يبدو أن حكومة بينيت - لبيد التي أطاحت بحكم نتنياهو بعد 12 عاما في السلطة، قد وصلت إلى نهاية طريقها بعد أن فقدت الأغلبية البرلمانية التي تستند إليها إثر توالي حالات تمرد وانسحاب أعضاء كنيست من أطراف اليمين واليسار التي تتشكل منها.

تابعوا تطبيق "عرب ٤٨"... سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات

الحكومة الهشة التي توقع لها المراقبون أن تسقط بعد شهر أو بضعة أشهر فقط، أتمت الأسبوع الفائت سنة كاملة، نجحت خلالها في تمرير ميزانيتي 21 و22 واتخاذ بعض القرارات السياسية الهامة، قبل أن تحدث عملية انهيار الدومينو التي ابتدأت بانسحاب عضو الكنيست من يمينا، عيديت سيلمان، وتوالت بتمرد عضوي الكنيست من "ميرتس" والقائمة الموحدة، غيداء ريناوي زعبي ومازن غنايم وانتهت بقيام نير أورباخ من يمينا بضرب المسمار الأخير في نعشها.

ما يهمنا في هذه الحكومة إضافة إلى سوئها الذي لا يشذ كثيرا عن سوء سابقاتها، كون الائتلاف الذي تستند عليه يضم لأول مرة في تاريخ دولة إسرائيل قائمة من صلب المجتمع العربي، وهي تجربة أريد لها أن تشكل "نموذجا" لما يسمى الشراكة اليهودية العربية التي تروج لها جمعيات ومنظمات التعايش في الداخل والخارج.

نموذج يسقط أو يقايض القضية الفلسطينية والقضايا الجماعية مقابل القضايا المدنية والميزانيات، وبهذا المعنى فإن بقاء الحكومة أو سقوطها يشكل شهادة نجاح أو فشل لهذا النهج الذي توجه منصور عباس وأريد له أن يعم على العرب في إسرائيل.

د. سليم بريك

حول هذا الموضوع أجرينا هذا الحوار مع د. سليم بريك المحاضر في العلوم السياسية والباحث في السياسة البرلمانية والحزبيّة.

"عرب 48": يُعتقد أن حكومة بينيت - لبيد قد وصلت إلى نهاية طريقها بعد أن فقدت الأغلبية البرلمانية، هل من خيارات أخرى أمامها، أم أننا أمام انتخابات قريبة؟

بريك: الحكومة سحبت جميع مشاريع القوانين التي قدمتها لأنها باتت تدرك أنها غير قادرة على تمريرها، واستعدادا، على ما يبدو لمرحلة انتقالية إلى حين إجراء الانتخابات، واعتقد أن سقوط هذه الحكومة أصبح وشيكا ومن المرجح أن تجري انتخابات للكنيست في شهر تشرين الأول/ أكتوبر القادم ويتحدثون عن الخامس والعشرين منه.

وحتى لو نجحت محاولات إرغام مازن غنايم وغيداء ريناوي زعبي على الاستقالة وجلب أعضاء منضبطين مكانهما، فإن ذلك لن يجدي نفعا لأن هناك مشكلة مع "يمينا"، بل أن أصل المشكلة التي بدأت مع عضو الكنيست شيكلي ثم انسحاب سيلمان وانتهاء بتمرد أورباخ، هي مع "يمينا"، والغريب أنه لا أحد يطالب أعضاء "يمينا" بالاستقالة وإعادة مقاعدهم للحزب، كما يحدث بفظاظة مع غيداء ريناوي زعبي وبشكل أكثر لطافة مع مازن غنايم.

وأعتقد أن الاختلاف اليوم بين بينيت وأورباخ هو أن الأخير يريد أن تسقط الحكومة بأصوات معسكر لبيد، هم من يسقط الحكومة فعليا ثم يتهمون العرب بإسقاطها لكي لا يتولى لبيد رئاسة الحكومة الانتقالية (وفق ما ينص عليه الاتفاق الائتلافي) ويتحول بينيت بعد التحرر من القيود الائتلافية إلى رئيس لـ"حكومة مستوطنين" انتقالية تفعل ما يريدون.

"عرب 48": وهل تعتقد أن بينيت لا يرغب بذلك؟

بريك: السؤال لا يتعلق برغبته فقط، بينيت عندما دخل إلى مكتب رئيس الحكومة تفاجأ من أمرين، الأول هو مدى فساد نتنياهو الذي ما كان يستطيع تلمسه سوى من هذا الموقع، والثاني الهجوم العنيف والهابط الذي تعرض له من قبل فريق نتنياهو، وهما أمران يجعلانه لا يوافق مع أورباخ، ناهيك أنه يرى بالقيام بخداع لبيد الذي صنع منه رئيس حكومة بسبعة أعضاء كنيست أمر غير لائق من ناحية جماهيرية، ولذلك فإن بينيت معني بالإيفاء بتعهده للبيد.

من ناحية ثانية فإن أورباخ موجود في أزمة، فهو لا يستطيع أن يعمل لوحده لأنه لا يوجد لديه وعود من الليكود، ومن ناحية ثانية لم يعد يستطيع العمل ضمن الثلاثي الذي يضم أيليت شاكيد، لأنه إذا ما خرج الثلاثة وأقاموا حزبًا فإنهم لن يتجاوزوا نسبة الحسم، خاصة وأن الاستطلاعات تعطي ليمينا موحدة عدد ضئيل من المقاعد.

"عرب 48": من المبكر تقييم تجربة هذه الحكومة التي قامت على مبدأ أو هدف واحد مشترك هو تغيير بنيامين نتنياهو، اجتمع عليه خليط أحزابها من اليمين والوسط واليسار وحتى بعض العرب، لكن ما يهمنا في الموضوع هو تجربة مشاركة حزب عربي هو "القائمة العربية الموحدة" لأول مرة في ائتلاف حكومي إسرائيلي؟

بريك: دعنا نقول إن التجربة أثبتت أنه من ناحية المبدأ كان الدخول إلى الائتلاف الحكومي كان خطأ سياسيا لأن الأوضاع والبيئة القائمة لا تسمح لشراكة سياسية بين يهود وعرب.

إضافة إلى هذا الخطأ الأساسي فإنه إذا ما رجعنا إلى سلوك القائمة العربية الموحدة فقد كان يزخر بالأخطاء منذ البداية، من إدارة مفاوضات مع الليكود والتعاون معه في قضية مراقب الدولة وحل الكنيست في 2016 مرورا بعلاقة منصور عباس ببنيامين نتنياهو التي كان عرابها، يريف لفين، وصولا إلى الفيتو الذي وضعه الراف دروكمان وسموطريتش والذي حال دون انضمام الموحدة لحكومة برئاسة نتنياهو.

وعندما دخلت الموحدة للحكومة الحالية راكمت على الخطأ المبدأي المتمثل بالدخول ذاته سلسلة أخطاء أخرى رافقت ممارستها السياسية على طول عمر الحكومة القصير.

"عرب 48": هي سلسلة تنازلات بدأت بالتنازل الكبير الذي تمثل بالدخول في حكومة احتلال واستيطان ومقايضة القضية الوطنية بفتات القضايا المدنية؟

بريك: هناك نظرية تسمى نظرية "المبتز" اخترعها بروفيسور إسرائيلي يدعى يسرائيل أومان وهو مستوطن وحاز عنها على جائزة نوبل، وهي تتلخص بأنه إذا ما اتفقنا أنا وأنت على تقاسم شيء معين بالتساوي، وأنا اتراجع في اللحظة الأخيرة وأطلب 60%، فإذا تنازلت ووافقت، ارتفع بعد حين إلى 70% وأنت "تضطر" مرة أخرى إلى الموافقة وهنا تقع تحت وطأة الابتزاز، وتأخذ بالتنازل رغم شعورك بأنك تخسر، وهذا ما حدث مع القائمة الموحدة.

في قضية الشيخ جراح والمسجد الأقصى وقعت الموحدة تحت وطأة مسلسل تنازلات رهيب، جعلها تفقد هيبتها في القضية الأكثر جوهرية التي تلامس صميم وجودها كحركة إسلامية، وظهرت كأنها لا حول لها ولا قوة أمام جمهورها، في وقت كان مستوطنو اليمين حتى من أنصار حزب رئيس الحكومة التي يدعمونها يشاركون في اقتحامات الأقصى.

"عرب 48": المفارقة أن الابتزاز كان يتم من طرف أعضاء كنيست من "يمينا" حزب رئيس الحكومة، وحتى وزراء من "يمينا" أمثال شاكيد، ومن يفترض أن يتنازل حفاظا على الائتلاف الحكومي، دون أن يحصلوا على أي مقابل هو منصور عباس والقائمة الموحدة.

بريك: هو أصلا وضع غريب لم يسبق أن حصل في العالم أن يكون رئيس حكومة من حزب له سبعة أعضاء، يبقى منهم أربعة بينهم رئيس حكومة ووزيرة داخلية ووزير أديان وهم غير راضون، بالمقابل فإن الموحدة تعاقب بوقف 200 مليون شيكل لجسر الزرقاء لأن مازن غنايم لم يصوت مع ما سمي بقانون الأبارتهايد في الضفة الغربية.

كل طريق الموحدة كانت مرصوفة بالأخطاء، والمشكلة أنهم عوضا أن يتوقفوا بعد أي خطأ ويراجعوا أنفسهم، اتبعوا أسلوب الهروب إلى الأمام ليقعوا في المزيد من الأخطاء وإذا ما انتقدتهم يعتبرونك عدوا ويهاجمونك.

"عرب 48": اذا ما وضعنا المبادئ التي خسرناها جانبا، وحاكمنا التجربة بحساب الربح والخسارة فقط، هل ربحنا شيئا ما؟

بريك: يفترض أن الشيء الذي ربحناه هو إخراج نتنياهو من الحكومة وبعض الشيء في قضية مكافحة الجريمة، ولكن الثمن الذي دفعناه كان باهظا، فقد هبط تمثيلنا من 15 عضو كنيست إلى 10 إضافة إلى الانقسام والشرذمة والتنازل عن قضايا جوهرية تمس صلب وجودنا في هذه البلاد.

بالمقابل فإن "المليارات" هي حبر على ورق يمكن لأي وزير قادم أو حتى موظف كبير إلغاءها أو تجميدها، بينما لم يصلنا منها خلال السنة المنصرمة سوى القليل القليل بعد "الكونترول (إحكام السيطرة) الذي وضعته وزيرة الداخلية".

"عرب 48": أنت اعتبرت تحييد نتنياهو إنجازا ولكننا بالمقابل لم نحصل على حكومة أفضل من حكومة نتنياهو، رغم كل التنازلات؟

بريك: في قضية الاحتلال والاستيطان أصبح هناك اجماع بين مختلف مركبات السياسة الإسرائيلية وحتى مسألة التصويت أو عدم التصويت على سحب القانون الإسرائيلي على المستوطنين، وقضية عدم تصويت ريناوي زعبي وغنايم هي مسألة شعبوية صرف، لأن الاحتلال والاستيطان يتوقف على الموقف الأميركي والأوروبي المتسامح معه، وليس على تصويتهما أو عدمه.

كما لم يتوقع أحد من الحكومة الحالية أن تكون أفضل من سابقاتها في هذا الباب، الذي لم يكن مطروحا أصلا على الأجندة الانتخابية الإسرائيلية، وبالعموم هذه الحكومة أفضل من سابقتها في الهوامش، مثل وجود، تمار زاندبرغ في وزارة البيئة، وعمل جيد يقوم به نائب وزير الأمن الداخلي في مجال مكافحة الجريمة.

"عرب 48": ربما الأسوأ في هذه الحكومة أنها خلقت وضعا فيه حكومة يمينية استيطانية في صلبها من جهة، وبالمقابل هناك معارضة يمينية صرفة وقوية جدا تزاود عليها وتدفعها أكثر نحو التطرف اليميني، مثلما حدث في مسيرة الأعلام في القدس؟

بريك: الموحدة وربما ميرتس أيضا فشلتا في إحداث توازن معين وسحب الحكومة نحو الوسط على الأقل، وغياب تأثيرهما جرفها أكثر نحو اليمين مدفوعة، كما ذكرت، بمزاودات الليكود من الخارج، وبرغبة رئيسها في إثبات أنه ليس أقل صهيونية من سلفه.

والقضية ليست في غياب معارضة من اليسار فقط، بل في موقف أميركي متعاطف ومساند ومتسامح، فموقف بايدن في عهد نتنياهو كان يختلف، في أيار/ مايو من السنة الفائتة كان بايدن يتحدث مع نتنياهو بلهجة مختلفة، بينما لم تسجل الإدارة الأميركية أية انتقادات جدية على الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى وعلى مسيرة الأعلام التي اخترقت البلدة القديمة في القدس بشكل استفزازي.

اقرأ/ي أيضًا | حوار | إسرائيل الدولة الوحيدة في العالم التي "تعتقل جثامين الشهداء"