يوجد في إسرائيل شبه إجماع على معارضة إقامة كازينوهات المقامرات، لكن هذا لم يمنع رؤساء حكومات من طرح فكرة إقامة كازينو. والسبب الرئيس الذي يدفع رؤساء الحكومات الإسرائيليين إلى ذلك هو علاقاتهم مع أصحاب شركات الكازينوهات العالمية، من أمثال شيلدون أدلسون الأميركي ومارتن شلاف النمساوي، الذين يدعمون حملاتهم الانتخابية وأحيانا أكثر من ذلك. إذ أن رؤساء الحكومات هؤلاء يواجهون، دائما، معارضة لفكرة إقامة الكازينو من داخل حزبهم أو ائتلافهم، قبل معارضة أحزاب المعارضة. وفي جميع الحالات لم تخرج الفكرة إلى حيز التنفيذ.

وأثار إعلان رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أمس الأربعاء، أنه يتبنى خطة وزير السياحة، ياريف ليفين، بإقامة كازينو في مدينة إيلات، عاصفة من ردود الفعل المعارضة من داخل الائتلاف. وعبّر رؤساء ثلاثة أحزاب من الائتلاف، الذي يضم خمسة أحزاب، عن معارضتهم الشديدة لإقامة كازينو في إسرائيل. وقال نتنياهو إن صديقه أدلسون لا ينوي الاستثمار في كازينو في إسرائيل. وجاء تصريح نتنياهو تطوعا ومن دون أن يسأله أحد عن نوايا أكبر ممول لحملات نتنياهو الانتخابية، والذي أسس صحيفة 'يسرائيل هيوم' بهدف خدمة نتنياهو وسياسته.

لكن هذه لم تكن المرة الأولى التي يطرح فيها نتنياهو فكرة إقامة كازينو. ففي العام 2000، قال خلال منتدى اقتصادي عقد في القدس إنه 'بالإمكان تحسين فرع السياحة وضمه إلى نجاحات فروع الهاي-تك. والشرط لتحقيق ذلك هو إدخال المقامرات إلى إسرائيل'. وفي العام 2003، عندما كان يتولى منصب وزير المالية في حكومة أريئيل شارون، قال نتنياهو 'نعتزم نسخ لاس فيغاس في إيلات. تبدو كلمة كازينو مثل مدينة الآثام، لكن ثمة أهمية للإشارة إلى أن 83% من الدخل في لاس فيغاس يأتي من سياحة العائلات و17% فقط من المقامرات'.

وعاد نتنياهو إلى طرح فكرة الكازينو في أيلول العام الماضي، عندما أصدر تعليمات لليفين بدراسة اقتراح إقامة كازينو في إيلات. وبالأمس شكل نتنياهو لجنة تسيير خطة إقامة كازينو برئاسة ليفين.

وقبل نتنياهو، حاول شلاف، الذي تبرع بالمال لحملات شارون الانتخابية، إقامة كازينو على سفينة ترسو خارج المياه الإقليمية الإسرائيلية قبالة شاطئ إيلات، في العام 2002 وعندما كان شارون رئيسا للحكومة. لكن المستشار القضائي للحكومة حينذاك، إليكيم روبنشطاين، أمر بعدم منح سفينة المقامرات تصريحا أمنيا، ما أدى إلى فشل هذه المحاولة.

وفي العام 1995، شكلت حكومة يتسحاق رابين لجنة، كان اسمها 'لجنة غافيش'، ووضعت نموذجا لإقامة كازينو في منتجع مثل إيلات. وفي نهاية المطاف لم يخرج هذا الاقتراح إلى حيز التنفيذ. وكانت صحيفة 'هآرتس' قد كشفت عن أن رابين التقى في منزله قبل ساعات من اغتياله، في 4 تشرين الثاني العام 1995، مع شلاف الذي اقترح أن يقيم ويدير كازينو في إسرائيل.

إيلات منهارة اقتصاديا

تتعامل الأصوات الصادرة من مكتبي نتنياهو وليفين مع إقامة كازينو على أنه دواء لإشفاء فرع السياحة في إيلات، الذي يعاني من تراجع متواصل.

وأشار المحلل السياسي في صحيفة 'يديعوت أحرونوت'، ناحوم برنياع، اليوم الخميس، إلى أن عدد سكان إيلات 63 ألف نسمة، 80% يكسبون رزقهم من السياحة بشكل مباشر أو غير مباشر. وتكلفة الإقامة في فنادق المدينة مرتفعة رغم أنها باتت قديمة جدا. وبعد عشرة شهور من المقرر أن تنزل مصيبة أخرى على المدينة، بإغلاق مطار 'دوف' في تل أبيب، الذي تسيّر منه معظم الرحلات إلى إيلات، أمام السياحة المدنية.

لكن نتنياهو لم يتعامل مع هذه المعطيات، وإنما اعتبر خلال الاجتماع أنه سيتم بحث إقامة كازينو من أجل إنقاذ إيلات من انهيارها الاقتصادي. واعتبر أن إقامة الكازينو سيستحدث آلاف أماكن العمل الجديدة. ويؤيد أصحاب شبكات الفنادق في إيلات إقامة كازينو.

وتقول تقديرات الحكومة إن إقامة كازينو في إيلات سيدخل إلى خزينة الدولة 400 مليون شيكل سنويا، من ضرائب دخل الكازينو وضرائب على روات العاملين الجدد. وتتوقع وزارة السياحة أن الكازينو سيزيد عدد السياح القادمين إلى إسرائيل بنصف مليون سائح.

إلا أن المحاضر في قسم إدارة الفنادق والسياحة في جامعة بن غوريون في بئر السبع، الدكتور أمير شاني، قال لصحيفة 'ذي ماركر' اليوم، إنه فيما يتعلق بإقامة كازينو 'يصعب التنبؤ بما سيحدث، لكن رغم ذلك فإن التجربة العالمية البحثية تدل على أنه في الغالبية العظمى من الحالات يدور الحديث عن زوبعة في فنجان، سواء من النواحي الإيجابية أو السلبية'.

واستبعد شاني أن يغير كازينو الأوضاع في إيلات من النقيض إلى النقيض وأنه 'سيحيي القفار في إيلات'. وأردف أن 'الأمور لا تسير بهذا الشكل. فصناعة المقامرات في العالم في حالة تراجع، ويبنون كازينوهات أقل، لأنه يوجد الكثير من الغايات السياحية التي توجد فيها مقامرات وهناك إمكانية المقامرة عبر الانترنت، وهي صناعة ازدهرت كثيرا في السنوات الأخيرة'، ولذلك 'أنا لا أبني على الكازينو جبالا من الآمال وأن إيلات ستزدهر وأن السياحة ستتغير جوهريا'.

معارضة إقامة كازينو في الائتلاف والمعارضة

عبر أحزاب 'البيت اليهودي' وشاس و'يهدوت هتوراة'، إضافة إلى أحزاب المعارضة، باستثناء 'يسرائيل بيتينو'. وقال حزب شاس في بيان إن 'الحزب يعارض بشدة خطة إقامة كازينو، ويعلن أن أمرا كهذا لن يحدث. كازينو في إسرائيل سيخدم الأثرياء فقط لا غير، ويلحق ضررا كبيرا بالشرائح الضعيفة'.

وقال رئيس لجنة المالية في الكنيست، موشيه غفني من كتلة 'يهدوت هتوراة'، إنه 'لا أعرف من أين ولدت هذه الفكرة، ولن نتعاون معها. كازينو هو ظاهرة مُسدة وتمس بالعائلات'.

وقال رئيس حزب 'البيت اليهودي' ووزير التربية والتعليم، نفتالي بينيت، إن 'إقامة كازينو في إسرائيل مرفوض بنظري، أخلاقيا وعمليا. وهو يخدم الأقوياء ويضعف الضعفاء. وسأعمل ضد إقامة كازينو. وإسرائيل ليست لاس فيغاس ولن تكون كذلك'.

وتشير معطيات وزارة السياحة إلى أنه يوجد في إسرائيل حاليا 90 ألف مقامر مدمن بدرجات متفاوتة. 59 ألفا هم مدمنون إشكاليون و31 ألفا هم مدمنون على المقامرات. وهؤلاء مدمنون على المقامرات في الانترنت والمقامرات غير القانونية والمقامرات في خارج البلاد. وتدل التقديرات على أن حجم المقامرات غير القانونية في إسرائيل يتراوح ما بين 10 – 15 مليار شيكل سنويا.

أرباح مقابل موبقات الجريمة والعنف

ويسود التخوف من أن إقامة كازينو في إيلات سيشجع مدنا إسرائيلية أخرى على إقامة كازينوهات فيها.

وتشير التقديرات إلى أن سوق الكازينوهات العالم جنى دخلا بمبلغ 160 مليار دولار خلال العام 2015 الماضي. وفي الولايات المتحدة أدخلت الكازينوهات إلى خزينة الدولة 40 مليار دولار في العام 2014 ووفر 1.7 مليون مكان عمل.

أما شركة 'لاس فيغاس سندس' التي تعتبر أكبر شركة كازينوهات في العالم، ويملكها شيلدون أدلسون، فقد جنت أرباحا من فرعها في مكاو في الصين خلال الربع الأخير من العام الماضي مبلغ 581 مليون دولار.

لكن في موازاة هذه الأرباح والأموال التي يمكن أتدخل إلى خزينة دولة على شكل ضرائب وتوفير أماكن عمل، فإن لسوق المقامرات والكازينوهات موبقات اجتماعية لا يمكن إصلاحها.

وتوصلت دراسات إلى حدوث ارتفاع كبير في الجريمة وحالات الطلاق والانتحار وإهمال العائلة والأولاد وتعاطي الكحول والمخدرات بسبب المقامرات والإدمان عليها في المناطق التي توجد فيها كازينوهات.

لنتنياهو غايات أخرى

شكك المحلل في 'ذي ماركر'، عيدو باوم، في احتمال إقامة كازينو قانوني في إسرائيل، لكن اقتراح نتنياهو لفكرة كهذه يدل على إشكالية أدائه. وكتب اليوم أنه 'يصعب التصديق أن هذا ما يشغل نتنياهو بشكل شخصي في الوقت الحالي، وكأن جميع المشاكل الأخرى قد انتهت'.

وأضاف المحلل أن 'حقيقة أن نتنياهو أعلن في بداية الاجتماع أمس الذي جرى خلاله البحث في قضية الكازينو أنه لا توجد أية علاقة بصديقه المقرب وملك المقامرات الدولية شيلدون أدلسون، إنما يجسد إلى أي مدى نتنياهو مأسور بعلاقاته الشائكة مع الأثرياء. فقد جاء هذا النفي قبل أن يقول أحد كلمة واحدة. ومن يمكنه أن يتعهد بأن أدلسون لن يقيم هنا كازينو إذا صودق على المبادرة؟ لا أحد'.

ورجح باوم أن انشغال نتنياهو بموضوع الكازينو له غايات أخرى، 'وربما يكون ذلك تلميح لأفيغدور ليبرمان، الذي سيسر نتنياهو أن يراه في الائتلاف. فليبرمان هو صديق مقرب من الملياردير النمساوي مارتن شلاف، الذي يملك كازينوهات، واهتم في الماضي بإقامة كازينو في إسرائيل'.

وأضاف باوم أن مبادرة الكازينو ربما يريد نتنياهو منها إثارة غضب بينيت.

ولفت باوم إلى أنه في بداية سنوات ال2000 حاول شارون، الذي كان مقربا من شلاف، دفع موضوع إقامة كازينو في إسرائيل، لكن 'حتى شارون البلدوزر تراجع عن هذا الأمر بسرعة. وبالإمكان المراهنة على أنه بالنسبة لنتنياهو، الكازينو هو مجرد خدعة إعلامية'.