شكل سقوط حزب "اليمين الجديد"، بزعامة الوزيرين نفتالي بينيت وأييليت شاكيد، صفعة قوية لتيار الصهيونية الدينية "الصاعد"، الذي يزحف نحو احتلال مؤسسات الدولة والحلول محل الصهيونية العلمانية، التي فرضت هيمنتها على الحيز الإسرائيلي العام ردحا من الزمن.

وقد رأت الصهيونية الدينية بكونها رائدة الاستيطان الجديد في المناطق المحتلة عام 1967، والذي يحقق نجاحات كمية ونوعية كبيرة، مبعث الروح المتجددة في الجسد الكولونيالي الإسرائيلي، وحارسة الحلم الصهيوني المتمثل بأرض إسرائيل الكاملة، وهي تسعى من هذا المنطلق لانتزاع رسن القيادة والمضي قدما في هذا المشروع.

هذا التيار الذي تخلف عام 1948 لأسباب دينية، دبت به الصحوة بعد ما وصف بانتصار عام 1967 وقاد وما زال المشروع الاستيطاني الصهيوني في دورته الثانية، إن صح التعبير، في الأراضي المحتلة عام 67 وخصوصا في الضفة الغربية. وهو يرى أن هذا الدور الاستيطاني يؤهله إلى النفاذ في مختلف مؤسسات الدولة السياسية والعسكرية والقضائية، والسعي إلى بسط المزيد من النفوذ في تلك المؤسسات وزيادة رقعة هيمنته في الحيز العام.

وإن كان حزب "البيت اليهودي" المنبثق عن حزب "المفدال" التاريخي، والذي مثله الوزيران بينيت وشاكيد في الحكومة المنتهية ولايتها، قبل أن ينشقا عنه ويؤسسا حزب "اليمين الجديد"، إن كان هذا الحزب والحزب المنشق عنه لا يشكلان التعبير السياسي الوحيد لتيار الصهيونية الدينية، التي تتغلغل أيديولوجيا في حزب الليكود الحاكم أيضًا، فإنهما، وخاصة بينيت وشاكيد، شكلا رأس حربة في تمرير مشروع هذا التيار ومأسسته.

لقد رفع بينيت، الذي انضم مع شاكيد إلى "البيت اليهودي" وفاز برئاسته عام 2012، من زيادة تمثيل قائمته المشتركة مع "الاتحاد القومي" من 4-5 مقاعد إلى 12 مقعدا، ورغم هبوط "البيت اليهودي" في انتخابات 2015، إلا أن الحزب الذي حصل على وزارتين هامتين، القضاء والتعليم، أحدث انقلابا في هذين المجالين، حيث قامت شاكيد بصفتها وزيرة للقضاء، بما وصفته بثورة في هذا المجال، حيث ساهمت في إضعاف أهم معاقل اللبرالية الإسرائيلية المتمثلة بالمحكمة العليا، من خلال تغيير في المبنى القانوني لهذه المؤسسة وإدخال المزيد من القضاة المحافظين إلى صفوفها.

بالمقابل، قام بينيت بصفته وزيرا للتعليم، بالهيمنة على مجلس التعليم العالي وتقزيم الأكاديميا الإسرائيلية بصفتها أهم المنابر اللبرالية والعلمانية الإسرائيلية، ناهيك عن التشريع النهائي لإقامة جامعة المستوطنين في "أرئيل" وافتتاح كلية طب فيها.

إلا أن الدور الأهم الذي قام به الاثنان، يتمثل بتعميم خطاب سياسي يميني متطرف مناهض لحل الدولتين ورافض لإخلاء مستوطنات أو أي تسوية للقضية الفلسطينية، ومتمسك بما يسمى بـ"أرض إسرائيل الكاملة"، إلى جانب طرح خطة سياسية لضم مناطق (جـ) التي تشكل 60% من الضفة الغربية المحتلة لإسرائيل، في إطار ما يسمى بـ"الضم الزاحف".

هذا الخطاب بات هو الخطاب السائد في أوساط اليمين المختلفة وعلى رأسها الليكود، وقد تجلى ذلك مؤخرا في تصريحات نتنياهو حول سحب (تطبيق) القانون الإسرائيلي على المستوطنات في مناطق "جـ".

طبعا، سقوط بينيت وشاكيد لا يعني سقوط هذا التيار أو تراجعه، خاصة وأنه ما زال ممثلا في حزب "البيت اليهودي" واتحاد الأحزاب اليمينية"، إضافة إلى تغلغله الأيديولوجي في الليكود، ولكنه يمثل بدون شك سقوط نجمين هامين في مسيرته.

اقرأ/ي أيضًا | تجاوز "اليمين الجديد" نسبة الحسم في موضع الشك