د. مهند مصطفى:

نتنياهو تحول إلى حالة بنيوية ترتبط بها جميع التكتلات والتفككات السياسية

اليمين في حالة هيمنة كاملة لا يشوبها أي تهديد في الساحة الإسرائيلية

تحييد القضية الفلسطينية والحقوق الجماعية صرف النقاش إلى طرق التأثير وقضايا المثليين


قبل أن تضع الانتخابات الإسرائيلية الرابعة التي ستجري، الثلاثاء القادم، أوزارها، بدأ الحديث عن احتمال وقوع جولة خامسة إثر نتائج استطلاعات الرأي التي تشير إلى مراوحة نتائج التعادل النسبي بين المعسكرين المؤيد لنتنياهو والمناوئ له، ويتّضح من ذلك ألّا يستطيع أي منهما حسم الأمور لصالحه وتشكيل حكومة ثابتة.

تابعوا تطبيق "عرب ٤٨"... سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات

هي جولة رابعة خلال سنتين يتعمق فيها اختلاط الحابل بالنابل السياسي ويصطف في مشهد مثير "أقصى اليمين"، ليبرمان وساعر وحتى بينيت مع "أقصى اليسار" "ميرتس" و"القائمة المشتركة"، في اصطفاف يُحيّد كل الخلافات والاختلافات السياسية ويقسم الساحة الإسرائيلية بين من هو مع نتنياهو ومن هو ضد نتيناهو.

د. مهند مصطفى

حول "أزمة الانتخابات" أو "أزمة الحكم في إسرائيل" وسيناريوهات الانتخابات القريبة، كان هذا الحوار مع مدير مركز مدى الكرمل والباحث في العلوم السياسية، د. مهند مصطفى.

"عرب 48": يبدو أننا أصبحنا أمام مشهد عبثي متكرر تتبدل فيه الأدوار الثانوية فقط، بينما يحتل دور البطولة الممثل ذاته (بنيامين نتنياهو) الذي يرفض النزول عن المسرح السياسي؟

مصطفى: وفق ما تنجلي عليه الصورة من استطلاعات الرأي العام هناك خياران لانتهاء هذه الانتخابات، إما أن يتمكن نتنياهو من تشكيل حكومة يمين ثابتة وإما الذهاب إلى انتخابات خامسة.

في اعتقادي أنه في ظل المشهد السياسي الإسرائيلي الحالي من الصعوبة بمكان الحديث عن خيار ثالث، بمعنى أن تستطيع القوى الإسرائيلية المعارضة لنتنياهو من تشكيل حكومة بديلة، وهذا يدل أنه أصبح في إسرائيل كتلة تتجه نحو الهيمنة في المشهد السياسي الإسرائيلي.

هذه الهيمنة تختلف عن الهيمنة التي شهدتها إسرائيل من قبل حزب "مباي" في الـ20 سنة الأولى من عمرها، حيث كان الحزب المهيمن يستقطب في حكومته أحزابا مختلفة، بينها حتى الأحزاب الدينية التي كانت تنضوي تحت حكومة "المباي".

اليوم يجري الحديث عن كتلة مهيمنة برئاسة نتنياهو، بغض النظر إذا كانت 61 أو 58 عضو كنيست، هذه الكتلة تمنع تشكيل حكومة إلا برئاسة نتنياهو، ولذلك فقد تحول نتنياهو اليوم ليس فقط إلى شخصية رئيسية في المشهد السياسي الإسرائيلي بل إلى شخصية لها بعد بنيوي أو إلى حالة بنيوية في النظام السياسي الإسرائيلي.

"عرب 48": تقصد نتنياهو كشخص وليس حزب الليكود؟

مصطفى: نعم، نتنياهو كشخص تحول إلى حالة بنيوية في النظام السياسي الإسرائيلي، بمعنى أن كل التكتلات والتفككات في المشهد السياسي الإسرائيلي تدور حول نتنياهو، سواء هذه التكتلات والتفككات على ما يسمى يسار الخارطة السياسية أو على يمين الخارطة السياسية.

بمعنى أن كل الحراك السياسي الإسرائيلي في السنوات الأخيرة يدور حول شخص نتنياهو، وعلى سبيل المثال، فإن جدعون ساعر انشق عن الليكود بسبب نتنياهو، "كحول لافان" أُقيمت في الانتخابات الماضية لإسقاط نتنياهو وغيرها وغيرها.

استطاع نتنياهو من خلال استمراريته في السلطة أن يتخطى حالة السيطرة السياسية إلى حالة هيمنة سياسية، والآن اليمين بقيادته يتمتع بحالة هيمنة سياسية حيث تدور كل الأحزاب المركزية في إسرائيل حول هذه الهيمنة وتعلم أنها لكي تصل إلى السلطة هي بحاجة لتبني الكثير من مركبات هذه الهيمنة في المشهد السياسي الإسرائيلي.

اليمين بقيادة نتنياهو أصبح يهيمن على المشهد السياسي والاجتماعي والثقافي داخل إسرائيل وإحدى الأدوات التي يستخدمها لتكريس هيمنته هي الشعبوية، ولذلك فإن الحديث عن تشكيل حكومة بدون نتنياهو هو سيناريو مستبعد.

"عرب 48": يتحدثون عن 80 عضو كنيست يميني أي ما يعادل الثلثين، وإذا ما أخرجنا أعضاء الكنيست العرب فإن ما يقارب من نصف أعضاء الكنيست في المعسكر المناوئ لنتنياهو أيضًا هم من اليمين؟

مصطفى: الأمر يؤكد هيمنة اليمين كتيار وفكر في إسرائيل، وبغض النظر عن كيفية التعبير عن هذه الهيمنة على المستوى الحكومة وعلى المستوى السياسي فإن اليمين هو المهيمن كفكر وكمنظومة آيديولوجية في داخل إسرائيل.

من جهة أخرى هذا دليل على أن الصراع هو داخل اليمين، وهذا تعبير آخر عن الهيمنة، إنه ليس صراعًا بين يمين ويسار وليس صراعًا بين توجهات النيولبرالية الاقتصادية وتوجهات دولة الرفاه، الصراع الأساسي في إسرائيل هو داخل اليمين، وباعتبارنا فإن "كحول لافان"، و"يش عتيد"، و"تكفا حداشا"، كلها أحزاب يمينية سواء في توجهاتها الاقتصادية أو في موقفها من القضية الفلسطينية، وبالأساس من موقفها من إسرائيل كدولة يهودية إثنية.

"عرب 48": الحديث عن 80 عضو كنيست وفق تصنيفهم، هم، وليس وفق تصنيفنا، نحن؟

مصطفى: في كل التصنيفات الصراع يدور داخل اليمين على السلطة فقط، هو ليس صراع آيديولوجي بل هو صراع على من يقود اليمين الذي يحكم الدولة.

"عرب 48": نستطيع القول إن تحييد القضية الفلسطينية التي شكلت دائما محور صراع في إسرائيل قد أدخل المنظومة السياسية أو النظام السياسي في إسرائيل في أزمة؟

مصطفى: نعم، هذا بدأ في نيسان/ أبريل 2019 عندما رفض ليبرمان الدخول في حكومة نتنياهو، والقرار الذي اتخذه ليبرمان ناتج بشكل مباشر أو غير مباشر عن حالة الهدوء والاستقرار التي يتمتع بها اليمين لشعوره بأنه حسم الموضوع الفلسطيني.

هناك شعور متفاوت داخل التيارات اليمينية، بين من يشعر أنه بقي هناك ما يتوجب فعله وبين من يعتقد أنه تم إنجاز قسم كبير من الحسم، ولكن بالمجمل هناك حالة من الهدوء الآيديولوجي داخل اليمين وشعور بأنه أنجز معظم مشروعه السياسي، المرتبط بالقضية الفلسطينية وحول موضوع الضم إلى حالة عليها إجماع داخل إسرائيل وإن تفاوتت الآراء حول حجم وعمق الضم فقط، وهذا الشعور هو الذي دفع ليبرمان أن يعيد من جديد طرح موضوع الدين والدولة ورفض الدخول في حكومة نتنياهو التي تحتل فيها حركتي "شاس" و"يهدوت هتوراة" ركنا ثابتا.

وكما هو معروف فإن ليبرمان كان في السابق يتعلق باليمين الآيديولوجي، مرة من خلال طرح إعدام الأسرى الفلسطينيين ومرة من خلال طرح ضم أم الفحم والمثلث للسلطة الفلسطينية ومرة من خلال تبادل أراضٍ، والآن عندما وصل اليمين إلى حالة من الهدوء الآيديولوجي وحالة هيمنة لم يعد معها بحاجة إلى هكذا خطاب يعزز تماسكه، يسمح لنفسه بطرح التباينات الداخلية بين يمين ليبرالي ويمين قومي ويمين ديني.

هذا ما دفع ليبرمان في نيسان/ أبريل 2019 إلى رفض الدخول في حكومة نتنياهو، حيث ما زالت إسرائيل تعيش، من وقتها، حالة عدم استقرار سياسي أدت حتى الآن إلى ثلاث جولات انتخابية إضافية ربما تتبعهم رابعة.

وهذا نابع من الموضوع الفلسطيني ولكن ليس لحضوره بل إن غيابه هو الذي خلق أزمة داخل اليمين.

"عرب 48": الأمر ينسحب هذه الانتخابات على ساعر وربما بينيت بقدر ما؟

مصطفى: طبعا، لأن بينيت وساعر بينهما الكثير من المشترك في التوجهات الآيديولوجية، حيث يؤيدان ضم مناطق "ج" ويعارضان إقامة دولة فلسطينية، حتى بالمسمى، وهما الإثنان ينتميان لليمين الآيديولوجي، ولو أن الموضوع الفلسطيني لم يحسم أو أن اليمين لم يكن لديه شعور الارتياح، لما حدثت عملية التفكك تلك داخل اليمين.

كما أن شعور الهيمنة يعطي للكتلة المهيمنة أيضا إحساس إنه ليس هناك قوى تهدد مشروعها الآيديولوجي، بمعنى أنه حتى لو أن اليمين ما زال يعتقد أن هناك ما يمكن حسمه في الموضوع الفلسطيني نحو تصفية القضية الفلسطينية، فهو يشعر أنه ليس هناك قوى سياسية تستطيع أن تهدد هيمنته الآيديولوجية ومسار حسمه للقضية الفلسطينية، وهذا الهدوء الآيديولوجي هو ما فتح الباب أمام حالة التفككات والصراعات داخل اليمين، وحول مجمل الصراع الانتخابي إلى صراع في ملعب اليمين.

"عرب 48": بانتقالة حادة إلى الأحزاب العربية نرى أنها أيضا افتقدت للبوصلة التي كانت توفرها لها القضية الفلسطينية، وأنها ضاعت خلال الجولات الانتخابية الأربع بين أجندات ليس لها علاقة بالموضوع الفلسطيني؟

مصطفى: للأسف، السياسة العربية في الداخل تعاني من انهيار كامل في عدة مستويات، ابرزها غياب مرجعية سياسية وطنية جامعة، بمعنى وجود مشروع سياسي جماعي يمكن الرجوع إليه في أي خطاب أو سلوك سياسي.

هناك حالة تفكك للسياسة العربية وهذا الأمر لا نشهده فقط في خطاب الموحدة الذي هو خطاب مؤسرل، والأسرلة هنا مختلفة عن الأسرلة التي كانت في السبعينيات والثمانينيات، الأسرلة هنا هي أن تموضع نفسك في المشهد السياسي الإسرائيلي دون أن تكون لك مرجعية سياسية وطنية جماعية، هذه هي الأسرلة على المستوى الحزبي وليس فقط الموحدة هي المؤسلة والمشتركة أيضا ليس لديها خطاب سياسي واضح تستطيع أن تلمسه وتشير إليه في هذه الانتخابات.

وهنا سأعطي مثالا كيف أن غياب الخطاب السياسي الواضح سيؤدي إلى تراجع كبير في نسبة التصويت والتمثيل العربي. في انتخابات 2020 لم يكن خطابا سياسيا وطنيا جامعا للقائمة المشتركة ولكن كان لديها خطاب سياسي واضح، وأنا أعتقد أنه خطاب إسرائيلي، ولكن على الأقل كان وضحًا بمفهوم أن القائمة المشتركة جاءت لكي تسقط نتنياهو والناس اقتنعت بهذا الخطاب وكان فيه نوع من المعقولية بأن القائمة المشتركة تستطيع إسقاط نتنياهو برفع نسبة التصويت ورفع تمثيلنا في الكنيست والرهان على أن هناك طرف في المشهد السياسي الإسرائيلي سوف يقبل بالقائمة المشتركة كشريك في تشكيل حكومة بديلة.

وقد أثمر هذا الخطاب بزيادة نسبة التصويت وزيادة التمثيل في الكنيست، بغض النظر عما آلت إليه قضية التوصية على غانتس، بينما في هذه الانتخابات لا يوجد خطاب سياسي واضح يجيب عن تساؤلات، ماذا يريد العرب في هذه الانتخابات، حتى على المستوى البراغماتي ماذا يريدون أن يحققوا، خاصة أن موضوع إسقاط نتنياهو واليمين لم تعد له معقولية بعد الفرصة الضائعة في انتخابات 2020.

"عرب 48": ولذلك يتجه الفريقان المتنافسان المشتركة والموحدة إلى القضايا الداخلية؟

مصطفى: صحيح، هم يتجهون إلى هذا النقاش كمخرج، القائمة الموحدة تحديدًا تتجه إلى الخطاب الاجتماعي وتضعه في مركز النقاش الجماهيري في المجتمع العربي وتنجح في جر القائمة المشتركة إلى هذا النقاش للتغطية على خطابها السياسي.

بالمقابل فإن المشتركة التي تحاول أن تضع النقاش السياسي في محور النقاش الانتخابي تفتقر إلى خطاب سياسي واضح، يتعدى شعارات "على مين" وغيرها.

"عرب 48": واضح أن الأزمة سببها انزياح القضية الفلسطينية؟

مصطفى: القضية ليست انزياح القضية الفلسطينية فقط، بل تحييد القضية الجماعية للفلسطينيين في إسرائيل أيضا، موضوع الحقوق الجماعية، الحقوق القومية، الدولة اليهودية وسؤال الصهيونية كلها غائبة.

لم يتم نقاش قضية إعادة تعريف العداء للصهيونية الذي سيحولنا جميعا إلى معادين للسامية بسبب معارضتنا للاحتلال، لم يُعلَن موقفا واضحا وصريحا من قرار محكمة الجنايات الدولية، وعندما يتم تحييد هذه القضايا لا نستغرب أن يكون النقاش عن قضية المثليين وعلى الطريق الأجدى والأقصر للتأثير هل هي طريق أيمن عودة أم منصور عباس.

لقد ضمت القائمة المشتركة مؤخرًا حزبًا (قائمة معا)، اعتبرته مركبا من مركباتها، يقول إنه ليس لديه مشكلة مع يهودية الدولة ونحن مواطنون وممنوع أن نتدخل في الموضوع الفلسطيني. إنه انهيار سياسي آخر يضاف إلى مساحات الانهيار السياسي التي تفتح الباب واسعا لدخول الأحزاب الصهيونية من أوسع الأبواب للشارع العربي.

تحييد القضية الفلسطينية والحقوق الجماعية وسؤال يهودية الدولة والتركيز على كيفية التأثير والحقوق المعيشية وتحويل قضيتنا إلى قضية ميزانيات، بغض النظر عن تقديرها بالملايين أو بالمليارات، يهدم المسافات الفاصلة مع الأحزاب الصهيونية ويحولها، إلى منافسة شرعية للأحزاب العربية في شارعها العربي.

اقرأ/ي أيضًا | بولس: لا يمكن تغيير سياسة الشرطة دون تغيير بنيويّة الدولة


د. مهند مصطفى، هو مدير عام مدى الكرمل، المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية، محاضر مشارك في الكلية الأكاديمية بيت بيرل، ورئيس قسم التاريخ في المعهد الأكاديمي العربي في الكلية.