أكد الدكتور عزمي بشارة، يوم أمس الجمعة، على ضرورة التوصل إلى حل في سورية، من خلال المفاوضات للتوصل إلى نظام ديمقراطي، محذرا من صوملة سورية في حال فشل المفاوضات واندلاع حروب مذهبية في المشرق العربي. كما عبر عن شوقه الكبير لبلده والداخل الفلسطيني، قبل أن يبدأ حديثا مطولا امتد ساعة وربع الساعة تناول عدة محاور، بينها عشرينية التجمع والقائمة المشتركة والقضية الفلسطينية وموقفه من الثورة السورية.

جاء ذلك في حوار أجرته، ظهر أمس، إذاعة الشمس مع الدكتور بشارة، بمناسبة الذكرى العشرين لتأسيس التجمّع الوطني الديمقراطي، أداره المدير العام لإذاعة الشمس، سهيل كرّام، ومدير قسم الأخبار جاكي خوري.

افتتح الحوار بالترحيب بالدكتور بشارة الذي قال بدوره إنه: 'شوق كبير، مرت سنوات طويلة ورياح كثيرة جرت بأنهار بلادنا، ونحن نستطيع القول أنني لست غائبا عما يحصل وأنا أتابعكم دائمًا وأشكركم على استضافتكم'.

في الذكرى العشرين: التجمّع هو امتحان للحركة الوطنيّة في الداخل

في سؤال حول رؤيته للتجمّع الوطني الديمقراطي اليوم، قال بشارة إن التجمّع عاش التحدّيات التي فُرضت عليه وتلك التي اختارها بنفسه، وخرج من كل المواجهات أقوى، وهو يثبت اليوم أن ما سُميّ في حينه محاولة عابرة، أو حالة الشخص الواحد هو عارٍ عن الصحّة، بل وأثبت عكس ذلك حيث أقام مؤسسات عديدة، ويضم اليوم أجيالا ثانية وثالثة. هذا دليل أنه بدأت تتوالى أجيال جديدة في التجمّع، وبدأت تتشكل أيضا حالة اجتماعيّة وليس حالة سياسيّة فقط'.

وعن تأسيس الحزب وخطابه السياسي قال إن 'التجمّع الديمقراطي هو امتحان حركة وطنية تأتي وتقول دولة لجميع مواطنيها وإدارة ذاتية للجماهير العربية. التجمّع لم يكن حركة برلمانيّة بحت، بل بدأ كنخبة ثقافيّة تريد تغيير الخطاب السياسي للعرب في الداخل، وتحوّل بالتدرج لحركة جماهيريّة'.

وأضاف أن: 'الامتحان الرئيسي للتجمّع كان خطاب دولة المواطنين الذي جاء به التجمّع وفرضه، ويكاد يكون اليوم مُجمعا عليه حتى من الأحزاب التي هاجمته بشراسة في حينه. أما الامتحان الثاني اليوم فهو قدرة التجمّع على بناء مؤسسات غير برلمانيّة، وتوسيع القاعدة الشعبيّة والشبابيّة وقدرته على بناء مجتمع نوعي قادر على الصمود والتطور اقتصاديا وعلميا وثقافيا على المدى البعيد'.

القائمة المشتركة ومخاطبة الشارع الإسرائيلي

حول موقفه من تشكيل القائمة المشتركة وخطابها، قال الدكتور بشارة إن 'القائمة المشتركة وفّرت على الأحزاب العربيّة صراعا يصل في كل دورة انتخابيّة إلى حدّ الشراسة. أنا كنت مع القائمة المشتركة، وكنت دائمًا أدعو لقائمة مشتركة. لكن، لم أكن يومًا جزءا من المفاوضات ولا أعلم كيف أقيمت'.

أما عن الخطاب الذي ظهر في القائمة المشتركة حول المشاركة في اتخاذ القرار في الدولة 'أن نكون جزءا من حكومة الائتلاف'، فقال بشارة إنه 'في حكومة إسرائيل هناك بند اسمه المسؤولية الجماعية، فكل وزير عليه الالتزام بقرارات الحكومة، وعليه أن يكون المسؤول عن سياسة الحكومة أمام المجتمع، وبالمجمل أنت مسؤول، فهل تريد أن نكون جزءا من المسؤولية المشتركة مع إسرائيل حول السلاح النووي أو الحرب القادمة على غزة أو التمييز ضد العرب؟ لماذا؟ لأجل توظيف الأقارب؟ ولعب الدورين، جزء من حكومة الائتلاف ومعارض لسياسة الدولة، في الإعلام هو خداع ذاتي'.

 وأضاف أنه ما نستطيع أن نفعله هو أن نقول رأينا، وأن نعارض في البرلمان فقط. وأي مقارنة بين العرب في إسرائيل والسود في أميركا هي باطلة. أميركا هي دولة المواطنين، أما إسرائيل فهي دولة يهوديّة تحتفل حتى اليوم بتدمير شعبنا.مسؤولية القيادة شرح الصورة للمواطن العربي. ومقارنة العرب بالسود هي مقارنة غير صحيحة، لأن الأسود يريد أن يكون مواطنا متساويا في دولة الأمة الأميركية وفي إسرائيل الوضع يختلف، لأن إسرائيل تعرف نفسها وترى نفسها كدولة اليهود.

وحول التعاون مع شرائح مجتمعيّة مثل المتدينين والأثيوبيين والشرقيين في إسرائيل من أجل التغيير، قال بشارة إن: 'مخاطبة المجتمع الاسرائيلي أمر لا بد منه، والتعامل مع شرائح واسعة أمر لا بد منه أيضا، ولكن يجب أن يكون تبادلا أو ندية.  نحن لا نعاني من عقدة نقص ونحاول دائمًا أن نثبت أننا ديمقراطيون، بل نحن نتعامل بنديّة مع الآخر. الأثيوبيون يطالبون بحقوقهم لأنهم يهود وليس لأنهم مواطنون في الدولة، فإذا تضامنت معهم من أجل حقوقهم فإن هذا ينفي حقوق العرب، وأنا لست مهاجرا جديدا من أفريقيا، ولست يهوديا. أنا أريد الحصول على حقوقي لأنني مواطن. وإذا بلورنا هذا الخطاب بشكل صحيح وديمقراطي فسيتم قبوله، وهذا سيشعر المؤسسة الصهيونية بالإحراج'.

'أن تكون عربيا بأيامنا'

وحول كتابه 'أن تكون عربيا بأيامنا' وجه لبشارة السؤال حول ما إذا كان بمقدوره تغيير شيء من كتابه بعد كل التغييرات التي عصفت بالدول العربيّة، ماذا كان سيغيّر. فأجاب: 'ما قلته لن أتراجع عنه، وبالطبع هنالك مستجدات. الكتاب كتبته حال خروجي من البلاد، عندما كنت في عمان، ونحن ما زلنا نطبع من الكتاب، ولا يزال هنالك إقبال عليه. هناك بعض المحاور الإقليمية، الأحداث تبدلت منذ حينه، ولكن القضية الرئيسية هي ذاتها'.

القيادة الفلسطينيّة في ظلّ المشهد العربيّ

حول القيادة الفلسطينية في ظل المشهد العربي الراهن قال: 'القيادة تتحمل المسؤولية بوصول الحال إلى ما وصلنا إليه، تحديدا بعد أوسلو وعدم استخلاص العبر منها. وقيادة حماس تتحمل مسؤولية أخرى، حيث أصبح يشغلها هم بقاء السلطة وبقائها، وأصبحت تحمل ظلما وبغتانا مسؤولية استمرار الحصار'.

وأضاف أن من يريد أن يتحدث عن غزة بإنصاف، يجب عليه التحدث عن  إسرائيل ومصر وإغلاق المعابر والتضييق.

واعتبر أن شقي القيادة الفلسطينية، حركتي 'فتح' و'حماس' يتحملان المسؤولية عن استمرار هذا الحال، مشددا على الحاجة إلى قوى اجتماعية جديدة كي تطرح بدائل للمشروع الوطني الفلسطيني بأجمله والمقاومة.

وفي حين شدد على ضرورة إيجاد حل لحصار قطاع غزة، حيث لا يمكن أن يستمر هذا الوضع على ما هو عليه، شدد على ضرورة أن تكون وقفة فلسطينية من جنين وحتى الخليل بما يتعلق بالاستيطان.

'عدم التوصل إلى حل من خلال المفاوضات لتغيير النظام سيؤدي إلى صوملة سورية'

وحول الملف السوري، دور الدول العربية وموقفه، قال بشارة إننا 'وقفنا مع التواصل مع وطننا العربي، ووقفنا مع سوريا ذاتها عندما كانت تواجه إسرائيل، وعندما كانت حليفة للمقاومة، فيما كان الآخرون يهاجمون موقفنا هذا، علما أنني لم أدافع يوما عن طبيعة النظام. وعندما بدأ النظام يقتل شعبه بعد اندلاع الثورة، وقفنا إلى جانب الشعب السوري ومطالبه الديمقراطية، لكن الآخرون اختاروا الوقوف إلى جانب من يطلق النار على شعبه، ويستخدم الأسلحة الكيماوية ضده'.

 وذكر أن 'الشعب السوري تحرك مطالبا بالديمقراطية، وأنا، كرجل مثقف ديمقراطي، أدعو للديمقراطية ووقفت مع الثوارات. نحن لا نتدخل بالقضايا الداخلية، بل أنا وغيري وقفنا مع المبدأ، وأنا كنت مخلصا لموقفي ولو فعلت شيئا آخر، ووقفت مع النظام السوري وهو يقتل شعبه لأن لي مصلحة وأصدقاء هناك، لكنت خنت موقفي'.

وعن التساؤلات التي تطرح حول دعم دول الخليج للعمل المسلّح بسوريا، قال الدكتور بشارة: 'فعلا كان هناك دعم من قبل دول الخليج لفترة، ولكن لا أحد، وأنا متاكد من كلامي، دعم  داعش أو جبهة النصرة. وقطر تدعم حركات أحرار الشام التي تعتبر حركة كافرة بالنسبة لجبهة النصرة وداعش'.

وأضاف: 'نحن لسنا مع داعش ولا جبهة النصرة ولا أحرار الشام. نحن نريد نظاما ديمقراطيا، وهذه المهمة أصبحت صعبة جدا، يجب أن نبحث عن حلول يتم فيها تغيير للنظام من خلال المفاوضات، يكون جزء من النظام شريكا فيه، لأن الطرفين لديهما مسلحون طائفيون من كل العالم، وإذا فشلت المفاوضات تكون النتيجة صوملة سورية'.

وأشار في هذا السياق إلى تحذيره، في بداية الثورة، من أن انهيار النظام يعني انهيار المجتمعات في المشرق العربي، في العراق وسورية ولبنان، واندلاع حروب مذهبية.

المنفى والعودة إلى فلسطين

في سؤال حول إمكانيّة عودته للبلاد وللعمل الحزبي قال الدكتور بشارة إنه:' لن أعود للعمل الحزبي. لكن، في حال زوال تهمتي 'الخيانة العظمى' و'تقديم يد العون للعدو في وقت الحرب'، إضافة إلى وجود حلّ سياسي مناسب، بالطبع سأعود إلى بلدي، وهذا وارد'.

وعن دوره في المساعدات المالية للداخل الفلسطيني، تساءل د. بشارة: 'هل مساعدة أبناء شعبي ماديّا أصبحت تهمة؟ دائما سعينا في الداخل إلى أن تمول الدول العربيّة مؤسساتنا. ماذا تغيّر الآن؟'.

وقال: 'أنا لست أكاديميا أجلس في برج عاجي، وإنما أستغل علاقاتي لتوفير الدعم للمؤسسات في الداخل. كان من الأسهل علي أن أتجنب هذه الخطوات، مثلما فعل عدد من الأكاديميين والمثقفين الذين قرروا الانزواء في أبراج عاجية، وكان ذلك سيوفر علي الانتقادات، ولكني آثرت المساهمة والدعم، ليس لشهرة أو لشعبية في استطلاعات الرأي أو لتحقيق فوز اتخابي، لأني لست مرشحا، بل هو التزام بما أؤمن به، وهو دعم الؤسسات الوطنية في الداخل. ولا أنتظر شيئا في المقابل، إلا التقدير، ولا أقل من التقدير لمن يوفر هذا الدعم'.