بين مفاجآت الانتخابات العامة للكنيست الأخيرة، قبل أسبوعين ونيّف، كان عدم عبور حزب "اليمين الجديد" نسبة الحسم، وبقاءه خارج الحلبة السياسية. وكانت الاستطلاعات توقعت حصول هذا الحزب على أكثر من عشر مقاعد، بعد انشقاق مؤسسيه - وزير التربية والتعليم، نفتالي بينيت، ووزيرة القضاء، وأييليت شاكيد – عن كتلة "البيت اليهودي"، قبل أربعة أشهر. وبعد ذلك تراجعت شعبية هذا الحزب، لكن جميع الاستطلاعات تقريبا لم تتوقع عدم تجاوزه نسبة الحسم.

وحاول بينيت جاهدا البحث عن أصوات "ضائعة" أو "مسروقة"، في الأيام القليلة التي تلت يوم الانتخابات، كما أمِل بأن أصوات المغلفات المزدوجة، وغالبيتها أصوات الجنود، ستدخل الحزب إلى الكنيست، لكن النتيجة النهائية كانت حاسمة، بعدما تبين أن الحزب لم يصل إلى نسبة الحسم، 3.25%، وأنه يفصله عن هذه النسبة قرابة 0.03% من الأصوات فقط، وهي عبارة عن 1454 صوتا.

يشار إلى أن انشقاق بينيت وشاكيد عن "البيت اليهودي" قوبل باستياء من جانب أجزاء كبيرة من ناخبي هذه الكتلة، ووُجهت إليهما انتقادات خلال المعركة الانتخابية. وفيما تُمثل كتلة "البيت اليهودي" جمهور المستوطنين من تياري الصهيونية – الدينية والحريديين – القوميين، فإن "اليمين الجديد" بدا أنه يسعى للحصول على أصوات اليمين العلماني وقسم من الصهيونية – الدينية، إذ اعتبر انشقاق بينيت وشاكيد، في حينه، أنه يعبر عن صراع وتحولات داخلية في أوساط الصهيونية – الدينية، وأن "اليمين الجديد" سيمثل جمهورا عصريا أكثر ويتمرد على التقاليد.  

إضافة إلى ذلك، فإن زعيم حزب الليكود ورئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، سعى من أجل الحصول على أصوات ناخبي "اليمين الجديد"، على خلفية الخصومة بينه وبين بينيت، خلال المعركة الانتخابية وأيضا خلال ولاية الحكومة السابقة. وفي المقابل، سعى نتنياهو، ونجح، في تشكيل كتلة اتحاد أحزاب اليمين، وبضمنها حزب "عوتصما يهوديت" الكهاني الفاشي، وحصول هذه الكتلة على 5 مقاعد في الكنيست، لتصبح شريكا مركزيا في ائتلاف نتنياهو المقبل.

بدون قاعدة ميدانية

سعى محللون، في وسائل إعلام إسرائيلية يمينية، إلى تحليل أسباب فشل "اليمين الجديد" بالدخول إلى الكنيست الـ21. وذكر تقرير نشرته صحيفة "ماكور ريشون" نقلا عن مصادر في هذا الحزب، أن الخطأ الأول الذي ارتكبه بينيت هو عدم تعيين شخص أو مستشار إستراتيجي لقيادة الحملة الانتخابية. والخطأ الثاني هو "عشوائية اتخاذ القرارات". وقال أحد قادة "اليمين الجديد" إنه "كنا نجتمع ونقرر ألا نهاجم بيبي (نتنياهو). وفي الغداة، بينيت يهاجمه. هذا لم يكن منطقيا، وجعل ناخبين محتملين يبتعدون عنا". كذلك أشاروا إلى أن بينيت كان يتشاور، بشكل غير رسمي، مع صديقه والمستشار الإعلامي الإستراتيجي، موشيه كلوغهافت، الأمر الذي أثار قلق قيادة الحزب.

وأضافت الصحيفة أنه على الرغم من وجود نشطاء ميدانيين وقيادة ميدانية لـ"اليمين الجديد"، إلا أنه لم تكن هناك ميزانيات كافية وأسلوب عمل معتمد، كما لم يكن هناك تنسيق بينهم. وقال أحد المتطوعين المركزيين إن "أييليت (شاكيد) تنقلت في البلاد، وعندما تواجدت في مقر الحزب لم ينصت أحد لها. وأنا ألومها، لأنها لم تقلب الطاولة. وفي يوم الانتخابات، كان نتنياهو يتجول ويحضر ناخبين، ونفتالي (بينيت) يجلس في المقر".

وقال متطوع آخر في حملة هذا الحزب إن "بينيت لم يؤمن بالعمل الميداني ولم يرصد ميزانيات له، وهذا كان خطأ شنيعا. وشاكيد طالبت برصد ميزانية للعمل الميداني، وبينيت رفض". وبحسب ناشط آخر، فإن "نفتالي لم يجلس في مقر النشطاء الميدانيين ولو مرة واحدة. بينما نتنياهو اجتمع مع طاقم النشطاء الميدانيين كل صباح. ولم يسألنا أحد عمّ يقوله المشاركون في الحلقات البيتية. ولو عقد بينيت 15 حلقة بيتية أخرى لعبرنا نسبة الحسم".

وأشارت الصحيفة إلى أن "اليمين الجديد" تطلع إلى كسب تأييد جمهور علماني كان يرفض التصويت لحزب فئوي. وقال رئيس مدرسة الإعلام في جامعة تل أبيب، البروفيسور آشر كوهين، الذي يؤيد "اليمين الجديد" إن "هذا حزب تأسس خلال فترة قصيرة للغاية، من قاعدة ميدانية. وهذا ليس مثل آلاف تلاميذ المعاهد الدينية الداعمين لاتحاد أحزاب اليمين، الذين خرجوا إلى إجازة للعمل من أجل هذه الكتلة. ولو تحدثت دعاية اليمين الجديد عن هوية يهودي، لما حصلت على 1500 صوت آخر وإنما على 15 ألف صوت من المتدينين".  

ولاحظ ناشطون في طاقم "اليمين الجديد" أن أداء الحزب ضعيف في يوم الانتخابات، وأن ناخبين محتملين يصوتون لأحزاب يمينية أخرى. وقالت الصحيفة إنه في ظهيرة يوم الانتخابات، استعرض رجل الأعمال شلومو فيلبر، أمام طاقم الانتخابات، تقريرا بأن الوضع سيء بالنسبة لهم، وأن قوة "اليمين الجديد" تتراجع عن ستة مقاعد في الكنيست، حسب آخر الاستطلاعات، وأن الناخبين يستجيبون لحملة نتنياهو واتحاد أحزاب اليمين وحزب "زيهوت" برئاسة موشيه فايغلين.

وأشار نشطاء في هذا الحزب إلى إشكالية القيادة المزدوجة، لبينيت وشاكيد. وقال أحدهم إنه "يوجد ثمن للقيادة المزدوجة. هو ضد حماس وهي ضد المحكمة العليا، ويصعب استيعاب ذلك. وقيادة برأسين لا تنجح".

مهاجمة نتنياهو

أعلن بينيت، من خلال منشور نشره في صفحته في "فيسبوك"، أنه يتحمل شخصيا مسؤولية فشل "اليمين الجديد" في عبور نسبة الحسم. وحسب الكاتب في الموقع الإلكتروني للصهيونية الدينية "سْروغيم"، شلومي غولدبرغ، فإن بينيت "مثّل جيلا جديدا من الشبان المتدينين. فهو مسرح من كوماندوز النخبة سرية هيئة الأركان العامة، مبادر ناجح في صناعة الهايتك، متحدث طلق وجذاب. باختصار، توجد لديه كافة الخصال التي تبني قيادة بمستوى قومي، وجاء لكي يقود الصهيونية الدينية بشكل لم ينجح أسلافه بصنعه".

ولفت غولدبرغ إلى أقوال صحافيين حريديين لأحد برامج إذاعة الجيش الإسرائيلي، وتحدثوا فيها عن أسباب دعم الحريديين لنتنياهو، رغم أن الأخير بادر من خلال سلسلة قرارات، كوزير للمالية، في بداية العقد الماضي، إلى توجيه ضربات اقتصادية لجمهور الحريديين، وخاصة تقليص مخصصات الأولاد. ورغم ذلك، فإن "مكانة نتنياهو قوية في أوساط الحريديين وتضاهي مكانة ’كبار حكماء التوراة’، ولذلك لا تتم مهاجمته".

وأجمع الصحافيون الحريديون على سبب شعبية نتنياهو بين الحريديين نابعة من أنه "يتعامل معنا باحترام وليس باستعلاء وكوصي علينا. وبالأساس لأن الجمهور الحريدي يتماثل مع نتنياهو، لأن وسائل الإعلام تهاجم الحريدي صباح مساء، تماما مثلما تهاجم بنيامين نتنياهو".

ورأى غولدبرغ أن "هذه الجملة الأخيرة، تلخص أكثر من أي شيء آخر، خطأ نفتالي بينيت المركزي، خلال الحملة الانتخابية، وهو أن عدم فهم الجمهور الديني – القومي غير المختلف في الجوهر عن الجمهور الحريدي. والعراك كل صباح ومساء مع رئيس الحكومة، لا يضيف عدد مقاعد في الكنيست وإنما يمس بشدة باليمين الجديد".  

وأضاف أنه "خلافا لما نعتقد، فإن البشر لا يصوتون على المواقف فقط والآراء والأفكار الأيديولوجية فقط. البشر يصوتون أيضا لقصتهم الخاصة. ولذلك، فإن الذهاب ضد نتنياهو طوال الحملة الانتخابية كان خطأ إستراتيجيا فادحا. وعندما ينظر الجمهور الديني القومي في المرآة، يرى بنيامين نتنياهو المهاجَم من قبل النخب، وفي الجانب الثاني انعكاس لنفسه".

تهديدات بينيت وشاكيد

أشار تقرير نشره موقع "يديعوت أحرونوت" الإلكتروني إلى أن فكرة تأسيس حزب "اليمين الجديد" نبعت من سببين أساسيين: شعور بينيت وشاكيد بأنه من داخل "البيت اليهودي" لا توجد طريق نحو القيادة القومية، أي قيادة إسرائيل. وكانت لديهما قناعة بأن الرافعة السياسية لـ"البيت اليهودي" تكبلهما ومن شأنها أن تبقيهما لفترة طويلة كأعضاء في الائتلاف وليس كحزب حاكم. والسبب الثاني يتعلق برغبتهما في توسيع شعبيتهما في أوساط الجمهور العلماني – اليميني، وهو ما لم ينجحا بتحقيقه من خلال "البيت اليهودي".

وأشار المستشار الإستراتيجي، موشيه غاؤون، في حديث لـ"يديعوت"، إلى أربعة أخطاء ارتكبها بينيت وشاكيد خلال الحملة الانتخابية، وقادت في النهاية إلى تحطم "اليمين الجديد":

"تراجع ثقة الجمهور بهما بدأت عندما قرر أفيغدور ليبرمان الاستقالة من منصب وزير الأمن، ووضع بينيت إنذارا أمام نتنياهو من أجل تعيينه وزيرا للأمن. وتدل التجربة التاريخية على أن أي أحد وضع إنذارا أمام نتنياهو وطبقه سيحظى بتقديره، وأي أحد تراجع عن إنذاره يتحول في نهاية الأمر إلى شيء عديم الأهمية بالنسبة لنتنياهو". ويذكر أن بينيت وشاكيد هددا بالاستقالة والانسحاب من الحكومة بحال عدم تعيين بينيت وزيرا للأمن، لكنهما تراجعا عن ذلك.

الخطأ الثاني، هو أن "بينيت وشاكيد دخلا المعركة الانتخابية كمن يهددون وليس كمن ينفذون، وانعكس هذا بالتعامل معهما داخل معسكر اليمين وخارجه".

والخطأ الثالث يتعلق بقرارهما الانشقاق عن "البيت اليهودي" وتأسيس حزب جديد. "ناخبون كثيرون من المعسكر الديني – القومي اعتبروا هذه الخطوة كتخلّ عن البيت"، وأن القيادة المزدوجة لا تنجح "خاصة في الجانب اليميني من الخريطة السياسية. وهذا القرار أضعف كلاهما".

والخطأ الرابع، حسب غاؤون، تتعلق بالرسائل التي بثاها. "من جهة، قالا إنه ينبغي مساعدة نتنياهو في الأمن والقضاء، ومن الجهة الأخرى قالا إنهما لن يدعمانه بأي شرط. وهذا ليس واضحا واعتبر أنه غير جدي".

اقرأ/ي أيضًا | صفعة للصهيونية الدينية