في ظل تصاعد المخاوف من تنامي الأصوات الرافضة لمواصلة الحرب داخل الجيش الإسرائيلي، والتي تحذّر من تحوّل العمليات في غزة إلى وسيلة لتحقيق أهداف سياسية لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بات "محور موراغ" – الواقع بين رفح وخانيونس – يشكّل ذريعة مركزية جديدة في تبرير استمرار الحرب، بعد أن رُوّج له بوصفه "النجم الصاعد" في خريطة القتال، رغم التوقعات بأنه لن يُحدث أي تحوّل نوعي في سير العمليات الميدانية.

تغطية متواصلة على قناة موقع "عرب 48" في "تليغرام"

ورغم تواصل الغارات الجوية على مناطق مكتظة بالسكان وتدمير واسع للبنى التحتية، تكشف المعطيات الميدانية في جبهات القتال البرية عن غياب تقدم حقيقي، وعودة متكررة إلى مناطق سبق أن أعلن الجيش "إحكام السيطرة" عليها و"تطهيرها" من عناصر المقاومة.

وتبرز العمليات الجارية في منطقة "محور موراغ"، جنوبي القطاع، نمطًا متكرّرًا من التحرك العسكري، يخلو من الأهداف الجديدة، في ظل مواصلة توسيع المنطقة العازلة عبر تدمير ممنهج للأحياء السكنية، مع تراجع واضح في الاحتكاك المباشر مع المقاومين.

وفي هذا السياق، نظّم الجيش الإسرائيلي جولة ميدانية لوزير الأمن، يسرائيل كاتس، في "محور موراغ"، الأربعاء، بمشاركة عدد من المراسلين العسكريين الإسرائيليين. واستغل كاتس الجولة لتكرار تهديداته لسكان القطاع، ملوّحًا بمزيد من التصعيد والتلويح بخطط التهجير القسري.

ولفت مراسل إذاعة الجيش الإسرائيلي إلى أن المشهد هناك يعيد إلى الأذهان عشرات الزيارات السابقة إلى جبهات القتال في القطاع، حيث تتكرر الرواية ذاتها: "مهمة الجيش هي حسم الكتيبة المحلية لحماس، وملاحقة الأنفاق والمقاتلين في حرب استنزاف طويلة الأمد".

اللافت في الزيارة هو ما كشفه قادة الجيش في المنطقة، إذ عرضوا معلومات تُظهر وجود كتيبتين لحماس لا تزالان تعملان في رفح، من أصل أربع، وثلاث كتائب في خانيونس، من أصل العدد ذاته. وعلّق مراسل إذاعة الجيش بالقول: "لقد قيل لنا سابقًا إن جميع هذه الكتائب قد تمّ إخضاعها".

وبالعودة إلى الأرشيف أعلن الجيش الإسرائيلي بتاريخ 17 حزيران/ يونيو 2024 أنه فكك كتيبتين في رفح، وفي 24 من الشهر ذاته، صرّح رئيس الأركان السابق، هرتسي هليفي، بأنه "نقترب من الإعلان عن تفكيك كتيبة رفح".

ولم يقتصر الأمر على التصريحات، ففي 12 أيلول/ سبتمبر من العام الماضي، نشر الجيش الإسرئيلي بيانًا رسميًا أعلن فيه "حسم" المعارك ضد "كتيبة رفح" وتفاخر كذلك حينها بأنه دمر أكثر 80% من الأنفاق في منطقة "محور صلاح الدين" (فيلادلفيا) والمناطق المحيطة.

إلا أن الزيارة الميدانية الأخيرة، بحسب المراسل العسكري لإذاعة الجيش الإسرائيلي، كشفت أن أنفاقًا عديدة ما تزال قائمة في هذه المنطقة، وسط مزاعم بأن بعضها يعبر إلى الأراضي المصرية، دون أن تُغلق من الجانب المصري، بحسب ما نُقل عن ضباط الجيش.

وعندما سُئل القادة العسكريون عن جدوى العمليات المستمرة، بعد كل هذه الأشهر من القتال ومشاهد الدمار الكلي والشامل في المكان، أجابوا بأن "محور موراغ" "لم يشهد عمليات توغل حقيقية بعد"، وأن منطقة الشابورة في رفح ما تزال خارج السيطرة الكاملة للجيش.

وأضاف المراسل أن الجيش قدم قبل أسابيع تقريرًا للكابينيت، أشار فيه إلى أن 25% فقط من شبكة الأنفاق في القطاع قد دُمّرت، وأن حماس لا تزال تحتفظ بأكثر من 20 ألف مقاتل.

ونقل عن أحد الضباط الكبار قوله: "الدرس الأهم الذي تعلمته من الحرب هو ضرورة التريث والتفكير مليا قبل الحديث عن الاقتراب من الحسم" العسكري.

وفي استعراض لما يجري ميدانيًا في قطاع غزة في أعقاب استئناف حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل، أوضح التقرير أن الجيش يعيد احتلال "المنطقة الشمالية" في قطاع غزة، بما في ذلك بيت لاهيا وبيت حانون، بعمق يصل إلى كيلومترين داخل قطاع غزة.

وفي المنطقة الوسطى، سيطر الجيش الإسرائيلي على نصف "محور نتساريم"، مع إمكانية التقدم نحو البحر خلال ساعات إذا صدرت التعليمات؛ وفي الجنوب، يُتوقع أن يُكمل السيطرة على "محور موراغ" خلال أيام، ما يعني عزل مدينة رفح بالكامل وضمّها إلى "المنطقة العازلة".

العمليات العسكرية، بحسب ما ورد في التقرير، لم تعد تتميز بالاحتكاك المباشر، وزعم أن "الفرقة 36" قتلت الأسبوع الماضي 73 "مخربا"، على حد تعبيره، أي بمعدل عشرة في اليوم، وهو رقم اعتبره متدنيا مقارنة بما سُجّل في بدايات الحرب.

واختُتم التقرير بالإشارة إلى بطء العمليات العسكرية، حيث يصرّ قادة الجيش على التحرك ببطء لتفادي العبوات الناسفة والهجمات المباغتة، ما يعكس الحذر المتزايد والخسائر التي مُني بها الجيش في مراحل سابقة من الحرب.

ويكشف التقرير عن فجوة عميقة بين الخطاب السياسي الإسرائيلي الذي يدفع باتجاه استمرار الحرب ويتحدث عن "نصر مطلق"، والواقع الميداني العسكري الذي يعترف بعدم الحسم، والتكرار، وغياب الإنجازات الإستراتيجية، فيما تستمر آلة القتل.