يشهد افتتاح العام الدراسي الأكاديمي الجديد، التحاق نحو 310.5 ألف طالب إلى مدرجات الدراسة في مختلف الجامعات والكليات الإسرائيلية، تبلغ نسبة الطلبة العرب منهم نحو 16%، النسبة التي ارتفعت مقارنة بالأعوام الـ 5 الأخيرة.

يعاني الطلاب العرب في المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية من عقبات وتحديات مختلفة، تبدأ منذ اللحظة التي يباشر بها الطالب العربي التفكير في الالتحاق بالتعليم الأكاديمي، وقد ترافقه انتهاء بنهاية مشواره الأكاديمي.

عقبات وصعوبات

علي زبيدات

وفي هذا السياق، قال سكرتير التجمع الطلابي في جامعة حيفا، علي زبيدات، لـ"عرب 48"، إن "من أبرز تحديات الطالب العربي هي اللغتين العبرية والإنجليزية، فتشديد الجامعات على شرط التحضير وخوض امتحانات اللغة الإنجليزية يشكل مجهودًا مضاعفًا أمام الطالب العربي، كونها اللغة الثالثة لديه، لا سيما وإذا تقاطع هذا الحاجز مع أزمة اللغة العبرية الإجبارية، كونها اللغة المعتمدة للمساقات الأكاديمية".

وأشار زبيدات إلى أن "امتحان القدرات اللغوية العبرية (الياعيل)، يشكل لوحده عائقًا كبيرًا أمام جل الطلبة العرب، والحديث يدور حول فصل مئات الطلاب خلال العام الفائت من جامعة حيفا، بسبب فشلهم بتحصيل العلامة المطلوبة، حتى تدخل النائب الدكتور جمال زحالقة، بالتعاون مع البروفيسور محمود يزبك لإيجاد حلول بديلة لهذا الامتحان".

زيد مرعي

بدوره، أفاد الطالب في كلية دار المعلمين العرب في حيفا، زيد مرعي، لـ"عرب 48"، بأن "هناك الكثير من الآليات المعتمدة للتغلب على العوائق، أولها التوجه لطلاب بمراحل متقدمة في مشوارهم التعليمي، وذلك لاكتساب الخبرة بالتعامل مع المواد وكيفية الدراسة وتقسيم الوقت".

وتابع أن "الطالب العربي يواجه صعوبة بالاندماج والتأقلم على الحياة الجامعية، فيمكن لصقل شخصيته وتمكينها وتقويتها عليه الانخراط بشتى أنواع النشاطات المجتمعية والخدماتية والتطوعية، وعندها سوف يزول عنه إحساس الغربة في البيئة الجديدة".

وعلق سكرتير الجبهة الطلابية في جامعة حيفا، الطالب باسل فرح، قائلا: "هناك فجوة بين الطالب العربي المقبل على العليم الأكاديمي وبين الطالب اليهودي، وقد يواجه الطالب العربي صعوبات كبيرة بالتأقلم على الحياة الجامعية، وهذا ما يزيدنا مسؤولية كلجان طلابية لمحاولة توجيه الطالب العربي، فما نسعى إليه هو إنتاج حاضنة لجميع الطلاب العرب".

الطالبة العربية: من البلدة... إلى المجتمع الجامعي الكبير

وفي سياق متصل، هناك صعوبات من نوع آخر تواجهها الطالبة العربية التي تخرج من بلدتها الصغيرة لتنخرط في المجتمع الجامعي الكبير، متعدد الثقافات والبيئات الاجتماعية.

لنا حسين

وفي هذا الصدد، تحدثنا طالبة العلوم السياسية في جامعة حيفا، لنا حسين، أن "أولى التحديات التي تواجه الطالبة العربية هو موضوع السكن الطلابي، فليس من المفهوم ضمنا لغاية اليوم أن تسكن الأنثى العربية خارج نطاق أسرتها او حدود بلدتها، التي قضت بها عمرها لغاية سن الـ18".

وأوضحت أنه "عندما تقرر الطالبة العربية خوض تحدي السكن ضمن المجمعات السكنية الطلابية، سيتحتم عليها الانخراط بنماذج مختلفة كليا عن مفهومها التربوي والفكري، مما قد ينتج صعوبة لديها على التأقلم، كما أن هناك الكثير من العائلات التي لا تسمح بهذا الأمر، لذلك هناك الكثير من الفتيات اللواتي يضطررن للسفر يوميا مسافات كبيرة".

ما أفضله... ما يوفر لي فرصة عمل... ما يرغب به الناس... ماذا أتعلم؟

إسراء زعبي

من جهتها، ترى الخريجة والطالبة الجامعية إسراء زعبي، أن "أشرس وأعتى المواجهات الّتي يمكن أن يلاقيها الطالب العربي في مسيرته التعليمية، هي قصور الرؤية، بمعنى أنّ ظاهرة الانبهار بمواضيع معيّنة تطغى كثيرًا في وسطنا العربيّ، فتجد أنّ الطلاب يتعجلون في التسجيل لموضوع معين، دون القراءة الكافية عنه ودون الالتفات إلى سوق العمل واحتياجاته، وأحيانًا يتجاهل الطّالب مهاراته وميوله ليختار موضوعًا ذي سيط اجتماعيّ لافت".

لهذه الاشكاليّة أبعاد سلبيّة عديدة في مُضيّ أوقات طويلة للطّالب بموضوع على الغالب لا يفضّله، ومنها كثرة التّنقّل بين المواضيع، وأسوأ عاقبة هي ما يلي التّخرّج، عمل المتعلّم بعمل لا يُفضله".

وعن سبل المواجهة والتصدي للعقبات المذكورة قالت زعبي: "كحل لهذه الاشكاليّة تكثُر اليوم المؤتمرات الطّلابيّة والجهات المسؤولة عن توجيه الطّلاب لاختيار الموضوع الأنسب ملاءمة مع قدراتهم، زد على ذلك أن بمقدرة الطّالب أن يتحمّل مسؤوليّة البحث المستمر والسؤال حول المواضيع الّتي يراها ملائمة له بشتى الطرق، سواء بالتوجه لطلاب أكاديميين أو خريجين".

التعليم بالخارج... تحديات من نوع آخر

فاطمة سليمان

ومع كثرة الصعوبات والعقبات التي تشكل عائقا أمام الطالب العربي خلال مسيرته التعلمية في المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، قد يدفع عدد لا بأس به من الطلاب العرب لخوض غمار التعليم الأكاديمي خارج البلاد، وهي نسبة لا بأس بها وآخذه بالازدياد يومًا بعد يوم.

ومن منظور أوسع، تطرقت طالبة الإعلام في جامعة إسطنبول، فاطمة سليمان، إلى الأسباب التي تفضي بالطالب العربي في إحدى جامعات الخارج، بالقول: "واحد من العقبات الأكثر شراسة أمام الطالب العربي هو امتحان البسيخومتري، المعروف بأسلوبه وبنيته الصعبة بالنسبة للطالب العربي غير المؤهل لاجتيازه مثل الطالب اليهودي مثلا".

وأوضحت أن "هذا ما يدفع العديد من الطلاب لتلقي تعليمهم الأكاديمي خارج البلاد، لسهولة شروط القبول التابعة لمختلف الجامعات الآسيوية والأوروبية قياسا مع المنظومة الإسرائيلية".

وأضافت سليمان "طبعا هناك عناصر جذب كثيرة تدفع الطالب العربي لاتخاذ قرار التعليم الأكاديمي في الخارج، منها الاندماج بالعالم الخارجي والتعرف على ثقافات مختلفة ونمط حياة جديد، وبناء قاعدة معارف واسعة".

وأشارت إلى أن "التجربة واكتساب الخبرات، يشكل تحديا جاذب من نوع آخر، فبالمقابل هناك الكثير من الطلاب الذين يفضلون الغربة الخارجية على معايشة الغربة الداخلية داخل الجامعات الإسرائيلية نتيجة سياسات التمييز ضد الطالب العربي، والتي كثيرا ما نسمع عنها".

وتابعت أن "هناك الكثير من التحديات أمام الطالب العربي في الخارج، منها اكتساب لغة البلد وهي بالتالي اللغة المعتمدة في تعليمه الأكاديمي، ومن ثم صعوبات النمط الدراسي الجديد عليه، ولكن كما أسلفت هذا تحديا جاذب للكثيرين".

حجم الصعوبات التي رصدناها تدفعنا للسؤال، وهل تدرك الجامعات الإسرائيلية حجم التحديات أمام الطالب العربي دونا عن نظيره اليهودي؟ وبالتالي، هل تسعى للقيام بالخطوات اللازمة للمساعدة باندماج الطالب العربي بين صفوف طلابها؟

فيصل عزايزة

عن هذه التساؤلات، أجابنا عميد كلية الموارد البشرية في جامعة حيفا، الدكتور فيصل عزايزة، قائلا: "في السنوات الأخيرة، بدأت الجامعات تضع نصب أعينها العقبات التي تواجه الطالب العربي، لذلك أقمنا في جامعة حيفا لجنة التوجيه الأكاديمي، الموجهة للطالب العربي برئاسة بروفيسور محمود يزبك، وهي تسعى لتمكين الطالب العربي من كافة الموافق والنشاطات الجامعية ودراسته".

ومن جهة أخرى، تابع عزايزة، "استعنا بالخطة الخماسية التي قامت عليها وزارة التعليم العالي، والتي تسخر 500 مليون شاقل موزعة على شكل منح تعليمية للطالب العربي، لدعم الطلاب العرب وتمكينهم من الأكاديمية، وعندما ننظر للنتائج التي خلفتها الخطة الخماسية نجد أنه ما بين عام 2010 وحتى عام 2017، قد ارتفعت نسبة الطلاب العرب المقبلين على التعليم الأكاديمي من 10% حتى 16% في يومنا هذا، وهذه نقلة نوعية، فعندما نفصل الإحصائيات نجد أن نسبة طلاب الماجستير العرب ارتفعت حتى 11% بعد أن كانت بالسنوات الـ5 الأخيرة، لا تتجاوز الـ 8%، وأيضا هناك ارتفاع ملحوظ بطلاب الدكتوراه من 3.5% إلى 6%".

وأضاف عزايزة "هذا ليس كافيا بالطبع، ولكن يمكننا أن نبشر بتحسن ملحوظ، أما عن الصعاب بما يتعلق باللغة العبرية واللغة الإنجليزية، هي في النهاية شروط قبول وسياسة جامعات، اللوم الأكبر على المدارس الحكومية العربية التي لا تجهز الطالب كباحث ذو عقلية بحثية وتحليلية".

وختم عزايزة بالقول: "نحن جميعنا كطاقم محاضرين وككوادر طلابية تقع علينا المسؤولية، كل في موقعه يستطيع أن يحرز الإنجازات التي ذكرتها، أما عن سياسة التمييز فهي واقعة على الطالب العربي وهذا لا شك فيه بعدد من الكليات الاسرائيلية، ولا يقتصر الأمر على الطلاب، بل وأيضا على المحاضرين العرب، فعلى الرغم من وجود نسبة مؤهلين من أصحاب الخبرات وحملة الشهادات، إلا أن نسبة المحاضرين العرب في المؤسسات الاكاديمية لا تتعدى الـ1%".

عامر دهامشة

بدوره، علّق الباحث والمحاضر الدكتور عامر دهامشة على سياسات التمييز في الجامعات قائلا: "هناك بوادر ملحوظة لسياسات التمييز العنصري بداية من اللغة، فاللغة العربية هي اللغة الثانية المعتمدة في المؤسسات الأكاديمية، إلا أن نسبة 90% من الكليات والجامعات لا تعتمدها بشكل تمثيلي مفعل".

وبيّن أن "العقبات التي تقف سدا أمام الطالب العربي، فهي عقبات قد تواجهه بأي بلد آخر، مثل اللغة والتأقلم على النمط الأكاديمي، ومواجهة سياسات كل جامعة، وبنظري هذا واجب على الطالب العربي أولا أن يتقن اللغة العبرية وليس فقط بهدف الدراسة، بل هذا شرط مهم لفتح طاقة للتقدم في المجتمع، بالإضافة لخوض المجالات الاقتصادية، وكذلك الأمر بما يتعلق بالإنجليزية، فليس من المعقول أن ينهي الطالب تعليمه الأكاديمي واللقب الأول والثاني دون أن يعرف اللغة الإنجليزية العالمية".

اقرأ/ي أيضًا | ارتفاع متواصل في نسبة الطلاب العرب في المؤسسات الأكاديمية

الوجود العربي في المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، هو تحد بحد ذاته، وإثبات وترسيخ للهوية العلمية، على الرغم من جميع التحديات والمعيقات ومحاولات وسياسات الأسرلة.