في مقال نشرته صحيفة "هآرتس" هذا الأسبوع، تحت عنوان "جبهة ضد الأبرتهايد"، يرى المحاضر في قسم الجغرافيا في جامعة بئر السبع، بروفيسور أورن يفتحئيل، أن تحييد القضية الفلسطينية عن ساحة الحملة الانتخابية للكنيست الإسرائيلي، هو بمثابة محاولة هروب من المسألة الرئيسية التي تواجه إسرائيل والمتمثلة بـ"الأبرتهايد" الذي يتشكل بين اليهود والفلسطينيين، مشيرا إلى أن العمى والصمت الحاليين يفاقمان من المشكلة ولا يحلانها، وأن رد المعسكر الديمقراطي يجب أن يكون ببلورة جبهة واسعة ضد نية "كتلة الأبرتهايد" (اليمين) في تشكيل نظام كولونيالي بين النهر والبحر.

وفي معرض شرحه لمحاولات التعامي عن الواقع السياسي وتجاوز القضية الأساسية (القضية الفلسطينية)، يقول يفتحئيل، إن الانتخابات القريبة القادمة سبق لها وأسقطت عددًا من الضحايا في الميدان السياسي، خاصة الذين يؤيدون العملية السلمية مثل تسيبي لفني، وأنه حتى "الأقلية العربية" تظهر الميل المتزايد لتأييد مرشحين "براغماتيين"، لا يخلطون بين وضعهم التعيس في الدولة وبين القضية الفلسطينية.

ويعزو يفتحئيل ذلك إلى ما يصفه بحملة التشويه التي مورست في السنوات الأربع الماضية، ضد معارضي الاحتلال والكولونيالية بحق الفلسطينيين، والتي جعلت الكثيرين يبحثون عن شعارات أخرى، مثل المساواة الاجتماعية وحماية البيئة وحقوق النساء والمثليين، ويفضلون إخفاء المعارضة لقمع الفلسطينيين عميقًا في الثلاجة.

وفي وصفه للواقع السياسي الناشئ، والذي تجري في ظله الانتخابات، يقول المحاضر الإسرائيلي، أن هناك ما يصفه بالـ"العمى الجغرافي" غير الموجود في أي نظام انتخابي آخر في العالم. من جهة، ملايين الفلسطينيين الواقعين تحت سيطرة إسرائيل (مباشرة أو غير مباشرة لكنها يومية) لا يحسب لهم أي حساب على الإطلاق وليس لهم صوت في اختيار الحكومة التي تشكل حياتهم. من جهة أخرى، مئات آلاف المستوطنين الذين يعيشون في المناطق التي فيها يعيش نفس هؤلاء الفلسطينيين، مشمولون بصورة طبيعية في سجل الانتخابات الإسرائيلية.

في الوقت ذاته، تواصل إسرائيل استيطان المناطق المحتلة من خلال عملية كولونيالية شاملة، وتواصل السيطرة على الفلسطينيين بقبضة حديدية، رغم التظاهر بحكم ذاتي فلسطيني في جيوب صغيرة، وهو ما ظهر مؤخرا، كما يقول، في وقف الأموال المدينة بها إسرائيل للسلطة في رام الله، والاقتحامات المستمرة للجيش لمناطق "أ" في الضفة الغربية، وإشراف إسرائيل الدقيق على توزيع الأموال القطرية للقطاع.

ويترجم هذا العمى الجغرافي، حسب تعبير يفتحئيل، في أن السياسة الإسرائيلية "ترى" اليهود لكنها لا ترى الفلسطينيين، في إطار عملية أعمق بكثير، يمكن تسميتها "أبرتهايد زاحف"، وقد نشأت تحت هذا النظام الذي يتشكل في أعقاب سبعين سنة من تهويد الدولة وخمسين سنة من الاستيطان في المناطق المحتلة، نشأت وترسخت تحت حكم إسرائيل عدة أنواع من المواطنة.

اليهود هم أصحاب المواطنة الكاملة في أرجاء البلاد، في حين أن الفلسطينيين مقسمون إلى فئات أدنى: مواطنون من الصنف "ب" في إسرائيل، مقيمون في شرقي القدس ورعايا في الضفة وغزة، وبالمقارنة مع ما كان في حينه في جنوب أفريقيا، اليهود هم "البيض" والعرب مواطني إسرائيل هم "الملونون"، في حين أن الفلسطينيين في المناطق المحتلة هم "السود".

ويرى يفتحئيل، أن ربط مئات المستوطنات بصورة مدنية للمناطق المحتلة بإسرائيل، قد حولت الاحتلال إلى أبرتهايد، وهو وضع عززه قانون القومية وقانون التسوية، اللذان يرسخان سيطرة إسرائيل الشرعية بين النهر والبحر، وسياسة اقتصادية توجه معظم الموارد في البلاد لليهود.

وبإزالة الغبار عن الخطاب التاريخي الديني أو العسكري، سنرى، كما يقول، أن كل أحزاب اليمين تعلن عن تأييدها لضم المستوطنات ومواصلة قمع الفلسطينيين، وأن الأحزاب الأصولية تنضم إلى هذه الآلية فعليًا، من هنا يرى الكاتب أنه يجب البدء بتسمية معسكر اليمين في هذه الانتخابات بـ "كتلة الأبرتهايد"، مشيرا إلى أن فوزه المحتمل في الانتخابات سيعني استمرار هذه العملية في السنوات القادمة؛ أنواع المواطنة غير المتساوية ستستمر وتترسخ تحت النظام نفسه وسيتعمق نظام الأبرتهايد بين النهر والبحر.

ويرى الكاتب، أن الحديث عن "احتلال هناك وديمقراطية هنا" وعن "يمين مقابل يسار"، أفلس، لأنه فقد الصلة مع الواقع، وباتت هناك ضرورة لاستبدال المفاهيم التي تحرك النظام، وإن كان مفهوم "أبرتهايد" يعتبر في أوساط جماهيرية واسعة بمثابة شتيمة، لكنه في الحقيقة وصفًا لواقع سياسي متوحش، يعتبر جريمة خطيرة في القانون الدولي، في حين أن كلمة "احتلال" ليست شيئًا غير قانوني، لذلك يمكن لإسرائيل أن تستمر به لسنوات طويلة.

من هنا فإنه يدعو أحزاب اليسار والوسط إلى رفع راية مناهضة الأبرتهايد كمحور رئيسي، الأمر الذي من شأنه كسر التوازن بين الكتل، وتجنيد تأييد دولي ضد النظام الآخذ في التشكل، وخلق تحالف بين مؤيدي الديمقراطية والسلام على جانبي المتراس القومي، كما يقول.

اقرأ/ي أيضًا | "المشروع الاستيطاني انتصر وهذا انتحار قومي"