تحدّث مؤخّرًا الضّابط في جيش الاحتلال، ونائب قائد هيئة الأركان سابقًا، ورئيس معهد الأمن القوميّ السّابق، عوزي ديان، عن جريمة حاجز ترقوميا العسكريّ، التي وقعت في 10 آذار/مارس عام 1998. وقتل فيها جنود الاحتلال ثلاثة عمّال فلسطينيين، بينما كانوا عائدين إلى بيوتهم، على الحاجز العسكريّ ترقوميا، إذ أشار أحد الجنود للمركبة الي أقلّت 12 عاملًا فلسطينيًّا بالتّقدّم نحو نقطة التّفتيش، وهو ما لم يلحظه عنصر آخر من جنود الاحتلال، على النّقطة العسكريّة نفسها، فباشر بإطلاق نار هستيريّ صوب السّيارة، لينضمّ له جنود آخرون، ما أسفر عن استشهاد ثلاثة فلسطينيّين على الفور، وإصابة آخرين. واستشهد في تلك الجريمة كلّ من غالب رجّوب، عدنان أبو زنيد ومحمّد شراونة، وأصيب آخران.

وأثارت جريمة ترقوميا ضجّة وصخبًا ارتكزا بالأساس على خفّة القتل التي لا تحتمل في المناطق المحتلّة في الضّفّة الغربيّة، إذ من المحتمل أن يُقتل والد معيل لتسعة أبناء، فقط بسبب ما يُسمّى 'خطأ تقنيًّا'، فيما يعتبر استهتارًا مهينًا وخطيرًا بحياة الفلسطينيّ.

وعن جريمة ترقوميا، زعم في حينه، ضابط قوّات جيش الاحتلال في الضّفّة الغربيّة، يتسحاق إيتان، أنّه يتّضح من 'التّحقيق الأوّليّ أنّه كانت محاولة لدهس جنديّ، والجنود على الحاجز، تصرّفوا بما يتناسب مع ما جرى'. إلّا أنّ الوقائع تفيد خلافًا لما زعمه عناصر الاحتلال.

ووفق تقرير نشرته منظّمة بتسيلم لحقوق الإنسان، عام 1999، أي بعد عام على جريمة ترقوميا، وسم بـ 'عمّال صهيون: انتهاكات حقوق الإنسان لعمّال الضّفّة في إسرائيل والمستوطنات'، فإنّ تحقيق الجيش قد خلص إلى أنّ سبب عدم توقّف مركبة الفلسطينيّين يعود إلى كوابح السّيّارة.

وخلال حوار إذاعيّ، قال ديان دفاعًا عن أزرياه 'شهدتُ حالة شبيهة، وحتّى أكثر خطورة، أكثر بكثير، إذ قتل فيها 5 فلسطينيّين من قبل مظليّين على معبر ترقوميا، ولم يكونوا إرهابيّين فحسب، بل حتّى لم يكونوا مقيمين غير شرعيّين. كان هؤلاء أشخاصًا عادوا من عملهم من إسرائيل، فوقع سوء فهم. قمت باعتقال الجنود برغم أنّه، في حينها، لم يحبّوا الأمر بتاتًا'.

وواصل ديان في تصريحاته التي أدلى بها مؤخّرًا لإذاعة 'دروم' (الجنوب) وصف تفاصيل القتل بدم بارد والتّعامل مع الأمر بسهولة وتواطؤ 'قلت، الآن ثلاثة أيّام، تجهّزون لجنة تحقيق، تمنحونني نتائجها'.

وأضاف ديان 'لا للنيابة العامّة، ولا لشرطة التّحقيقات العسكريّة، النّتائج تُمنح لي'.

واختتم ديان تصريحاته المستفزّة 'رأيت النّتائج. قلت أربعة أمور، النّتائج، ماذا الذي يمكن عمله، الجنود لم يقدّموا للقضاء. اليوم، الوضع مغاير بمفهوم وجود صور والإعلام كلّه يتناولها، هناك ضغط كبير جدًا على متّخذي القرارات'.

وتقول محرّرة موقع 'سيحاه ميكوميت' (محادثة محليّة)، يعيل مروم، في تقرير تناول الاستهتار بحياة الفلسطينيّين الذين يستشهدون دون أدنى ذنب أو سبب أو جرم ارتكبوه، عن تصريحات ديان بشأن أزرياه، إنّه 'وفق ديان: أخفق ضبّاط أزرياه بالتّغطية (على الجرم). لم يفعلوا ما كان متوقّعًا منهم. لم ينهوا الأمر بين البنين في الوحدة. لو قام ضبّاط أزرياه فقط بالتّغطية على هكذا حالات، لما وصل جنود مثله (أزرياه) إلى المحاكمة. ويا له من حظّ مشؤوم، إذ تواجدت في المكان كاميرات، وإلّا لكانت الأمور أسهل بكثير'.

وتضيف مروم أنّه برغم عدم دقّة ديان في كثير من تفاصيل الجريمة التي تناولها في حواره، إلّا أنّه 'صادق في البند المركزيّ على أنّ الجنود بالفعل لم يحاسبوا على إطلاق النّار على أبرياء'.

ولا يتوقّف الأمر لدى ديان عند التّغطية على تفاصيل مهمّة، تضلّل المستمع والقارئ، وإنّما تضيف مروم بأنّه أفاد معلومات غير سليمة، خلافًا لوقائع يعلمها هو، إذ أنّه برغم حديثه (بتباه ومفاخرة) عن عدم فتح ملفّ في الشّرطة العسكريّة، فقد مفتح ملفّ كهذا، لم يتمخّض عن أيّ إدانات تذكر لأيّ من الجنود الذين شاركوا في جريمة ترقوميا.

وتأتي مروم بأمثلة أخرى، تحوي شهادات صارخة عن جرائم قتل سافرة لفلسطينيّين أبرياء، لم يُدن أيّ جنديّ بأيّ منها، فعلى سبيل المثال، لا الحصر، استشهاد التّلميذ سمير عوض (16 عامًا) من قرية بدرس، غربيّ رام الله، في تمّوز/يناير 2013، الذي قتل بأربع رصاصات أطلقها صوبه جنود الاحتلال.  ومثال صارخ آخر هو استشهاد الفلسطينيّة مرام أبو إسماعيل (23 عامًا) وشقيقها إبراهيم (16 عامًا) في حاجز قلنديا، الذي أظهر أنّ شرطيًّا أطلق النّار في الهواء وأنّ الحراس الإسرائيليّين في الحاجز هم الذين قتلوا الشّقيقين، بينما الشّرطة وسلطات الاحتلال لا تزال تتحفّظ على شريط الفيديو الذي يوثّق عمليّة مقتل الشّقيقين!

وتواصل مروم حديثها في سياق التّضليل في جرائم قتل الفلسطينيّين 'أكثر الأمور خطورة في حديث ديان، هو حقيقة أنّ التّضليل في جرائم القتل المتسلسلة تؤدّي إلى استمرارها'.

وتقول 'أحد الأعطاب المركزيّة المتكرّرة في ملفّات التّحقيق، كما تظهر سلسلة التّحقيقات التي كتبت بالتّعاون مع الزّميلة، نوعم روتم، هو التّحقيق العملياتيّ الذي يتمّ قبيل التّحقيق'.

وتواصل 'في التّحقيق، يكشف كلّ المتورّطين عمّا يعرفونه وعمّا رأوه من متورّطين آخرين، ما يمنح كلّ واحد منهم بأن ينحت شهادته بشكل تتلائم قدر الإمكان مع القصّة العامّة، بالضّبط كما يحظر تجميع المشتبه بهم في غرفة واحدة حتّى يدلوا رواية متماسكة، فلا سبب يتيح الأمر هنا. عوزي ديان طرح قضيّة إشكاليّة على المستوى الجنائيّ، بإفاداته أنّ الهدف كان تشويش التّحقيق.

وتأتي مروم بمصال آخر، 'أخطأ' فيه جيش الاحتلال، فاستشهد الطّفل محمود بدران (15 عامًا) من قرية بيت عور التّحتا، فوفقًا لشهادة قدّمها الطّفل المصاب في الجريمة، داود أبو حسن (13 عامًا) فإنّ مجموعة أطفال من القرية تضمّ محمود بدران وخمسة آخرين من أقربائه وسائق يبلغ من العمر 21 عامًا، انطلقوا عند السّاعة العاشرة والنّصف تقريبًا من مساء يوم الاثنين، الموافق 20 لشهر يونيو/حزيران الماضي، لقضاء الوقت في متنزّه ومسبح يعرف بـ 'لين لاند' في قرية بيت سيرا المجاورة. وحين عودتهم إلى قريتهم عند السّاعة 01:30 من فجر يوم الثّلاثاء تقريبًا، وعندما كانوا على بعد 40 مترًا تقريبًا عن الجسر الذي يعلوه الشّارع الاستيطانيّ رقم 443، والمؤدّي لقريتهم، عند السّاعة 01:40 من فجر الثّلاثاء تقريبًا، تفاجأوا بإطلاق نار كثيف يستهدف السّيّارة التي يستقلّونها، الذي استمرّ حتّى اصطدمت السّيّارة بجدار الجسر، فأصيب بعض من فيها بالرّصاص الحيّ والشّظايا، واستشهد محمود بدران.

ولم يتمّ اعتقال الضّابط الإسرائيليّ الذي قام باستهداف السّيّارة ومقتل الصّبيّ بدران، برغم وجود كاميرا عسكريّة في موقع قريب من موقع الجريمة، قامت بتوثيق استشهاد الشّابّ بدران.

ومثال آخر تأتي به مروم هو استشهاد الشّابّ الفلسطينيّ جلال المصريّ (30 عامًا) من بلدة إذنا في الخليل، في  20 من تشرين الثّاني/نوفمبر عام 2011، جرّاء قيام شرطة الاحتلال بإطلاق الرّصاص باتّجاهه قرب مدينة الخليل، على حاجز مؤقّت، ادعى الجنديّ أنّه أطلق النّيران في الهواء، بينما رصاصة استقرّت في الجسد العلويّ للشهيد وثلاث رصاصات على زجاج السّيّارة الأماميّ، خلافًا تامًّا لشهادة الجنديّ. وخلصت جريمة قتل المصريّ بإغلاق ملفّ التّحقيقات بعد شهرين من وقوع الجريمة، بأمر من النّيابة العسكريّة.

وتشير مروم إلى أنّ هذه الانتهاكات ليست وليدة السّنوات الأخيرة، كما يحاول البعض أن يدّعي، بل إنّ جذوره ضاربة في الضّفّة الغربيّة المحتلّة، ففي كرّاسة بتسليم ذاتها من عام 1994، يمكن للقارئ أن يطّلع على جرائم للاحتلال، تعود لسنوات خلت.

وتقول مروم عن إطلاق النّار على الحواجز العسكريّة 'إطلاق النّار على الحواجز لا يتخلّص فقط في مستقلّي السّيّارات'، وتأتي بمثال استشهاد زكريا دراغمة في شهر أيّار/مايو عام 2006، والذي أثبتت سلطات الاحتلال أنّه جريمة قتل مواطن لا ذنب له، إلّا أنّ مطلقي النّيران لم يقدّموا لأيّ مساءلة قانونيّة.

وتخلص مروم إلى أنّه 'براغماتيًّا، القضاة العسكريّون لن يقدموا أبدًا على الاعتراف بأنّهم جزء من منظومة تضليل منهجية لقتل الفلسطينيّين'.

إلّا أنّ شهادة ديان لصالح الجنديّ القاتل، أزرياه من شأنها أن تكون السّحر الذي انقلب على السّاحر 'فحينما تتحوّل شهادة ديان إلى رسميّة، وتكتب في البروتوكولات، فمن شأنها أن تساعد في كلّ ما يتعلّق بطلب الشّروع في عمليّة قضائيّة دوليّة ضد جنود الجيش الإسرائيليّ'، وذلك لأنّ ديان كشف وأثبت أنّ منظومة التّحقيقات في جيش الاحتلال معطوبة وغير ذات مصداقية، لأنّ أحد 'كبار ضبّاط جهاز الأمن الإسرائيليّ اعترف أنّه حينما كان قائدًا لجنود أبرياء، تدخّل بشكل سافر بالعمليّة القضائيّة'. فكيف للمضلّل في التّحقيق أن يكون مصدرًا ذا مصداقيّة في النّتائج والحكم؟

لكن السّؤال الذي تطرحه مروم في هذا السّياق، هو لم يفكّر موكّلو دفاع أزرياه باستقدام ديان ليشهد من على منبر الشّهود في المحكمة العسكريّة، برغم مساسه بأزرياه نفسه وبالمنظومة العسكريّة التي تدّعي المصداقيّة والعدل؟ الجواب، تقول مروم، يكمن بإدراك الدّفاع لخسارته المتوقّعة في هكذا حالة ما يدعوها 'للمحاولة بدفع موقف سياسيّ يرى بقتل الفلسطينيّين أمرًا غير جنائيّ، غير متعلّق بالوقائع'.

اقرأ/ي أيضًا | عوزي ديان: رأيت مقتل 5 فلسطينيين ولم أدن الجنود

وفي سياق ديان ذاته، تقول مروم إنّه 'ليست هذه هي المرّة الأولى التي يقوم فيها عوزي ديان... الذي يعمل بصيغة المبيّض الرّسميّ لجرائم الحرب' لجيش الاحتلال، الذي دافع قبل 6 سنوات عن جنود استخدموا طفًلا كدرع بشريّة! حينها ادّعى أنّه لا يجب التّحقيق مع الجنود وإنّما مع قائدهم، الذي لم يجرّمهم، كما صرّح.