خلال العقد الماضي، شهدت صناعة السينما تحوّلات كبيرة، لا تزال مثار جدل كبير بين الباحثين، بسبب ظهور منصّات البثّ التدفّقيّ مثل منصّة "نتفلكس"، حيث غيّرت هذه المنصّات الطريقة الّتي يستهلك بها الناس الأفلام والبرامج التلفزيونيّة، ممّا أدّى إلى تراجع صناعة السينما التقليديّة، وفي حين أنّ تأثير هذه التغييرات واضح في بلدان حول العالم، فقد ظهر على نحو خاصّ في بلدان مثل الولايات المتّحدة، حيث لطالما كانت صناعة السينما عنصرًا أساسيًّا في المشهد الترفيهيّ والثقافيّ.

وأدّى ظهور منصّات البثّ مثل "نتفلكس" إلى تغيير صناعة السينما بعدّة طرق، وربّما كان التغيير الأكثر أهمّيّة هو الطريقة الّتي يستهلك بها الناس الأفلام والبرامج التلفزيونيّة، ففي الماضي، كان الناس يذهبون إلى السينما لمشاهدة فيلم، أو كانوا ينتظرون حتّى يتمّ إصداره على أقراص، أمّا الآن، فيمكن للأشخاص بثّ الأفلام والبرامج التلفزيونيّة على هواتفهم وأجهزتهم اللوحيّة وأجهزة الكمبيوتر المحمولة في أيّ وقت، ومن أيّ مكان، وكان لهذا التحوّل في عادات الاستهلاك تأثير عميق على صناعة السينما على وجه الخصوص، حيث انخفض عدد الأشخاص الّذين يتّجهون إلى دور السينما، حيث كافحت العديد من الدور للبقاء واقفة على قدميها خلال العقد الماضي، كما أغلقت العديد منها أبوابها بسبب ضعف الإيرادات، وبالإضافة إلى ذلك، فقد تغيّرت أنواع الأفلام الّتي يتمّ إنتاجها، نظرًا لأنّ المزيد من الأشخاص يتّجهون إلى منصّات البثّ للترفيه، فقد ركّزت الاستوديوهات بشكل أكبر على إنتاج الأفلام المصمّمة للشاشات الصغيرة، بدلًا من الشاشة الكبيرة.

وخلال السنوات الماضية، ازداد الشعور بتأثير منصّات البثّ على اقتصاديّات السينما في جميع أنحاء العالم، ففي بعض البلدان، كان التأثير خفيفًا نسبيًّا، بينما كان في بلدان أخرى كان أكثر تأثيرًا، على سبيل المثال، فقد تضرّرت صناعة السينما بشدّة جراء ظهور منصّات البثّ التدفّقيّ، ووفقًا لدراسة أجرتها الرابطة الوطنيّة لمالكي المسرح "الناتو"، فقد انخفض عدد الأشخاص الّذين يذهبون إلى السينما في الولايات المتّحدة بحوالي 6% منذ عام 2010. وكان هذا الانخفاض أكثر وضوحًا بين الشباب، وهم الفئة الديموغرافيّة الأساسيّة.

(Getty)

وطالت التأثيرات أيضًا بعض الدول الأوروبيّة، مثل فرنسا، والتي تعرف بتاريخها الطويل في صناعة السينما، حيث لعبت هذه الصناعة دورًا مهمًّا في ثقافة البلاد واقتصادها، حيث خلصت دراسة أجراها المركز الوطنيّ للسينما وتصوير الرسوم المتحرّكة "CNC"، انخفض عدد روّاد السينما في فرنسا بنسبة 3.3٪ منذ عام 2019 وحتّى عام 2022، وبحسب الدراسة، فهذا الانخفاض يعزى إلى مجموعة متنوّعة من العوامل، بما في ذلك ظهور منصّات البثّ وتغيير عادات المستهلكين.

جدير بالذكر أنّ الحكومة الفرنسيّة اتّخذت خطوات لدعم صناعة السينما، حيث أعلنت عن سلسلة من الإجراءات لدعم الصناعة، بما في ذلك الإعفاءات الضريبيّة والإعانات لمشغّلي السينما.

وخلال السنوات العشر الماضية، أصبحت الصين واحدة من أكبر أسواق السينما في العالم، حيث بلغت عائدات شبّاك التذاكر حوالي 9.2 مليار دولار، ومع ذلك، كان لظهور منصّات البثّ تأثير في صناعة السينما في الصين أيضًا، وفقًا لدراسة أجرتها جمعيّة الأفلام الصينيّة، انخفض عدد روّاد السينما في الصين بنحو 4.5٪، وعلى الرغم من هذا الانخفاض، تظلّ صناعة السينما الصينيّة لاعبًا رئيسيًّا في السوق العالميّة.

وفي سياق متّصل، يقول باحثون إنّ منصّات البثّ التدفقيّ شهدت نموًّا كبيرًا في الهند خلال العشر سنوات الماضية، ومن المعروف أنّ الهند تنتج نحو 2000 فيلم كلّ عام، وحسب تقرير نشرته شركة "ديلويتي"، فإنّه من المتوقّع أن تنمو صناعة السينما الهنديّة بمعدّل نموّ سنويّ مركّب يبلغ 7.5٪، مدفوعًا جزئيًّا بنموّ منصّات البثّ.

اقرأ/ي أيضًا | أوباما في مسلسل جديد على "نتفلكس"

وبحسب الدراسة، فإنّه مع تطوّر صناعة السينما استجابة لظهور منصّات البثّ، سيكون من المهمّ لأصحاب المصلحة التكيّف وإيجاد طرق جديدة للتفاعل مع الجماهير وتحقيق الإيرادات، استكشاف قنوات توزيع جديدة، أو الاستثمار في تقنيّات جديدة، أو إيجاد طرق جديدة لخلق تجارب جذّابة للجماهير.