أظهرت دراسة إسرائيلية جديدة أن زيادة قوة الأحزاب الحريدية، في أعقاب انتخابات الكنيست، التي جرت قبل ثلاثة أسابيع، تعزز التقديرات حيال العواقب الاقتصادية جراء تعاظم قوة الحريديين السياسية، منذ العام 1977.

ووفقا للدراسة، التي أعدها البروفيسور دان بن دافيد، من مؤسسة "شوريش للأبحاث الاقتصادية الاجتماعية"، فإنه ليس فقط أن قوة الحزبين الحريديين، شاس و"يهدوت هتوراة"، ازدادت، وإنما أظهرت نتائج الانتخابات أن نسبة التصويت بين الحريديين وصلت إلى 80%، وأن عدد الأصوات التي حصل الحزبان عليها تساوي 100% من مجمل الحريديين في سن 18 عاما فما فوق. وهذا يعني أن ناخبين ليسوا حريديين صوتوا للأحزاب الحريدية.

ويتوقع أن يتم التعبير عن زيادة قوة الحريديين في نتائج المفاوضات الائتلافية، الجارية حاليا، والتي من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع عدد الحقائب الوزارية والمناصب الحكومية التي سيحصلون عليها، ورفع ميزانيات المعاهد والكليات والمدارس الدينية، التي حذر بن دافيد من أنها "تقمع الاندماج في سوق العمل"، ولجم تدريس العلوم واللغات في مؤسسات التعليم الحريدية، إضافة إلى عدم تعديل قانون التجنيد، ليشمل تجنيد الحريديين للجيش، الذي يعتبر عامل مسرع لاندماجهم في المجتمع الإسرائيلي.

وأشار بن دافيد في دراسته إلى أن عدد الأصوات التي حصلت عليها الأحزاب الحريدية أرتفع ثلاث مرات من سبعينيات القرن الماضي. ففي العام 1973، ولم يكن الحريديين أعضاء في الحكومة، وحصلوا على 3.7% من الأصوات، بينما هذه النسبة وصلت إلى 11.7% في الانتخابات الأخيرة. وحتى العام 1977، حين صعد حزب الليكود إلى الحكم، لم تشارك الأحزاب الحريدية في الحكومات، لكن منذ 42 عاما، شاركت الأحزاب الحريدية في الحكومة طوال 39 عاما، أي أنها بقيت ثلاث سنوات فقط خارج الحكومة.

ورأى بن دافيد أن تبعات هذه التحولات السياسية تكمن في حدوث تغييرات بالغة الأهمية في سلم الأفضليات القومي الإسرائيلي.

وأشار إلى أن المدارس في إسرائيل هي من أسوأ المدارس في العالم المتطور. ومعدل علامات التلاميذ الإسرائيليين في الامتحانات الدولية والرياضيات والعلوم والقراءة، أقل منها في 25 دولة متطورة، وذلك من دون أخذ التلاميذ الحريديين بالحسبان، خاصة وأنهم لا يتعلمون هذه المواضيع في مدارسهم الثانوية.

وشدد بن دافيد أن مستوى التعليم الإسرائيلي ليس نابعا من نقص في الموارد، إذ أن الإنفاق الحكومي المدني، من دون الإنفاق الأمني، مشابه لمعدل الإنفاق في منظمة OECD، أو أكثر منها أحيانا، خلال العقود الأربعة الأخيرة. وأكد أن سبب تردي مستوى التعليم نابع من تغيير سلم الأولويات القومي.

تكاليف الاحتلال والاستيطان

وأوضح بن دافيد أن "العضوية التي تكاد تكون متواصلة للأحزاب الدينية والحريدية في الحكومات الإسرائيلية عززت تغيير الأولويات القومية. والإنفاق الكبير في الضفة الغربية، الجولان، سيناء وغزة (أي تكاليف الاحتلال والاستيطان) رافقها تحويل أموال طائلة لمصالح حريدية، بدءا من زيادة مخصصات الرفاه وحتى دعم المدارس الحريدية. لكن الحريديين يمنعون تدريس العلوم واللغات بعد الصف الثامن لمجموعات سكانية تنمو بأسرع وتيرة في إسرائيل وبفارق كبير عن مجموعات أخرى".

وأشار بن دافيد إلى تأثير الحريديين على الاقتصاد الإسرائيلي. "بعدما ارتفعت دفعات الرفاه بشكل كبير في الثمانينيات والتسعينيات، فإن نسبة تشغيل الرجال الحريديين في سن 35 – 54 عاما انخفض من أكثر من 80% في نهاية السبعينيات إلى أقل من 40% في بداية سنوات الألفين. والمقارنة هي مع الرجال غير الحريديين، اليهود والعرب، في سن العمل الأساسي، وذوي 16 سنة تعليمية وأكثر، ونسبتة العاملين بينهم تصل إلى 90%. وعمليا، الانخفاض في نسبة الرجال الحريديين العاملين كانت مشابهة لنسبة الرجال غير الحريديين ذوي مستوى تعليمي متدنٍ، أو الذين لم يتعلموا أبدا. ولكن، في الوقت الذي تقلصت فيه المجموعة الأخيرة بشكل كبير، اتسعت المجموعة السكانية الحريدية بوتيرة سريعة".   

وأضاف بن دافيد أن المرأة الحريدية كانت تلد 6.05 مولود في العام 1980، وارتفع إلى 7.07 مولود في العام 1990. ثم ارتفع هذا المعدل إلى 7.42 في العام 2000. وفي أعقاب التقليصات الواسعة في مخصصات الرفاه، في بداية سنوات الألفين، بدأ ولادات المرأة الحريدية تنخفض بين الحريديات والمسلمات. لكن بعد عودة الدعم المالي، في السنوات الأخيرة، عادت معدلات ولادة المرأة الحريدية إلى أكثر من 7 مواليد. "وفيما يشكل الحريديون 7% فقط من أبناء 20 عاما فما فوق، فإن أولادهم يشكلون 20% من الفئة العمرية 0 – 14 عاما".

ورأى بن دافيد أن تأثير هذه المعطيات ينطوي على أهمية بالغة. "بين الإنذارات الكثيرة التي يضعها الحريديون من أجل الانضمام إلى الائتلاف، فإن الشرط الأكثر إشكالية بالنسبة لمستقبل إسرائيل هو على ما يبدو مطلبهم أن أولادهم – خاصة الأبناء – لن يتمتعوا من الحقوق الأساسية بدراسة العلوم واللغات، التي من شأنها فتح فرص عمل عندما يكبرون".

ووفقا لبن دافيد، فإنه "لا يوجد في العالم المتطور دولة واحدة، باستثناء إسرائيل، تسمح بخرق كهذا لمطلبها بالتعليم الإلزامي. وإذا كان الواقع السياسي الحالي يطرح إمكانيات قليلة للتغيير، فإنه بالإمكان أن نتخيل وحسب إلى أي مدى إمكانيات التغيير مقلصة، عندما يتحول أولاد اليوم إلى بالغين. وإذا كان هذا ليس كافيا، فإن التوقعات الديمغرافية لمكتب الإحصاء المركزي هي أنه في غضون جيلين فقط سيشكل الحريديون نصف الأولاد في إسرائيل".

وحذر بن دافيد من أن تبعات اقتصادية: "إذا لم يتعلم الأولاد الحريديين مواضيع ضرورية، فمن سيكونوا الأطباء الذين يمنحون علاجا في المستقبل ومن سيكونوا المهندسين الذين سيصونون الاقتصاد العصري؟ وهذا عدا الحديث عن مسألة من أين ستأتي الموارد للاهتمام بالمجموعة السكانية الفقيرة الآخذة بالاتساع باستمرار".