غدعون ليفي: "منذ قرابة 20 عاما بقيت إسرائيل من دون نضال ضد الاحتلال. والعمل وميرتس قررا طمس وتذويب مواقفهما وخيانة رسالتهما. وتعين عليهما طرح بديل ومعارضة الاحتلال أولا. ولم يفعلا ذلك. وكلاهما هربا من المواضيع المصيرية إلى خاناتهما المريحة"


تباهت رئيسة حزب ميرتس، عضو الكنيست تمار زندبرغ، بأن حزبها هو "الحزب الصهيوني في إسرائيل"، واعتبرت، في ردها على أسئلة متصفحي موقع "هآرتس" الإلكتروني، مطلع العام الحالي، أنه "عندما تفتح البرنامج السياسي لميرتس، ستقرأ رؤية الآباء المؤسسين للصهيونية"، لكنها تجاهلت رؤية هؤلاء "الآباء المؤسسين" بإقامة كيان على أنقاض شعب فلسطين وارتكاب المجازر بحقه واستمرار نكبته، وزعمت أن الرؤية التي حملوها كانت إقامة "مجتمع مثالي، إنساني، علماني، يدعو للسلام، يمد يده لجيران إسرائيل، تعمل على تطوير البلاد لمصلحة جميع سكانها من دون فرق في الدين، العرق والجنس".

ورغم أن الصهيونية اعتمدت منذ تأسيسها على الاستيطان، إلا أن زندبرغ تجاهلت أن موضوع الاستيطان في الأراضي المحتلة عام 1967، محل إجماع في المجتمع الإسرائيلي، وادعت أن "ما يتم فعله اليوم باسم الصهيونية، على التلال في المناطق (المحتلة) وبهوس الضم (للضفة الغربية) والعنصرية، هو تشويه للصهيونية".

ليست زندبرغ وحدها التي تحاول الخداع وتجميل صورة ووجه الصهيونية، التي تسعى إلى خداع العالم، والفلسطينيين خصوصا، ومحاولة تنصيب حكام على شعوب المنطقة، والادعاء أن هؤلاء "معتدلين". كذلك فإنه في أوقات الحروب، يفقد قادة ميرتس، وقادة "اليسار" الصهيوني عامة، صوابهم. رئيس ميرتس الأسبق، يوسي ساريد، صرح أكثر من مرة موجها كلامه للفلسطينيين، خاصة بعد اندلاع انتفاضة القدس والأقصى، عام 2000، بأن "لا تبحثوا عني"، متجاهلا أسباب اندلاع الانتفاضة وجرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل خلالها.

وخلال العدوان على غزة، في العام 2014، تجاهلت رئيسة ميرتس في حينه، زهافا غلئون، أسباب نشوب هذه الحرب، وعلى رأسها حصار قطاع غزة والنقص الحاد في الغذاء والدواء والكهرباء. وكتبت في مقال نشرته في صحيفة "غلوبس"، أن "حماس هي منظمة إرهابية، وإطلاق القذائف الصاروخية على إسرائيل ليس شرعيا بأي شكل... لذلك، ملقى على حكومة إسرائيل واجب حماية المواطنين، ووقف إطلاق القذائف الصاروخية"، وذلك في الوقت الذي استشهد فيه نحو 2200 فلسطيني، غالبيتهم العظمى من الأطفال والشيوخ والنساء والرجال المدنيين، بينما قُتل 73 إسرائيليا، بينهم 68 جنديا شاركوا في اجتياح القطاع. وألحقت آلة الحرب الإسرائيلية دمارا هائلا ورهيبا بالقطاع.  

وبعدما دعت إلى القضاء على حماس، اعتبرت غلئون أن الحل هو بتنصيب رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، بادعاء أنه زعيم "معتدل". وهذا نهج تتبعه الصهيونية باختيار زعماء كيانات أخرى، بينما ترفض أي تدخل خارجي في إسرائيل. واعتبرت أنه "من أجل تغيير الوضع، ينبغي إنهاء هذه العملية العسكرية (العدوان) بسرعة، واستئناف محادثات السلام مع أبو مازن فورا، والتوصل إلى تسوية سياسية معه بدعم دولي، كي نعيش في حدود معترف بها وآمنة".

أين تمر هذه الحدود؟ بحسب زندبرغ، فإن "إسرائيل ستكون ملزمة بإخلاء جميع المستوطنات المعزولة"، أي تلك الواقعة خارج الكتل الاستيطانية، "وإبقاء الكتل مقابل تبادل أراضي". وكانت زندبرغ أعلنت العام الماضي أنها ستوافق على الانضمام إلى حكومة تشارك فيها الأحزاب الحريدية، أي "يهدوت هتوراة" وشاس، اليمينية والمؤيدة لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو. ويبدو هذا موقف مستهجن بالنسبة لحزب مثل ميرتس يدعي أنه ينشد السلام، لأن الأحزاب الحريدية ترفض الانسحاب من القدس المحتلة في أية تسوية، وقسم منها يعارض قيام دولة فلسطينية، كما أنها تؤيد التوسع الاستيطاني بشكل كبير.

ورأى الصحافي الإسرائيلي غدعون ليفي، في مقال نشره في "هآرتس"، في 3 شباط/فبراير الفائت، بما يتعلق بدعوات لاتحاد حزبي العمل وميرتس، أن هذين الحزبين "خانا دورهما. وبسبب أدائهما في العشرين عاما الأخيرة، يجدر بهما أن يختفيا. هذه الجريمة وهذا العقاب. وهما فقط مذنبان بذلك. وسيعاقب العمل وميرتس لأنهما أضاعا طريقهما. وفي نهاية حياتهما، تحولت الكراهية لنتنياهو إلى أجندتهما الوحيدة. وإذا كان هذا هو الحال، فإن ناخبيهما سيقولوا إنه إذا كان الهدف الأكبر طرد نتنياهو (عن الحكم)، فإنه من الأفضل التصويت لصالح بيني غانتس".  

وبحسب ليفي فإنه "منذ قرابة 20 عاما بقيت إسرائيل من دون نضال ضد الاحتلال. وأفول العمل وميرتس بدأ عندما قرر هذا الحزبان طمس وتذويب مواقفهما وخيانة رسالتهما. وتعين عليهما طرح بديل ومعارضة الاحتلال أولا. ولم يفعلا ذلك. وكلاهما هربا من المواضيع المصيرية إلى خاناتهم المريحة. وسيتبين لهما أنه عندما يطمسون المواقف، ويتهربون من مواقف واضحة وشجاعة، فإنهم سيفقدون كافة عوالمهم".

ووفقا لليفي، فإن قوة حزبي العمل وميرتس في الكنيست بدأت تتراجع في انتخابات العام 2003، أي في أوج الانتفاضة، "وخيمت فوقهما بالأساس سحابة هروبهما وجبنهما من الانشغال بالموضوع الأساسي وهو النضال ضد الاحتلال. العمل، الذي لم يعمل بجدية من أجل إنهاء الاحتلال، وميرتس، التي حاربته حتى أنهكت، رفعا رايات بيضاء". 

وفي هذه الأثناء، يواجه حزب ميرتس نزوح ناخبيه إلى أحزاب أخرى، خاصة نحو حزب الجنرالات "كاحول لافان" وحزب "زيهوت" برئاسة المتطرف موشيه فايغلين، بسبب موقفه الداعي إلى شرعنة الحشيش. ويعتبر قادة ميرتس أنهم إذا دعوا بين الحين والآخر إلى استئناف "العملية السياسية" مع الفلسطينيين، أو زاروا مقاطعة رام الله والتقوا مع رئيس السلطة، محمود عباس، فإنهم يستحقون الصوت العربي. لكن المواطنين العرب يعرفون أن ميرتس لم ولن ترفع قضاياهم، لا في الكنيست ولا في الشارع الإسرائيلي، وأن من يفعل ذلك هو الأحزاب العربية، ولذلك لا يرون مبررا بالتصويت لأي حزب صهيوني، لأن الصهيونية معادية لهم مهما بدَت "معتدلة".

اقرأ/ي أيضًا | مازن غنايم: ميرتس لم يقدم شيئا للعرب ولسلطاتنا المحلية كما يدعي ولا تأثير له

اقرأ/ي أيضًا | المهاجرون الروس: صوت داعم لليمين الإسرائيلي

اقرأ/ي أيضًا | همس الطائفية والانتخابات