الميثاق يحيي ذكرى الزعيمين العربيين سلطان الأطرش وكمال جنبلاط..
أحيا المئات يتقدمهم العشرات من رجال الدين من كل القرى العربية في شمال البلاد ، وبدعوة من ميثاق المعروفيين الأحرار ذكرى الزعيمين الخالدين سلطان باشا الأطرش قائد الثورة العربية السورية الكبرى والزعيم المفكر كمال جنبلاط قائد الجبهة الوطنية المناصرة للثورة الفلسطينية إبان العدوان عليها في لبنان. وجاء الإحياء يوم تمام اليوبيل الفضي لرحيل الزعيم العروبي سلطان الأطرش 26/03/2007، وذلك في القاعة الجماهيرية في البقيعة.
وقد شارك في الاحتفاء رئيس مجلس البقيعة المحلي السيد محمد خير وكل من الدكتور شكري عراف والدكتور بطرس دله وعضو سكرتاريا لجنة المبادرة الدرزية الشيخ نمر نمر مساهمين بمداخلات قيمة عن الراحلين.
تولى عرافة الحفل عضو الإدارة القطرية لميثاق المعروفيين الأحرار الأستاذ – يحيى عطالله، الذي افتتح الاحتفال بالترحيب معتبرا أن تكريم العظماء هو دليل على الوفاء وعلى السير في دربهم. ونوه إلى أن ميثاق المعروفيين الأحرار أصر على أقامة هذه الذكرى بالذات وفي هذه الفترة التي برزت فيها محاولة بعض زعامات – أو أقزام – الطائفة الدرزية في هذه البلاد من النيل من كرامة عملاق الكرامة وعملاق العروبة وعملاق الحرية سلطان الأطرش وذلك لكي يظفروا بحظوة من عند أسيادهم في حزب العمل وفي الحكومة الإسرائيلية. وشكر بشكل خاص أهالي قرية البقيعة بأهلها وبمجلسها المحلي وبمركزها الجماهيري على استضافة هذا الاحتفال .
ومن ثم ألقى رئيس المجلس المحلي في ألبقيعة السيد محمد خير كلمة رحب فيها بالحضور شاكرا إياهم على أقامة مثل هذا الحدث نظرا لأهميته في هذه الظروف الراهنة إكراما للرجلين وتراثهما في ظل الهجمة على هذا التراث، منتقدا الإعلام العربي الذي لا يوفيهما حقهما.
تلاه الشاعر الشعبي إبن البقيعة وعضو الميثاق احمد اسعد فضول بقصيدة كتبت لذكرى المجاهد الكبير المرحوم سلطان باشا الأطرش قائد ألثورة السورية الكبرى.
وبعدها ألقى الشيخ الأستاذ نمر نمر عضو سكرتاريا لجنة المبادرة الدرزية مداخلة عن مآثر الراحل سلطان، معيدا إلى الأذهان الأقوال المأثورة التي كان سلطان باشا الأطرش قد اخذ بها نبراسا مثل : "يقيني بالله يقيني " , الصدر أو القبر " , المنية ولا الدنية "، قائلا: "ونحن نقول على هذا الطريق نحن سائرون."
وأضاف: وقد ذكر من قبلي انه هناك بعض من يحاول التطاول على سلطان باشا الأطرش، وليس عندي أي نية بان أدافع عن احد أبدا، فلا شك أنكم قد قرأتم كتاب " عرب جيدون" , (عربيم طوفيم) أو "الفسادين" . هنالك يقول هيلل كوهين بشكل واضح عندما تم أقرار قانون التجنيد على العرب الدروز كانت هناك هبة كبيره وجُمعت آلاف التواقيع ضد هذا القانون، ولكن وزير الأمن آنذاك لم يلغ هذا الأمر، وكي تكتمل ألمسرحيه يقال أن المخابرات الإسرائيلية دست بعض العملاء اليهود لإرسال رسائل تطالب بتجنيد الدروز بأسماء مستعارة وكأن الدروز هم من يطالبون بذلك .
ومن ثم قرأ مقتطفات من مذكرات سلطان باشا الأطرش التي ذكّر بها الكثيرين من المجاهدين من كافة أطياف المجتمع العربي السوري واللبناني، وقرا أيضا مقتطفات من برقية كان قد بعثها سعد زغلول لسلطان باشا الأطرش وفحواها : "سر على بركات الله أيها الرفيق فإذا لم تقدر لك الخونة، خونة الوطن، هذه الوثبة العظيمة، فستقدره لك الأجيال ويسجله لك التاريخ , يا سلطان الشهامة والمروءة مهما وصموا رايتك المقدسة ومهما لوثوا خطوتك الشريفة ومهما تكهنوا في مقاصدك النبيلة فسلطانك سيكون في القلوب مصورا كما هو الآن علم البلاد. بني معروف بني وطني، سيروا إلى الأمام لأن يد الله مع الجماعة والذي سيكون مع الحق والحقيقة لا يغلب فلا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم , انشروا شعار سعد في مصر لا استعمار لا استعباد لا حماية لا تدخل في شؤوننا، هذا ما نريد وهذا ما سنحصل عليه عاجلا أم آجلا فالي اللقاء يا دعاة الوطنية إلى حوران الدامية إلى سوريا المضرجة بالدماء.
تلاه الشاعر الأستاذ سلمان دغش من المغار بقصيدة تحل العنوان فيلسوف قائد سبق زمانه ومكانه.
وقد بعث سكرتير عام التجمع الوطني الديمقراطي الأستاذ عوض عبد الفتاح برقية تحيه للمحتفلين جاء فيها: تحية كفاحية أليكم جميعا أنا كقومي عربي اعتز مثلكم برموز الكفاح القومي ضد الاستعمار والصهيونية فالمناضل سلطان باشا الأطرش الذي أبلى بلاءا حسنا ضد المستعمرين الفرنسيين والمناضل العروبي التقدمي الشهيد كمال جنبلاط الذي جمع بين قيم العدالة الاجتماعية وانتمائه ألعروبي والذي كان من أول المفكرين الذين تأثرت بهم خلال دراستي الجامعية , الذي قاوم الإقطاع والامبريالية الأمريكية، التي تسعى اليوم إلى تدمير لبنان مسقط رأس هذا المناضل بعد أن دمرت العراق .
ومن ثم ألقى الشاعر تركي عامر من قرية حرفيش، كلمة تحدث فيها عن المؤامرة الخبيثة التي بلورتها السلطة في "شلع وخلع" العرب الدروز عن باقي شرائح شعبهم، وتبعها بقصيدة من تأليفه.
ومن ثم كانت المداخلة للدكتور المؤرخ، شكري عراف عن المرحوم المعلم كمال جنبلاط مشددا على أهمية إحياء مثل هذه المناسبات لما فيها من فائده ومعلومات. واقتبس جملة للمعلم كمال جنبلاط والتي اتخذها نبراسا وتمنى ان يأخذها الكل وهي " الذي يعمل في اتجاه واحد ويفكر في اتجاه آخر لا بد أن يصل إلى الجنون" .
ومن ثم تحدث الدكتور بطرس دله عن اشتراكية كمال جنبلاط الذي وزع أراضي مسجله باسمه الشخصي مجانا على الفلاحين الفقراء. وهو الزعيم الوحيد الذي وزع من ماله الشخصي على الفلاحين .
وكان للزجل حصة فألقى الزجالين توفيق حلبي ابن الدالية وياسر فضول ابن البقيعة زجليتين.
أهالينا الاعزاء , الحقيقه اننا اليوم لا نحيي ذكرى الرجلين العربيين الصديقين الكبيرين للحركة الوطنية الفلسطينية، سلطان الاطرش وكمال جنبلاط، لان ذكرى هذين الرجلين وغيرهما من رجال هذه الامه الكبار هي دائما حيه, ما نحييه اليوم عمليا هو ذلك الجزء من ذكراهما المغروس فينا والذي يدأبون على قتله . نريد ان نحيي هذه الذكرى التي ولدنا معها والتي تربينا معها في داخلنا , لن يقتلوا فينا ذكرى ابطال هذه الامه المغروسه فينا من الخليج الثائر الى المحيط الهادي . هذا هو معنى لقائنا اليوم .
أن الشخصية الدرزية شكيب أرسلان لم يتخل يوما عن الحركة الوطنية الفلسطينية، وعندما استطاع الحاج أمين الحسيني الإفلات من حصاره في 37\10\14 واللجوء إلى لبنان، وجد في شكيب أرسلان السند فقد ساعده لإدارة اتصالاته مع ألمانيا، وبالدعاية لألمانيا في بلاد الشرق الأوسط وبإقامة الوحدة الإسلامية في صفوف الألمان.
شكيب أرسلان كان يحظى بتقدير كبير لدى الدروز في فلسطين. فعندما عاد إلى لبنان سنة 1946 أرسلت له برقيات التهنئة من الكثير من الشخصيات الدرزية كعبدالله ونجيب منصور ويوسف علي، وفي حفل الذكرى السنوية لوفاته عام 1947 اشتركت 22 شخصية درزية من البلاد.
عندما اعتقل الحلفاء الحاج أمين الحسيني لاحقا طالب الزعيم الشاب عندها كمال جنبلاط رئيس وزراء لبنان العمل على المطالبة بإطلاق سراحه. عندما أطلق سراحه في حزيران 1947 حط في قرية "قرنايل" الدرزية اللبنانية وأقام فيها، وعقد جلسات اللجنة العربية العليا في شهر تشرين الثاني في البلدة الدرزية "عاليه".
الزعماء الدروز الفلسطينيون سلمان طريف، نجيب منصور وحسين أسعد حسون زاروه في قرنايل واجتمعوا إليه يوم 47\12\2 معربين عن استعدادهم الدفاع عن فلسطين.
ووجه نجيب منصور عضو الوفد مختار قرية عسفيا، نداء في الأسبوعية الدرزية السورية
قال فيه:
"نحن جزء لا يتجزأ من الأمة العربية وعائلة ما زالت تحافظ على أصالتها العربية العريقة."
في 47\9\11 أصدرت "الهيئة الشعبية" في جبل العرب وسلطان الأطرش بيانا أعلنوا فيه التضامن والاستعداد للدفاع عن عروبة فلسطين. وأرسل عادل أرسلان ممثل سورية في هيئة الأمم المتحدة إلى فارس الخوري وزير خارجية سورية حينها، رئيس وزرائها لاحقا، رسالة في هذا الشأن ضمنها أبياتا شعرية جاء فيها:
قل للأعارب جد الدهر في حدث لم يبق من بعده في أمرنا لعب
هذي فلسطين إن زالت عروبتها فكل عرش لنا من بعدها قتب
لعل ذائعة منهم تبشرني أن المعاريف من حوران قد ركبوا
لا يستغرب هذا الموقف من أبناء جبل العرب تجاه فلسطين، وإذا عدنا إلى الوراء إلى انطلاق الثورة العربية السورية الكبرى نجد أن شعب فلسطين لم يبخل على الثورة والثوار، خصوصا وأن الشعور الغالب في تلك الأيام، ما كانت فلسطين إلا جنوب سورية. فنجد في كتاب فلسطين والحاج أمين الحسيني هذه الذكرى:
"في الخامس عشر من تشرين الأول 1924 في الساعة الثالثة صباحا طرق طارق باب سماحته لقد جاء هذا المجهول من جبل الدروز بعد أن قطع على قدميه الطرق الجبلية الوعرة القائمة بين السويداء والقدس ولقد عرفه سماحته رغم تخفيه.
كان الرجل (رشيد بك طليع) (درزي من أصل لبناني س.ن.) أحد كبار أصدقاء الملك فيصل الأول ملك العراق. كان رائدا في الجيش العثماني وما أن قامت الثورة العربية حتى التحق بها وحين كان فيصل ملكا لسورية عين هو محافظا لمدينة حماة حتى إذا ذهب الملك انضم إلى ثورة الشيخ صالح العلي 1920 وبعد فشل هذه الثورة طاردته السلطات الفرنسية فرحل إلى الأردن.
(لاحقا كان أول رئيس وزارة أردنية س.ن.) وهناك لاحقته السلطات البريطانية فعبر خفية الحدود السورية الأردنية واختبأ في جبل الدروز وأخذ يساهم في إعداد الثورة.
عندما لمح الاستغراب الذي أحدثته زيارته المفاجئة على وجه المفتي الأكبر قال له شارحا مهمته: ستقوم الثورة في سورية خلال أيام وقد كلفتني القيادة بالاتصال بك كي أحيطك علما بذلك فتقوم نحوها بالواجب. إن سلطان باشا الأطرش والدكتور شهبندر يرجوان منك أن تساهم بدفعة أولى ألف ليرة ذهبية.
- ستأخذها هذا الصباح!
- ولكني لا أستطيع الانتظار حتى ذلك الوقت. فالزمن يلح ويجب أن أعود في الحال ولا تنس أني ملاحق من قبل الانجليز.
عندئذ أيقظ المفتي الأكبر حارسه وأرسله في الحال إلى مدير البنك العثماني ومعه كتاب يطلب فيه أن يسلم حامله المبلغ دون تأخير. وسلمها إلى رشيد طليع وأرسل برفقته حرسا، ثلاثة من خيرة أعوانه فرافقوه حتى السويداء.
وما أن سافر رشيد طليع حتى قام المفتي الأكبر بجولة بحجة التفتيش على مكاتب الإفتاء في فلسطين كي يدعو الشعب للمشاركة في الثورة، فترك كثير من أصدقائه وظائفهم وعائلاتهم كي يقاتلوا في سورية، ولم يدع المفتي حيلة يقدم فيها المساعدات المالية والسلاح إلا لجأ إليها.
ولاحقا شكل لجنة من عدة شخصيات فلسطينية ليسهروا على جمع التبرعات رأسها أحمد حلمي باشا. وقد بلغت المساعدات التي قدمت إلى الثورة في سنواتها الثلاث، مائة ألف ليرة ذهبية".
قلنا أنه لم يكن غريبا على أهل الجبل وسلطان الأطرش بالذات هذا الموقف من فلسطين، إذ لم يبخل أهلها على الثورة والثوار في ال-25 لا بالسلاح ولا بالمال. عندما نشبت الثورة العربية السورية سنة 1925، تألفت لجنة وطنية لنجدتها في القدس أعضاؤها:
الحاج أمين الحسيني- رئيسا، الأمير عادل أرسلان- سكرتيرا، الشيخ محمود الدجاني- أمينا للصندوق، وعضوية الشيخ موسى البديري، عوني عبد الهادي، جمال الحسيني، أحمد حلمي باشا، الدكتور حسام الدين أبو السعود ونبيه العظمة.
كانت المساعدات العلنية هي المال والدواء، والسرية هي السلاح الذي ألّفت اللجنة لجانا سرية لجمعه من البلاد والخارج. وعندما شارفت الثورة على نهايتها سنة 1927 وبدأت الطائرات بدك القرى على رؤوس أهلها مما اضطر العديد من العائلات اللجوء إلى الصحراء أصدرت اللجنة نداء، مما جاء فيه:
"... إن الحالة التي انتهت بهذه الأسابيع الأخيرة إلى درجة من الضيق والضنك تقيم وتقعد كل عربي في البلاد الدانية والقاصية للعمل جهد ما يستطيع على تخفيف الوطأة وإنقاذ المنكوبين من شر موت لم يسبق له مثيل، ذلك أن مئات من العائلات المؤلفة من النساء والأطفال والعجز والمرضى قد نزحت من اللجاة والصفاة(مناطق في جبل الدروز س.ن.) إلى صحراء الأزرق وما وراء الأزرق فرارا من الوقوع في مثل ما وقع فيه الناس قبلا من الفظائع المنكرة التي تنزلها أسراب الطيارات بالقرى والمزارع.
...وقد وصل القسم الأعظم من هذه العائلات إلى الصحراء المذكورة وهذه الصحراء منقطعة عن العمران لوقوعها بين شرق الأردن والحدود النجديّة، فليس هناك ماء إلا القليل من بعض المستنقعات العكرة، وليس هناك غذاء ولا قوت إلا ما يؤتى به من أقرب أماكن العمران محمولا على ظهور الناس والجمال" .
هذه هي العلاقه التي ربطت فلسطين , ربطت الحركة الوطنية الفلسطينية بسلطان باشا الأطرش , ولذلك من المهم أن تحيى هذه الذكرى وبالذات في مثل هذا التاريخ، لأنه لا يمكن أن نسمح لأي كان يهوديا أو مركز شراكه يهودية درزيه أو مجلس أمناء أو "سوس" منا وفينا أن يتطاول على سلطان باشا الأطرش . هذا التطاول أيها الأخوة، وليس غريبا البتة انه أثار ما أثار لدى أبناء كل شعبنا ليس فقط الدروز فسلطان لنا كلنا، فهذا التطاول ليس جديدا، لا اعرف كم منكم يعرف انه تاريخيا، حاولت الحركة الصهيونية ممثلة بأبا حوشي ومن متعاونين من بين ظهرانينا الاتصال بسلطان الأطرش وتم لهم ذلك، ولكن السؤال هو ما كان من وراء هذا، حاولوا إقناع سلطان باشا الأطرش بعد أن رجع من النبك سنة1937، بحجة أن الدروز ملاحقين، أن يرحلوا دروز هذه البلاد لكي تستولي الحركة الصهيونية على أراضيهم وبيوتهم . وسلطان الأطرش هو الذي افشل هذه المؤامرة . ولكن كان هناك البعض من رجال الحركة الصهيونية وأيضا من بين ظهرانينا من حاول أن "يركب" على هذا الاتصال ويبدل حقيقة إفشال هذه المؤامرة المخيفة وكأن سلطان تعاون مع الحركة الصهيونية. سلطان الأطرش الذي بكى لأنه رأى رجاله يتقاسمون رغيف الخبز والذي كان منفيا في الصحراء يشرب والمنفيون مياه المستنقعات نجد من يحول التطاول عليه مرة أخرى، مثلما حدث في الأيام الأخيرة، ولهم نعيد ما جاء في بياننا:
"نعل سلطان الأطرش الذي تمزق على رقاب أعداء العرب في معارك المسيفرة والمزرعة والكفر وغيرها، ونعله الآخر الذي تمزق على حصا صحراء النبك أعلى من جباههم وجباه عملائهم "
وختاما:
عندما زار جمال عبد الناصر سلطان باشا أيام الوحدة المصرية السورية استقبله الأخير ب "اهلا بالثوار " فرد عليه جمال عبد الناصر " إن كنا ثوارا فأنت أبو الثوار " ونحن على طريق "أبو الثوار" اليوم وغدا وبعد ألف سنه.