اعتبر المدير العام لـ"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، عزمي بشارة، اليوم الأحد أن المهمة السورية الأولى بعد سقوط نظام بشار الأسد هي الحفاظ على مؤسسات الدولة وبناء نظام جديد، وقدّر أن يكون للحدث السوري، أي لإسقاط السوريين نظام بشار الأسد بنفسهم ومن دون تدخل أجنبي، تأثيرا على الرأي العام العربي، وأن تغيّر سورية ديمقراطية ومستقلة وممأسسة ومزدهرة المشرق العربي لناحية العلاقة مع الغرب وفي ما يتعلق بإسرائيل حتى.
وقال بشارة في حديث خاص مع "التلفزيون العربي" إن ما يضمن عدم تكرار ما حصل في ليبيا والعراق هو وعي الناس، والقناعة التامة بأن نتخلى عن فكر المحاصصات والطائفية كأساس لبنية النظام والدستور الجديدين.
وأكد على عدم استعجال إجراء انتخابات لأنها في حال أجريت قبل تهيئة الظروف، فإنها قد "تعمّق الشروخ الاجتماعية وتسهّل تنظيم الناس طائفياً ومناطقياً". كذلك وصف حلّ الجيش، لو حصل، بالخطأ القاتل لأن "تفكيكه يعني تفكيك سورية"، فالمطلوب إصلاح الجيش وقياداته لا حلّه مثلما حصل في العراق.
ووصف بشارة سلوك الفصائل المسلحة بأنه جيد حتى الآن، وأعرب عن ثقته بإمكان تشكيل قيادة عسكرية موحدة لها تكون أساسية في مجلس عسكري انتقالي لجيش سوري واحد من دون مليشيات مسلحة في المستقبل، مع تشديده على أهمية دور الفصائل المسلحة في حماية العملية الانتقالية، التي ستكون شاقة، وأن في هذه العملية يجب دمج العدالة والاقتصاص بالتسامح، وعدم الاستغناء عن التكنوقراط والكوادر الموجودين في مؤسسات الدولة حالياً، فضلاً عن الاستفادة من الكوادر والخبرات والكفاءات الجديدة، والتي كانت معارِضة قبل إسقاط نظام الأسد.
وحذّر بشارة من أن الناس تحتاج الآن إلى تسيير الأمور الحياتية اليومية والخدمات وإلا تحصل فوضى هي العدو الأول لسورية اليوم، وأشار إلى ضرورة أن تُدار تلك الشؤون اليومية بالموظفين البيروقراطيين الموجودين من دون أن ننتظر دولاً أجنبية لتنظم حياة السوريين.
وعن هذا الموضوع، لفت إلى أن على القوى الحالية أن تدعو إلى جمعية وطنية تجمع السوريين وتبدأ في وضع دستور جديد، وإلى حين حصول ذلك، ربما تتألف حكومة انتقالية، وهذا ما حصل في كل مكان مشابه لظروف سورية، شرط أن تتوفر الإرادة والتخلي عن عقلية النكايات وتصفية الحسابات والصراعات، ذلك أن الآن هناك مسؤولية عن بلد وليس عن مصالح ضيقة كإطار معارض ووفد مفاوض على حد تعبير بشارة، الذي شدد على ضرورة نبذ من يحافظ على هذا السلوك الضار اليوم.
وذكّر بشارة بأنه في المراحل الانتقالية "تحصل مشاكل ويحصل نقص ولكن الأمر بحاجة إلى صبر، وليس على كل مشكلة يجب أن يخرج المواطنون للتظاهر". واختصر المعادلة بأن على السوريين اليوم استبدال عقلية الثورة بعقلية الديمقراطية والمواطنة لأن السوريين لا يريدون استبدال استبداد بآخر. واقترح مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات على الحكام الجدد لسورية بأن يتصلوا بجميع دول الجوار والبلدان المعنية بالشأن السوري لطمأنتهم إلى أن لا أجندات لديهم تجاه أي بلد، وأن أجندتهم الوحيدة سيادتهم على أرضهم وهذا يحصل بنظام ديمقراطي. وفي تتمة للفكرة نفسها، أوضح بشارة أن على حلفاء حكام سورية الجدد كما حلفاء نظام الأسد أن يفهموا أن الضمان الوحيد للصداقة هو سورية حرة ذات سيادة، لأن أسوأ ما قد يحصل لجيران سورية الفوضى والاقتتال.
ولدى سؤاله عن مدى واقعية تحقق ذلك، أجاب بشارة أن الضمانة الوحيدة لحصوله هي وعي السوريين، وقد أظهروا كثيراً من هذا الوعي إلى درجة أنهم هم من حرروا بلدهم من نظام الأسد بأنفسهم من دون تدخل أي دولة وهذا أمر مهم مقارنة مع ما حصل في العراق وليبيا، بالتالي فإن ذلك قد يحصّن سورية من التعرض لما مر به العراق وليبيا. وذكّر بأن غالبية دول العالم كانت قد استسلمت لفكرة أن الأسد باقٍ لأن المجتمع الدولي يستسلم للقوي في العادة، من دون أن ينسى أحد أن قطر بقيت داعمة للثورة السورية وتركيا كذلك. وعن العقد الاجتماعي المستقبلي بين السوريين، شرح بشارة أن كتابة دستور جديد تدار على أساسه مؤسسات الدولة قد يولد في مؤسسات وجمعيات وطنية تمثّل جميع التيارات، وفيها تحصل توافقات ومساومات هي ليست عيباً بل أمراً ضرورياً، بلا اقتصاص ولا ثأر. وعلى حد تعبير بشارة، هذا وحده يمكن أن يقود لاحقاً إلى محاسبة فيها عدالة ومصارحة ومكاشفة إذا وُجدت مؤسسات قادرة على فعل ذلك.
وأكد بشارة على أن هناك عددا كبيرا جدا من الكوادر السورية في كل الاختصاصات يجب أن يستأنفوا العمل في سبيل بناء سورية عبر قنوات وهيئات معروفة لفعل ذلك، وهي حكومة انتقالية وجمعية وطنية لصياغة دستور.
وعن تقييمه للوضع اليوم، قال بشارة إنه توجد إدارة مدنية لسورية لا قيادة سياسية وهذه يجب أن تتشكل ربما في إطار حكومة مؤقتة انتقالية. وعن ملامح المرحلة الانتقالية، شدد على أن هناك قوى دعمت النظام المخلوع يجب أن تكون جزءاً منها، وأضاف أنه في هذه الأثناء يجب أن تبقى الحكومة القائمة لإدارة شؤون الناس. واعترف بشارة بصعوبة ملفات عديدة، مثل إدارة شرقي الفرات والساحل السوري، وعوّل على حسم المشاكل في هاتين المنطقتين بالحوار لا بالقوة، وعلى إدارتهما من قبل لقوى مدنية قدر الإمكان إلى حين ولادة نظام جديد. فكرة أتبعها بجزم أنه لا توجد أقليات في سورية فجميع السوريين مواطنون، و"لا أقلية في المواطنة بل في الأفكار".
وكان بشارة قد وصف في الحوار نفسه على التلفزيون العربي، إسقاط النظام بأنه "يوم تاريخي وأوقات مجيدة ونقطة بداية لتاريخ جديد في سورية" تنهي 50 عاماً من الاستبداد وعشر سنوات كانت خاصة في عنفها من قبل النظام الذي ظل موجوداً بشكل مصطنع بفضل عكازتين روسية وإيرانية، بينما هو أجوف من الداخل بدليل سرعة سقوطه.
التعليقات