الهبة الفلسطينية، التي اندلعت في القدس المحتلة وامتدت إلى الضفة الغربية، هي الحدث الأبرز في العام 2015 بالنسبة لإسرائيل، ليس فقط لأنها حدث أمني متدحرج ومستمر، أو لأنها أدت إلى سقوط شهداء فلسطينيين وقتلى إسرائيليين، وإنما بالأساس لأن الإسرائيليين لم يعرفوا كيفية قراءتها، هل هي انتفاضة ثالثة أم أنها عمليات فردية، وأيضا لأنها استهدفت بالأساس أفراد قوات الأمن الإسرائيليين والمستوطنين، وساحتها المركزية في الأراضي المحتلة، رغم حدوث عمليات، قليلة نسبيا، داخل الخط الأخضر.

وامتناع إسرائيل عن قراءة صحيحة لا ينبع من جهل وإنما من محاولة تجاهل الفلسطينيين. وهي ترفض الاعتراف بأن ممارساتها ضد الفلسطينيين تستدعي رد فعل. إذ أن جهات أمنية إسرائيلية حذرت، على سبيل المثال، من أن اقتحامات المستوطنين للحرم القدسي وباحات المسجد الأقصى تثير حالة غليان في صفوف الفلسطينيين. كما أن اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين وأملاكهم ومقدساتهم تؤجج مشاعر الغضب ضد الاحتلال. وتفاقم هذا الغضب في أعقاب اعتداء إرهابيين يهود على منزل عائلة الدوابشة في قرية دوما واستشهاد الطفل الرضيع علي ووالديه وإصابة شقيقه أحمد بحروق خطيرة. ويسهم في ذلك الغياب المطلق لأفق حل سياسي. وإلى جانب ذلك، فإن سعي إسرائيل المتواصل إلى تدمير المجتمع الفلسطيني في القدس، وإفقاره وإتعاسه وتقييد حريته، هي من أسباب الانتفاض.

وخلافا للاعتقاد السائد، فإن الهبة لم تبدأ في مطلع تشرين الأول الماضي، وإنما قبل ذلك. بدأت بالتزامن مع تصعيد الاقتحامات للحرم القدسي، بحجة حلول الأعياد اليهودية في أيلول الماضي. وحينها بدأت المواجهات بين الشبان الفلسطينيين في القدس الشرقية وقوات الاحتلال، وأطلقت عليها إسرائيل تسمية 'إرهاب الحجارة'، وسعت إلى سن قانون يرفع عقوبة السجن على إلقاء حجر إلى عشرين عاما. وتلا ذلك اتخاذ الحكومة الإسرائيلية قرار بتعديل تعليمات إطلاق النار على المتظاهرين الفلسطينيين، بحيث تسمح التعليمات الجديدة بإطلاق النار على متظاهرين لا يشكلون خطرا على قوات الاحتلال.

ومنذ مطلع تشرين الأول الماضي، ظهرت عمليات الطعن، وإلى جانبها عدد قليل من عمليات الدهس التي ينفذها أفراد لا يوجد في ماضيهم ما يوحي أو ينبئ بإقدامهم على مثل هذه العمليات. وفي المقابل، تعالت دعوات مسؤولين إسرائيليين، سياسيين وأمنيين، لكل من بحوزته سلاحا مرخصا إلى حمله وإطلاق النار على أي شخص يعتقدون أنه سينفذ عملية طعن. وتبين أنه في ظل أجواء التصعيد الإسرائيلي هذه، سقط شهداء فلسطينيون لا علاقة لهم بأي عملية طعن أو دهس، وحتى أن مواطنين إسرائيليين، وكذلك أفراد قوات أمن، أطلقوا النار على يهود اعتقادا منهم أنهم عرب.

وأكدت منظمات حقوق إنسان دولية وإسرائيلية على أن إسرائيل تمارس سياسة الإعدام الميداني بحق الفلسطينيين ومن دون أن يثبت أن الشهداء أو الجرحى ضالعون في هجوم. وتجاهلت إسرائيل الرسمية تقارير المنظمات الحقوقية. كذلك صادقت المحكمة العليا الإسرائيلية على هدم بيوت فلسطينيين بادعاء تنفيذهم هجمات.

وأثّرت الهبة الفلسطينية على الشعور بالأمن داخل إسرائيل، وأظهرت استطلاعات الرأي أن أغلبية الإسرائيليين يترددون في ارتياد الأماكن العامة، وأكدوا على حدوث تراجع كبير في شعورهم بالأمن الشخصي. كذلك أظهرت هذه الاستطلاعات فقدان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لثقة الجمهور حيال قدرته على مواجهة الوضع الأمني.

*اليمين يرسخ حكمه وينقل ممارسات الاحتلال لداخل إسرائيل*

أسفرت الانتخابات العامة للكنيست، التي جرت في 17 آذار الماضي، عن ترسخ حكم اليمين في إسرائيل، بعد أن فازت كتلة أحزاب اليمين (الليكود، 'كولانو' 'البيت اليهودي'، 'يسرائيل بيتينو') بـ54 مقعدا، مقابل 35 مقعدا لأحزاب الوسط – يمين ('المعسكر الصهيوني'، 'ييش عتيد')، و13 مقعدا للأحزاب الحريدية (شاس، 'يهدوت هتوراة')، و13 مقعدا للقائمة المشتركة، و5 مقاعد لحزب ميرتس اليساري الصهيوني.

ويصف محللون إسرائيليون يوم الانتخابات بأنه 'يوم أسود' بالنسبة لوسائل الإعلام، التي أخفقت في رؤية صورة النتائج وفوز اليمين، رغم أن استطلاعات الرأي التي سبقت الانتخابات أكدت تكرارا على أن كتلة أحزاب اليمين ستحصل على عدد المقاعد الأكبر، لكن وسائل الإعلام لم تر الفوز الكبير الذي حققه حزب الليكود. ويعزو الكثيرون فوز الليكود إلى التفوهات العنصرية التي أطلقها نتنياهو في يوم الانتخابات من أجل حث ناخبيه على التوجه إلى صناديق الاقتراع، ومن بين هذه التفوهات أن 'العرب يتوجهون بالحافلات إلى صناديق الاقتراع'.

وأظهرت نتائج الانتخابات عدم وجود بديل حقيقي لحزب الليكود ونتنياهو، وأن قائمة 'المعسكر الصهيوني'، بقيادة يتسحاق هرتسوغ، كانت نسخة عن الليكود ولكنها نسخة مشوهة. رغم ذلك، فإن نتنياهو لم ينجح حتى الآن في ضم 'المعسكر الصهيوني' إلى حكومته، رغم محاولاته هو وهرتسوغ في هذا الاتجاه، ويكتفي في هذه الأثناء بتحالف 'اليمين – الحريديم، وبقاء 'يسرائيل بيتينو' في صفوف المعارضة. 

وتحدثت تقارير في الأسابيع الأخيرة عن أن نتنياهو يسعى حاليا إلى ترسيخ حكمه أكثر من خلال تشكيل كتلة يمينية كبيرة تضم أحزاب يمينية أخرى أو أجزاء منها، في موازاة المبادرة إلى سن قانون يرغم الرئيس الإسرائيلي بتكليف رئيس أكبر كتلة في الكنيست فقط بتشكيل الحكومة.

وينعكس ترسيخ حكم اليمين، منذ عودة نتنياهو إلى الحكم في العام 2009، باستمرار التوسع الاستيطاني ومنع إمكانية قيام دولة فلسطينية. كذلك ينعكس بنقل ممارسات الاحتلال إلى داخل إسرائيل، بحيث يتم إخراس وقمع أي صوت يعارض أو مناهض لسياسة حكومة اليمين، وبشكل خاص الأقلية العربية والمنظمات الحقوقية. وفي أعقاب تقارير جمعية 'يكسرون الصمت'، التي تفضح ممارسات الاحتلال ضد الفلسطينيين، شن اليمين حملة ضد الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، لمجرد أنه شارك في مؤتمر في نيويورك شارك فيها مندوب عن 'يكسرون الصمت'، ورغم أنهما لم يتواجدا في الوقت نفسه على المنصة.

كذلك ينعكس حكم اليمين في ترسيخ سيطرة رأس المال والاحتكارات في الاقتصاد الإسرائيلي، وبرز ذلك مؤخرا في المصادقة على خطة الغاز الحكومية، التي عارضتها كافة الجهات خارج الائتلاف الحكومي، لكن أحزاب اليمين قاطبة أيدتها.

*عزلة إسرائيل ووضعها الجيوسياسي*

تدل مؤشرات عديدة على أن عزلة إسرائيل الدولية أخذت تتعمق في الفترة الأخيرة. وثمة أمثلة على هذا الاتجاه، بينها: وسم منتجات المستوطنات في أسواق الاتحاد الأوروبي؛ اتساع ظاهرة وصف إسرائيل بأنها دولة أبرتهايد (تفرقة عنصرية) والمطالبة بفرض عقوبات ضدها أسوة بالعقوبات التي جرى فرضها على نظام البيض في جنوب أفريقيا في ثمانينيات القرن الماضي، وقد حذر من هذه الظاهرة تقرير صادر عن 'معهد أبحاث الأمن القومي' في جامعة تل أبيب؛ تفاقم حالة الاغتراب بين إسرائيل واليهود الأميركيين، وتزايد انضمام الأخيرين إلى الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل وفرض عقوبات عليها (BDS).

وعلى الصعيد الأمني، ورغم التغيرات الجيوسياسية في المنطقة، فإن إسرائيل ما زالت ترى بإيران أنها تشكل التهديد الأكبر عليها، بسبب برنامجها النووي وعلى الرغم من توقيع الاتفاق النووي. كما تعتبر إسرائيل أن التهديدات ضدها هي من جهة حزب الله وحماس وتنظيم 'الدولة الإسلامية' (داعش').

وفيما يتعلق بالحرب في سوريا وتكثيف التواجد العسكري الروسي فيها، فإن إسرائيل سعت منذ البداية، ويبدو أنها نجحت، في تنسيق عملياتها العسكرية في الأراضي السورية مع روسيا، بحيث تستمر في استهداف مقاتلي حزب الله وضباط إيرانيين وشحنات أسلحة من سوريا إلى لبنان من دون أن تعترض المضادات الروسية الطائرات والصواريخ الإسرائيلية، مثلما حدث لدى اغتيال عميد الأسرى اللبنانيين، سمير القنطار.

من الجهة الأخرى، لا ترى إسرائيل أي تهديد من جانب الدول العربية، بعد أن تحسنت علاقاتها مع نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وصيانة العلاقات مع الأردن (رغم التوترات حول اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى)، ووقوفها مع دول الخليج في صف واحد ضد إيران. كذلك تشير الأنباء، مؤخرا، إلى سعي إسرائيل وتركيا إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما، بعد الأزمة في هذه العلاقات المستمرة منذ العدوان على غزة في نهاية العام 2008، وتدهورت بشكل كبير في أعقاب مهاجمة أسطول الحرية في العام 2010.

*الفساد*

بدأ العام الحالي وانتهى في إسرائيل في ظل قضايا الفساد في أروقة الحكم في إسرائيل. ففي بداية العام تم الكشف عن الفضيحة التي باتت تعرف ب'قضية يسرائيل بيتين'، والتي يتهم فيها قياديون في حزب 'يسرائيل بيتينو'، الذي يتزعمه أفيغدور ليبرمان، باختلاس أموال من خزينة الدولة. وفي إطار هذه القضية، اضطرت نائبة وزير الداخلية السابق، فاينا كيرشنباون، أبرز أعضاء الكنيست من 'يسرائيل بيتينو' إلى الاستقالة من منصبها ومن عضوية الكنيست.

وانتهى العام 2015 بقرار صدر عن المحكمة العليا يدين رئيس الحكومة السابق، ايهود أولمرت، مجددا بتلقي رشوة والحكم عليه بالسجن لمدة سنة ونصف السنة، تبدأ في 15 شباط المقبل، وذلك في إطار قضية 'هوليلاند'. وأكدت المحكمة على إدانة مجموعة من المسؤولين السابقين في بلدية القدس في إطار هذه القضية وبينهم رئيس البلدية السابق، أوري لوبليانسكي.

ويتوقع أن تحقق الشرطة في آخر يوم في هذه السنة مع سارة نتنياهو، زوجة رئيس الحكومة، في إطار شبهات بأن الزوجين نتنياهو قدما حسابات مقابل أعمال ترميم في بيتهما الخاص في قيساريا وكأن هذه الأعمال جرت في مقر إقامة رئيس الحكومة الرسمي، من أجل الحصول على أموال من خزينة الدولة. وسيجري هذا التحقيق في أعقاب مصادقة المستشار القضائي للحكومة، يهودا فاينشطاين، على توصية النيابة العامة والشرطة في هذا الصدد.

واضطر مؤخرا وزير الداخلية والقيادي في حزب الليكود، سيلفان شالوم، إلى الاستقالة واعتزال الحياة السياسية في أعقاب شبهات ضده بالتحرش الجنسي بحق نساء عملن تحت إمرته. كذلك اضطر عضو الكنيست يينون ميغال، من حزب 'البيت اليهودي'، إلى الاستقالة من عضوية الكنيست بعد الاشتباه بارتكابه مخالفات التحرش الجنسي بحق نساء عملن معه في موقع 'واللا' الالكتروني الذي كان يرأس تحريره.

واستمرت هذا العام الفضائح في جهاز الشرطة، بعد الاشتباه بضباط كبار بالتحرش الجنسي بحق شرطيات وضابطات. وكُشف النقاب مؤخرا عن 'علاقة محظورة' بين المفتش العام للشرطة السابق، يوحنان دانينيو، وضابطة شرطة. كذلك أقدم ضابط شرطة على الانتحار في أعقاب الاشتباه بتلقيه رشوة، فيما تم زج ضابط آخر في السجن.