أبدع المصور محمد بدارنة من عرابة، في المعرض الفوتوغرافي 'ألعاب غير معترف بها' والذي يتناول قضية القرى العربية مسلوبة الاعتراف في النقب من خلال حياة الأطفال فيها.

وأقيم هذا المعرض على طول مسار مسيرة العودة الـ20 إلى قرية الكابري، وهو عبارة عن لوحات تصوير فوتوغرافية، جذبت المئات في الوقوف أمامها لتروي لهم حكاية أطفال القرى مسلوبة الاعتراف في النقب، والتي أمضى فيها بدارنة عامين كاملين في توثيق حياتهم، أطفال ضحايا سياسة التشريد والهدم، بل ثقافة البلدوزر لدى المؤسسة الإسرائيلية، التي اقتلعت 532 قرية عربية وهجرت أهلها في النكبة، وتواصل النكبة بأدوات قديمة جديدة في النقب إلى يومنا هذا.

التعريف

وقال المصور محمد بدارنة لـ'عرب 48' إن 'هذا المشروع يهدف إلى التعريف بمعاناة الأهل في النقب الفلسطيني من خلال تصوير حياة الأطفال وألعابهم، خصوصا أن المساحات التي يستمتع بها هؤلاء الأطفال سواء كانت البيوت أو الساحات العامة مهددة بالهدم اليومي، واستقبل المشروع في عدة دور عرض، في حيفا وغزة وميونخ وبرلين وقطر'.

وأضاف أن 'العرض هو تجسيد لفكرة العرض في فضاءات خارجية، بالتعاون مع المصمم وليد موعد، القيم على ترتيبات عرض الأعمال الفنية في مسيرات العودة سواء هذه السنة أو السنة السابقة'.

وأكد بدارنة أن 'هذا النشاط الفني رافق مسيرة العودة منذ سنوات، وفي مسيرة العودة إلى لوبية عرضنا أعمالا فنية على الأشجار، شارك بها العديد من المصورين ضمن مشروع توثيق الجيل الأول للنكبة مع الأحفاد، وقد لاقت طريقة العرض التي نفذها المصمم وليد موعد الكثير من الإعجاب مما جعل لجنة الدفاع عن حقوق المهجرين تقوم بتبني هذا النهج من العروض الفنية الخارجية'. 

*إلى أي مدى ترى أهمية مساهمة التصوير الفوتوغرافي في تشكيل الذاكرة الفلسطينية، وهل ترى أننا ربما فوتنا كشعب فرصة إقامة أرشيف لجيل النكبة؟

بدارنة: لا أعتقد أننا فوتنا الفرصة بأن نقيم أرشيفنا، ونحن لسنا مذنبين في عدم وجود أرشيف متكامل لأننا أصلا خسرنا الأرض  وسُرق أرشيفنا وأصبح في يد الاحتلال، لكن ما يمكن فعله من أجل زيادة فرص الأرشفة هو بناء كوادر ودعمها ورفع الوعي الجماهيري لأهمية التوثيق، ومن المهم جدا توسيع دائرة التوثيق لتشمل دوائر أخرى منها  توثيق الحياة العائلية الفلسطينية ودراستها وعدم الاستخفاف بالتفاصيل الصغيرة، وعدم الاستخفاف في الحراك الفوتوغرافي للشباب والشابات، فكلما زاد عدد المصورين زادت إمكانية إيجاد مواد متنوعة على المدى البعيد، وما أطرحه هنا هو  فكرة تصوير كل شيء طبعا مع احترام الأخلاقيات التي تحيط هذا الحراك.

وأؤكد أن الحركة الصهيونية منذ نشأتها رأت بالتصوير الفوتوغرافي عاملا مهما في دعم أهدافها، على سبيل المثال إذا نظرنا إلى الصور التسويقية لتشجيع الهجرة إلى فلسطين فيمكننا الملاحظة بشكل كبير أن الصور التي قاموا بتسويقها لفلسطين لم تحتوي على أناس، وهذا أقنع الكثير من اليهود بأفكار الصهيونية، منذ بدايتها كان المؤسسون الأوائل للصهيونية في الغرب يمتلكون رؤية لأهمية التصوير الفوتوغرافي كونه بدأ في الغرب، وامتلكوا التقنيات والمعدات ووثقوا كل خطواتهم.

وفي الفترة التاريخية ذاتها، نرى أن المصورين الفلسطينيين كانوا قلة قليلة، مثل خليل رعد وكريمة عبود والصوبنجي في يافا، وأدركت الحركة الصهيونية مدى أهمية عملهم، وسرقت أعمالهم، وهذا لم يكن من باب الصدفة، ثم أرشفت أعمالهم في الأرشيف الإسرائيلي، وهكذا وظفت الحركة الصهيونية التصوير الفوتوغرافي التوثيقي وجندته سياسيا، وتمكنت من خلق صورة أخفت فيها حقائق الأرض وهوية المكان.

*هل هناك أي جهات أو جمعيات محلية ترعى الإنتاج الثقافي حول النكبة؟

بدارنة: بالطبع، هناك العديد من الجمعيات والمؤسسات التي تهتم بذلك، قد لا يكون العدد كافيا ومنظما بشكل كاف، وأعتقد أن ما تفعله جمعية المهجرين من منح مساحة لعرض أعمال فنانين في مناسبة كمسيرة العودة، رغم كل الصعوبات اللوجستية، هو أمر عظيم.

على المؤسسات أن تأخذ دورا كبيرا في وضع قضية النكبة والإنتاج الثقافي حولها، لأن ذلك يصب في بناء الرواية الجماعية، وتنوع أشكال عرضها ليتلاءم مع الظروف المحيطة والأساليب المتنوعة.

هناك أهمية لإقامة مؤسسات تهتم بإنتاج المواد البصرية من أفلام وصور لها علاقة بالنكبة أو قصصها وحكايتها. هناك العديد من المبادرات الشخصية التي يجب الثناء عليها ودعمها ويجب الكتابة عنها وعن تجاربها، كما توفر صناديق فلسطينية منحا للفنانين عن أعمال متعلقة بالنكبة، لكن هذه الصناديق محدودة الإمكانيات.

*هذه المشاريع مكلفة، ألا يجب إقامة صندوق يرعى الإنتاج الفني والثقافي حول النكبة؟

بدارنة: بالطبع، هناك حاجة كبيرة لإقامة صندوق يدعم مثل هذة المشاريع، لكن قبل الصندوق علينا وضع إستراتيجية لترسيخ أهمية الفنون البصرية عامة في الذاكرة الفلسطينية وجعلها في سلم أولويات الاهتمام، وأن ينظر مجتمعنا إلى المصور والرسام والمؤرشف كالطبيب والمحامي والمهندس. لا يمكن أن ننجح في بناء مشاريع بغياب تربية اجتماعية لأهميتها. وأعتقد من خلال تجربتي الشخصية أن الوعي وإدراك الأهمية للمشاريع الفنية وطرحها أمام الناس وجعلهم كجزء مشارك في بنائها يمنح قوة في دعم المشاريع دون الحاجة أحيانا إلى صناديق خارجية، فمعظم المشاريع التي نفذتها كان بدعم من الناس العاديين لأنهم يؤمنون بالطرح والقضية التي يحملها الفن.

*لاحظنا مشاركة واسعة من قبل الأجيال الناشئة في مسيرة العودة، هل تعتقد أن الجيل الثاني للنكبة أحسن تجذير الرواية الجماعية في ذاكرة الناشئة؟

بدارنة: أعتقد أن الأجيال الجديدة مدركة تماما لضرورة سرد حكايتنا، وما يجعل هذه المشاركة مميزة أنها مدركة أيضا لقوة مزج التوثيق بوسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها، كل صورة وكل مقطع فيديو هو جزء من البازل الذي سنراه مكتملا بعد عشرات السنين، فالقوة تكمن في اطلاعنا على تجارب توثيقية أخرى، والبحث في الأرشيفات في كل مكان، وعدم التفريط فيما نملك من صور وحكايات بصرية لأنها كنوز لوجودنا على هذه الأرض.

أخيرا لا بد من توجيه تحية حقيقية لكل الذين قاموا بالتنفيذ اللوجستي للمشاريع الفنية في مسيرة العودة لأنه لولاهم لم يكن ذلك ممكنا. إن أهمية هذه العروض هي أنها رسالة إلى إخراج الفن دوائر تقتصر على مجموعات قليلة إلى الحيز العام خصوصا أننا في الداخل الفلسطيني لدينا عدد لا يتعدى أصابع اليد الواحدة من دور العرض المتخصصة، فهذه النشاطات لها مقولة واحدة أن الفن يمكن أن يكون حاضرا بين الناس، على الأشجار أو في وجه الريح. ولا بد من شكر جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين، لتمويلها المشاريع الفنية التي عرضت في مسيرات العودة.

اقرأ/ي أيضًا | مسيرة العودة: كي لا تبقى مهرجانا خطابيا رومانسيا