ب. إبراهيم أبو جابر:

  • إخفاق المشتركة وتصدّعها وراء عودة الأحزاب الصهيونية للشارع العربي
  • بات واضحًا أنّ تفكيك المشتركة هو أحد مشاريع نتنياهو
  • التوصية مجدّدا على مرشح من اليسار- الوسط واردة، ولكن لن يكون لها تأثير

يبدو أنّ "مجهود" رئيس الحكومة الإسرائيليّة، بنيامين نتنياهو، في "الوسط العربي" والذي "تُوّج" بزيارة الناصرة بعد أم الفحم والطيرة قد أعطى ثماره، حيث أظهر استطلاع للرأي أجرته صحيفة "معاريف" نهاية الأسبوع حصول الليكود على 32 مقعدًا بارتفاع 4 مقاعد عن آخر استطلاع، 2 منها من "الوسط العربي"، الذي قرر نتنياهو "الانقضاض" عليه بدون خجل، وفق تعبيره، والحصول على 5 مقاعد، كما نقلت عنه الصحيفة.

وسجّلت زيارة الناصرة و"اعتذار" نتنياهو مجددا عن مقولته التحريضية "العرب يهرولون إلى صناديق الاقتراع" عام 2015، سابقة في تاريخ الليكود الذي لم يلتفت انتخابيا إلى العرب إلّا من باب التحريض عليهم بغية حصد المزيد من أصوات اليمين، وهو ما برع فيه نتنياهو خلال فترة حكمه.

ويضاف "إنجاز" الليكود إلى محاولات أحزاب صهيونية أخرى، درجت في الماضي، أيضًا، على اقتناص أصوات العرب مثل "ميرتس" التي رشّحت عربيين في الأماكن الأولى من قائمتها، هما مديرة جمعيّة "إنجاز" سابقًا، غيداء ريناوي - زعبي والنائب السابق، عيساوي فريج، وأحزاب جديدة بيافطة عربية يهودية مثل حزب رئيس بلدية حيفا السابق، يونا ياهف، ورئيس بلدية شفاعمرو السابق، أمين عنبتاوي.

وحول الانتخابات الإسرائيلية و"هجمة" الأحزاب الصهيونية على الشارع العربي في ضوء إخفاقات القائمة المشتركة وتصدّعها، كان هذا الحوار مع الباحث والمحاضر في العلوم السياسيّة، بروفيسور إبراهيم أبو جابر.

عرب 48: ما أسباب ودواعي هذا "الهجوم" من قبل الأحزاب الصهيونية على الصوت العربي، حتى من قبل أحزاب عدّته سابقا غير شرعي مثل الليكود؟

إبراهيم أبو جابر

أبو جابر: ما يشهده الوسط العربي حاليا من تهافت للأحزاب الصهيونية عليه وكأن الصوت العربي اليوم أصبح ذا قيمة عليا في هذه الانتخابات أمر في غاية الأهمية، فالأحزاب الصهيونية من الليكود إلى ميرتس إلى حزب "إسرائيليون" وغيرها تلهث للحصول على ما يمكن من أصوات العرب في سابقة لم نشهدها منذ العام 2015 تقريبا، أي فترة إقامة القائمة المشتركة.

يبدو أنّ الأحزاب الصهيونية أنها قرأت الخارطة السياسية للمجتمع العربي، بهدف الاستفادة من الحالة المتردية للقائمة المشتركة وفقدان الناخب العربي الثقة بها وعودة خطر الانقسام ليهدّدها، كذلك شجّع الوضعُ المتردي بعضَ القوى السياسية العربية في التواصل مع بعض الأحزاب الصهيونية والدعوة إلى شراكة عربية يهودية، لا بل انضمام بعض الشخصيات العربية إلى أحزاب صهيونية.

ويبدو من خلال هذا السباق على أصوات العرب أنّ الأمر سيؤدي لا محالة إلى حرق أعداد من أصوات العرب، أو ذهابها لأحزاب صهيونية كـ"مـيرتس" مثلًا والليكود وحزب رئيس بلدية تل أبيب، رون حولدائي، "إسرائيليون" وغيرها.

عرب 48: كيف تقرأ التحوّل في موقف الليكود ونتنياهو من التحريض على العرب إلى الاستفادة منهم كمخزن أصوات؟

أبو جابر: طرأ تغير دراماتيكي في سياسة نتنياهو اليميني المتطرف في الحملة الانتخابية الحالية، من التحريض الصريح على العرب بهدف كسب أصوات الناخبين اليهود، إلى التقرّب منهم من خلال زيارات متتالية لكبريات المدن العربية كأم الفحم والناصرة، تحت غطاء تشجيع المجتمع العربي للإقدام على التطعيم وتوصيل رسائل انتخابية بطريقته الخاصة به.

نتنياهو في الناصرة (مكتب الصحافة الحكومي)

وتقف وراء هذه السياسة الخبيثة عدة دوافع أهمها، ترشُّح مرشحين من اليمين يملكون قدرًا معقولًا من الشعبية في المجتمع الإسرائيلي، مثل غدعون ساعر ونفتالي بينيت ما جعل نتنياهو يشعر بأنّ بقاءه في سدة الحكم مهدّد، لأنّ الكثير ممن صوتوا سابقا لليكود ستذهب أصواتهم للأحزاب اليمينية الجديدة، ولهذا أصبح الصوت العربي ذا وزن لديه.

والدافع الثاني هو تفكيك القائمة المشتركة، الذي غدا واضحًا أنه أحد مشاريع نتنياهو، وقد نجح جزئيا في ذلك عندما غازل القائمة العربية الموحدة بوعوده العرقوبية. وإذا ما نجح في مسعاه هذا، فلا شك أنه سيستميل أصوات بعض أنصارها أو حتى بعض مركباتها التي همّها المكاسب المطلبية فقط.

وكذلك خيبة أمل الكثيرين من مركبات القائمة المشتركة والمناكفات بين قادة المشتركة واختلاف تصويتهم داخل الكنيست، هذا الوضع لا شك أنه مواتٍ لنتنياهو وغيره من قادة الأحزاب الصهيونية بالعمل على احتواء هذه الأصوات.

هذا إلى جانب بروز شخصيات عربية تنادي العرب بالتصويت للأحزاب الصهيونية، وهو ما يشكل دافعا للأحزاب الصهيونية ونتنياهو بالتعويل على الصوت العربي، وفعلا هناك شخصيات عربية وعدها نتنياهو بمقاعد مضمونة في قائمة الليكود.

عرب 48: أين أخفقت المشتركة التي مثّلت، للوهلة الأولى، نموذجَ نجاحٍ في توحيد الأحزاب العربية وتمكينها من الحصول على 15 مقعدا؟

أبو جابر: ليس مفاجئًا، بدايةً، غياب القائمة المشتركة التي حصلت على 15 مقعدا في الانتخابات الأخيرة عن المشهد السياسي بهذه السرعة، فرغم كثرة القواسم المشتركة بين مركباتها إلّا أنّها لم تكن لتصبح مشتركة لولا رفع نسبة الحسم من 2% إلى 3.25%، فتأسيسها كان ضرورة انتخابية وليس ضرورة سياسية، وهذا ما أوصلها إلى ما هي عليه اليوم.

وتعثّرت مركبات القائمة المشتركة مباشرةً بعد الانتخابات الأخيرة للكنيست عندما أوصت بالجنرال بنيامين غانتس، مرشحًا لتشكيل الحكومة، ظنًّا منهم أنّهم بدعمهم له سيحصلون على مطالبهم ذات العلاقة بالمجتمع العربي، من مساواة وتحسين أوضاع العرب المعيشية ووقف هدم البيوت وتغيير بعض القوانين العنصرية كـ"قانون القوميّة" وما إلى ذلك.. والنتيجة معروفة، وهذا ما ألّب الناخبين العرب على أداء القائمة المشتركة، وأفقد الكثيرين الثقة بها.

يضاف إلى ذلك موقف القائمة المشتركة ممثلةً في بعض مكوناتها من قضية الشذوذ الجنسي (المثلية الجنسية – "عرب ٤٨")، ودعمها الواضح والصريح لهذه الفئة الذي وضع القائمة المشتركة في حالة من الإرباك والتخبّط بعد ردّة الفعل الشعبية الرافضة لذلك، كذلك موقف بعض مركبات القائمة المشتركة المؤيد والمدافع عن شركة "طحينة الأرز" في هذه القضية أفقدها ثقة الكثيرين من الشارع العربي بها، هذا ناهيك عن تصويت مكوّنات من المشتركة لصالح مشاريع قوانين خاصة بهذه الفئة وداعمة لها.

لا تنسى أيضا التصويت غير المنضبط داخل القائمة المشتركة على مشاريع القوانين المعروضة أمام الكنيست، وانفراد مكوّن أساس من مكوّناتها وهو القائمة العربية الموحدة بعدم الالتزام بموقف المشتركة العام، وهذا جرى أكثر من مرة عند طرح مشروع قانون حلّ الكنيست، وملف الغوّاصات الخاص ببنيامين نتنياهو، الأمر الذي أجّج الخلاف جدًا بين مختلف مكوّنات المشتركة.

الخلافات تدبّ بين مركبات المشتركة (أ ب)

هذا إلى جانب الخلافات والمناكفات المتبادلة بين مختلف مكوّنات المشتركة والتي لا تزال تعصف بها وتهدّد بقاءها موحدةً، نتيجة لما عُرف بانزلاقات رئيس إحدى مركباتها وهي القائمة العربية الموحدة، واتهامهم لها بالتمرد على إٍجماع المشتركة في التصويت والممارسة بخاصة تَقَرُّبها من نتنياهو بعد مشاركة الأخير في جلسة "لجنة مكافحة العنف في المجتمع العربي"، وما تبع ذلك من ملاسنات وخطاب مهادن من قبل د. منصور عباس لنتنياهو والليكود والإطراء على دور الشرطة، وما أعقبها من تصريحات في وسائل الإعلام المختلفة، وهو ما فسّره قادة المشتركة محاولة من نتنياهو لتفكيكها .

عرب 48: يبدو أنّ هناك علاقة مباشرة بين إخفاق المشتركة وعودة الأحزاب الصهيونية إلى الشارع العربي؟

أبو جابر: ذكرت سابقا في السياق أن القائمة المشتركة هي من فتحت شهية الأحزاب الصهيونية ونتنياهو على الصوت العربي، فالمراقب لما يحصل بين مركبات المشتركة من مناكفات واتهامات وتصريحات إعلامية، لا بل واختلاف في التصويت داخل الكنيست قبل حلّها، يشجع على التهافت على أصوات العرب، وهذا ما أعاد الأحزاب الصهيونية إلى الشارع العربي بعدما تم تحييدها بعد إقامة القائمة المشتركة في العام 2015.

فقدان ثقة الكثيرين من أنصار المشتركة بها وبأدائها في الكنيست وعدم تحقيق أيّة إنجازات حقيقية على الأرض، دفع المثقفين وأصحاب الأقلام والمحللين بل وعامة الناس من الإعلان صراحة أنّهم خدعوا من قبل المشتركة وعليه لن يصوّتوا لصالح المشتركة، الأمر الذي يعتبر فرصة جيدة للأحزاب الصهيونية بالعودة إلى الوسط العربي.

عرب 48: ما السيناريوهات المتوقعة، هل تخوض الأحزاب العربية الانتخابات في أكثر من قائمة أم تحافظ على المشتركة وهل سيكون لها تأثير على التشكيل الحكومي القادم؟

أبو جابر: من جملة السيناريوهات المطروحة بقاء القائمة المشتركة سواء بكل مركباتها الأربعة، أو ثلاثة على الأقل، بعد الذي حصل بين المشتركة والقائمة العربية الموحدة وما نشب من مناكفات إعلامية واتهامات بين الطرفين وتصويت القائمة العربية الموحدة أكثر من مرة خارج إجماع القائمة المشتركة، لكنّ استطلاعات الراي تنبئ بأنّ المشتركة لن تتمكن من الحصول على نفس عدد المقاعد التي حصلت عليه في الانتخابات الأخيرة.

كما تشهد الأيام القليلة الماضية ميلاد بعض الأحزاب العربية - اليهودية وهذه الأحزاب يبدو أنّها لن تجتاز نسبة الحسم ولكنها إن شاركت في الانتخابات ستحرق الكثير من الأصوات العربية.

أمّا مسالة التأثير، فإنْ خاضت القائمة المشتركة الانتخابات بمركباتها الأربعة فخطر الاختلال وارد جدا على موضوع تسمية المرشح لتشكيل الحكومة، لأن نزعة القائمة العربية الموحدة هي التعامل مع الأحزاب الصهيونية مهما كان لونها وما عَنَّا الغزل مع الليكود الأخير ببعيد، والقائمة المشتركة كقائمة قد توصي على مرشح من الوسط واليسار لكنّها لن تكون مؤثرة والتجربة أكبر برهان.

وعليه، فإنّ مقاطعة الانتخابات وإصلاح لجنة المتابعة العليا وانتخاب أعضائها انتخابا مباشرا والتوافق على إستراتيجية عمل وطني هادفة وموضوعية أجدى من دهاليز وانزلاقات الكنيست.


بروفيسور إبراهيم إبو جابر باحث في العلوم السياسية ومحاضر في جامعة النجاح الوطنية ونائب رئيس حزب "الوفاء والإصلاح". حاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة غوته فرانكفورت في ألمانيا، وعمل أستاذا مساعدا في قسم العلاقات الدولية في الجامعة ذاتها بين سنوات 1988- 1990 كما عمل باحثا ومحاضرا في جامعة بئر السبع بين سنوات 1993- 1997 ومحاضر بدرجة أستاذ مساعد في كلية الدعوة والعلوم الإسلامية – أم الفحم يبن سنوات 1991 – 2003، كذلك عمل باحثًا أكاديميًا ومديرًا لمركز "الدراسات المعاصرة" – أم الفحم بين سنوات 1991 - 2011 ومشرفًا أكاديميًا - ماجستير في جامعة ديربي- (فلسطين المحتلة) بين سنوات 2005 – 2009 وخلال تلك الفترات أصدر / نشر أكثر من 30 كتابا ومؤلفا والعديد من الدراسات والأبحاث العلمية.