري".

توترت العلاقة بين الشاذلي وبين أنور السادات بسبب ما عرف بثغرة الدفرسوار التي حدثت بين 18 و19 أكتوبر خلال حرب أكتوبر والتي دخلت منها قوات إسرائيلية بين الجيشين الثاني والثالث المصريين وحاصرت الجيش الثالث، فقد اتهم الشاذلي السادات بعدم التجاوب مع القادة الميدانيين الذين وضعوا خطة لتدمير القوة الإسرائيلية التي دخلت غرب القناة، بينما اتهمه السادات فيما بعد بأن أعصابه انهارت في 19 أكتوبر بسبب الثغرة التي دخل منها الجيش الإسرائيلي، ونتيجة الخلاف بينهما أبعده السادات وعيّنه سفيرًا في بريطانيا ثم سفيرًا في البرتغال، وأمر بحذف صوره من كل ما يتعلق بالعبور وحرب أكتوبر.

 وبعد أن نشر السادات كتابه "البحث عن الذات" الذي اتهم فيه الشاذلي بالانهيار وأنه سبب توسع ثغرة الدفرسوار، رد عليه الشاذلي بكتاب عن حرب أكتوبر تحدث فيه عن التفاصيل التي لم تعجب السادات وزادت من غضبه عليه وخصوصا أنه انتقد اتفاقات كامب ديفيد واختار المنفى فلجأ إلى الجزائر.

في العام 1983، حكم غيابيًا في محكمة عسكرية بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتهمة إفشاء أسرار عسكرية في كتابه، وهو الأمر الذي رفضه.

بعد مكوثه 12 عامًا في الجزائر عاد إلى مصر، وفور هبوطه في مطار القاهرة عام 1992عام صودرت منه ألقابه العسكرية ونياشينه وأدخل السجن العسكري التابع للجيش الثالث قضى عدة أشهر ثم منحه حسني مبارك عفوًا رئاسيًا عام 1993، وفي الوقت ذاته أنكر مبارك دوره في أكتوبر وركز كما هو معروف على الضربة الجوية التي كان هو خلالها قائدًا للطيران. 

توفي الشاذلي في العاشر من شباط عام 2011 عن عمر ناهز 89 عامًا،

ومن المفارقات أن وفاته كانت في اليوم الذي أعلن فيه عمر سليمان استقالة حسني مبارك من رئاسة الجمهورية، وأقام ثوار التحرير عليه صلاة الغائب في الميدان وجرت له جنازة شعبية مهيبة اشترك فيها آلاف الضباط والجنود المصريين.

اقرأ/ي أيضًا | حرب حزيران 1967: خوف من الانتقام وتكرار النكبة