> الرواية الأولى، أو الإصدار الأول للكاتبة السعودية الشابة رجاء الصانع صدرت عن > وسجلت رقما أول في المبيع في معرض بيروت للكتاب. لا يعنينا هنا كثيرا تصدرها المرتبة العالية وإقبال الجمهور عليها، فهذه حالة ما قبل القراءة، أي الحالة الصفر على معرفة محتويات الكتاب، وما خطته يد الكاتبة، ويتدخل في مثل رواج بعض الأعمال، محفزات وعوامل شتى ليس أقلها > على كل أشكالها، كما واحتضان العمل من قبل أسماء نافذة، أو كاريزما الكاتب، وجنسيته وطريقة تقديمه لنتاجه. ما يعنينا إذاً، هو تحديدا ما كتبته رجاء الصانع، وهو حقها علينا كمتابعين لما يسعنا متابعته من إصدارات وسواها.

ليست رواية

لا تدعي الصانع وهذا يُحسب لها أن > هي رواية متكاملة أدبيا وفنيا. فهي تخشى على ما أوردت، تسميتها رواية: >. الصانع تقول هذا، وقد فاتها ان العمل الروائي يسعه التخلق من بضعة إيميلات، ومن دون قيود، ومن دون رزانة، أو أثواب كلاسيكية، شرط ان تكون فنيته بائنة وذكاءه آسراً. العمل الروائي مفتوح الآن على أقصى التجريب وأقصى الغرابات، سواء ذلك المُستل من الواقع (كما فعلت رجاء) أو ذلك التجريدي، أو الشاعري، أو سوى ذلك من أصناف الروي.
> ينحصر زمنها > بسنة واحدة من حياة صديقات أربع: قمرة، سديم، لميس، ميشيل، ينتمين الى شريحة اجتماعية واسعة وميسورة في السعودية ويعشن قصص حب وزواج وصداقات، تكتبها الصانع على شكل إيميلات (كل نهار جمعة إيميل) ترسلها الى معظم مستخدمي الانترنت في السعودية، كاشفة غوامض وأسرار في حياة صديقاتها: غراميات مرحة، وأخرى مأساوية، وانعكاس للعلاقات المخذولة بين المرأة والرجل في المجتمع المحافظ. إيميلات الكاتبة هي انعكاسات شهرزادية عصرية، ورغبتها الضمنية بالدفاع عن نفسها، ضد الموت ضجرا في المحيط المُغلق والغافل عن المرأة كشريك وحضور فاعل. بين إيميل وآخر، تعرض الكاتبة الى ما يحدثه هذا من ضجة تعم الأوساط المحلية، حيث تنقلب الدوائر الحكومية والمستشفيات والجامعات والمدارس الى ساحات مناقشات ساخنة لأحداث الإيميل الأخير صباح كل سبت، بعد أن تكون أرسلته مساء الجمعة. مشهد واحد إذاً، تعتمده الكاتبة ويقوم على نوع المكاشفة بينها وبين جمهور تلك الإيميلات. لكنه مشهد يتشعب الى قصص وأيام تتدفق فيها >، إذ أخذ يجري عرض الأحداث والمرويات ورسم الشخوص، لا بطريقة التصوير المباشر بل عن طريق الانطباعات والحقائق التي تحدث، وانعكاساتها على البطلات الأربع كل منهن على حدة، ومجتمعات معا، سواء البطلات الرئيسيات والثانويات وحضور الرجل الشرقي في حياتهن، في تلك السنة الواحدة التي > فيها الإيميلات على الشاشات الزرقاء للمستخدمين كافة.

أدب الممنوع

يتميز أسلوب الصانع بالمباشرة والحس الفكه، وبرشاقة التنقل الخفيف بين شخصية وأخرى، ما يقوّض اسلوب السرد النظامي الذي يطبع الاسلوب التقليدي. كما وتعمد الصانع الى تسليط الاهتمام ايضا عبر إيميلاتها على المسائل الصغيرة، واعتمالات الدواخل، وذلك لخلق حس بالثراء في نسيج الحياة الواقعية اليومية، لبنات يملكن إمكانيات الحياة المرفهة الشكلية من دون جوهرها الحقيقي: حرية الاختيار: الرفض او القبول. وعبر حكايات أربع، عرضت الصانع الى > إذا صح التعبير من العواطف، ساخنة وباردة، مسحورة وواعية، حملتها أفئدة مستلبة سلفا من مجتمعها الذكوري، منها من استسلم ومنها من انتصر لحريته ووعيه.

>: سيداتي آنساتي سادتي.. أنتم على موعد مع أكبر الفضائح المحلية، وأصخب السهرات الشبابية. محدثتكم، موا، تنقلكم الى عالم هو أقرب لكل منكم مما يصوره له الخيال. هو واقع نعيشه ولا نعيش فيه، نؤمن بما نستسيغ الإيمان به منه ونكفر بالباقي>>. بالترحيب هذا استهلت الكاتبة سلسلة إيميلاتها، ليبدأ التداعي الحر وتداخل الوعي باللاوعي عند كل من شخصياتها، مع السرد الذي يعني فئة معينة ناجية من هموم الحاجة المادية، منصرفا الى دواخل الشخصيات الشعورية، حاثا القارئ على مشاطرة كل منها، علاقتها وأحاسيسها وردود فعلها الآنية ورؤاها، حتى إحباطاتها.
> وإن على لائحة الأكثر مبيعا في المعرض والأكثر ترحيبا على الصعيد الاعلامي، غير أنها تعاني ما تعانيه على صعيد المنع الخليجي من تصويرها لبنات مجتمعها بحسب بعض النقاد مقدامات في فن الإغواء واستدعاء الرجل، الى مقاربات شباب الخليج بوصفهم غافلين عن أحاسيس المرأة وحياتها الداخلية. ولعل الصانع وهي عاكفة على كتابة روايتها، قد حدست بمثل هذه الانتقادات المتزمتة من كونها هي نفسها ابنة مجتمع محافظ، ترى نساءه في مناسبات الأعراس فرصة لاستعراض حسنهن ومواهبهن وفرصة للتنافس في الرتبة الاجتماعية. الصانع وفي رغبتها الى تمتين نصها السردي، تُكثر من الاستشهاد لكتّاب عرب وأجانب (نزار قباني، القصيبي، ابراهيم ناجي، ت.س. إليوت، أوسكار وايلد وطاغور) كما تسند كتابتها بالأحاديث والتفسيرات القرآنية، في التقاطع بين ثقافتين، وفي الاختلاف البائن بين الديني المسند وبين الأدب الذاهب في كسر >.

نجحت الصانع في وصف انعكاس العلاقة الغرامية على المرأة الخليجية، عبر صديقات اربع، وإن مال السرد الى توصيف الشعور بالتحرر من هذه العلاقة كما عند ميشيل المخدوعة بحبيبها فيصل، الذي آثر أخيراً، بتأثير من أمه، فتاة اخرى عليها: >. وضعت ماكياجها بنفسها وارتدت ثوباً ملوناً بألوان كثيرة من تصميم روبيرتو كافالي، ينساب مع خطوط جسمها مبرزاً أنوثتها بشكل رائع. وقفت عند مدخل القاعة، تتأمل صور العروسة والعريس التي تزين طاولة عند المدخل. تفحصت شكله الى جانب عروسه بعين الرضى. لم يكن فيها أي من الملامح التي تعجبه، كانت ضخمة البنية وهو الذي يعشق البنت >، لم يكن شعرها أسود كما يفضل وإنما مصبوغاً بألوان مختلفة حتى بدا ككرة الديسكو التي تعكس مربعاتها الصغيرة جميع ألوان الطيف! شفتاها ضخمتان! أين هما من شفتي ميشيل التي تنام إحداهما برقة فوق الاخرى البارزة بإغراء ونعومة>>. (ص 298).

> هي تساؤلات الكاتبة السعودية رجاء الصانع عن ايها تختار عنواناً لكتابها الجديد الصادر حديثاً، قبل ان تستقر على > الذي عرض فعلاً لشريحة اجتماعية ميسورة من النساء، قابلتها رغبة القارئ في التلصص على حيواتهن المسوّرة خلف سور التقاليد، فكان هذا الاجماع عليه ورفعه الى مرتبة الأكثر مبيعاً، في التباس العلاقة بين > الذكية، والأدب الحق.


عناية جابر
"السفير"