يستعيد علي شلاعطة من سخنين  شريط  ذكرياته حول يوم الأرض الأول، يروي شريط الأحداث حاملا الجرح بساقه المصابة التي يعتبرها وسام شرف نزفت على أرض سخنين في ليل حول الجيش الإسرائيلي الأحياء إلى ساحة حرب استبسل فيها الشبان والشيوخ والنسوة.

استعرض شلاعطة الذي ترعرع على حب الأرض والوطن تطورات وتسلسل الأحداث التي سبقت اندلاع المواجهات بالقول: 'كنت أعمل كسائق لنقل العمال من منطقة البطوف إلى طبريا وعلمت أنه تم إعلان الإضراب في 30 آذار عام 1976، وبعد أن عدت من عملي في ليل 29 آذار أخبرت والدتي إنني سأنزل للبلد'.

وتابع: 'توجهت إلى مركز البلد حيث يقع النصب التذكاري اليوم، فوجدت تجمهر لمئات الشباب هناك، وفي تلك الأثناء وبعدها بقليل توقفت سيارة أجرة بين المتجمهرين وصلت من الجهة الشرقية تجاه عرابة وعرفت أن السائق هو موسي الحورانا من عرابة البطوف الذي ترجل من السيارة وهو منفعل ويستشيط غضبا واستدار وفتح الخزانة الخلفية للسيارة وهو يدعونا للنظر ويصرخ، ماذا تنتظرون؟'.

ذهل الشباب عندما شاهدوا جثة الشهيد خير ياسين الذي نزف حتى الموت غارقا بدمائه،  هذا المشهد حرك مشاعر الغضب لدى الشبان الذين اتجهوا شرقا غير آبهين بالخوف والموت، وكان الجيش والمصفحات منتشرة على المدخل الشرقي، حيث دارت المواجهات وتمركزت في منطقة 'البركة'، إذ تحولت البلدة إلى شبه ساحة حرب ورقعة المواجهة اتسعت  وامتدت على طول الشارع الرئيسي.

إصابة الجندي أغضبت الجيش الذي  أطلق الرصاص عشوائيا

وواصل شلاعطة سرد روايته ويؤكد أن تفاصيل الحدث المشهود لا تنسى وكأنها متواصلة إلى الآن، فما زال يذكر  حتى اللحظة أن جنديا في سيارة عسكرية أصيب  مباشرة بحجر بوجهة وارتطمت سيارته بالعبارة جانب الشارع قبالة بيت عرسان بدارنة وتوسعت المواجهات في الشوارع والأزقة الداخلية الفرعية.

ومع احتدام المواجهات في ظل إطلاق الكثيف للرصاص الحي العشوائي حاول شلاعطة برفقة خضر خلايلة التحصن داخل الأحياء السكنية. تمركز شلاعطة بجانب بيت علي الذيب تحاشيا للرصاص، والتفت حوله بحثا عن خلايلة لكنه صقع بنبأ استشهاده.

المواجهة تشتد والجيش يستعين بتعزيزات وحدة جولاني

وتابع شلاعطة حديثه بانفعال وكأنه يعيش الحدث بتفاصيله: 'علمنا أن الجيش طلب تعزيزات من وحدة النخبة 'جولاني'. بعد منتصف الليل قام الجيش بالالتفاف علينا من داخل كرم' حاكورة' عرسان بدارنة حيث اكتشفوا أمري وأنا مستحكم بالكوخ، عندها قررت الهرب إلا أنني أثناء محاولة الهروب شعرت وكأن لغم انفجر بجسدي، حيث  أيقنت إنني أصبت بالساق اليسرى إصابة بالغة، فالجيش واصل إطلاق الرصاص وتحاشيت إصابة ثانية  عندما داهمت بيت أبو اللطف بدارنة'.

وفي معركة الكر والفر والتحصن من رصاص الجيش، يقول شلاعطة: 'التقيت بمالك حسون زبيدات وعلي حيادري، وبعد أن عرفتهما على نفسي حاول مالك إسعافي ووقف النزيف... ومع انسحاب الجيش وصل إلى المكان موسى محمد خليل بدارنة وأخي صلاح ويوسف وعبد خلايلة لنقلي للمستشفى الإنجليزي بالناصرة بعد أن طلبت ألا ينقلوني لمستشفى إسرائيلي'.

وفي طريقه لتلقي العلاج في المستشفى كان  يشاهد  قوافل مصفحات عسكرية امتدت على طول الشارع من دير حنا حتى مفترق 'الحمرا'، وأمام مشهد الدم والحشد العسكري وصل للمستشفى وهناك أبلغه الطاقم الطبي بقرار بتر ساقه إلا أن  شقيقه الذي رافقه للعلاج رفض ذلك وواصل العلاج في المستشفيات لسنوات طويلة.

 وعلى الرغم أن جرح شلاعطة لم يندمل بعد، إلا أن ما خفف عنه الألم  أنه وجد الاحتضان من أبناء بلده الذين غمروه بالمحبة والاهتمام والتقدير، ليتسع هذا الاحتضان  والدعم أيضا من قبل الحركة الوطنية وقيادتها، فهذا الدعم حفز شلاعطة ومنعه المعنويات بمواصلة مشاور حياته رافضا الحصول على مخصصات التأمين الوطني ليواصل مسيرته وعمله.

ليتوقف المسلسل الخسيس لسماسرة الأرض...

ترفض الابتسامة التي ارتسمت على وجه شلاعطة  أن تفارقه ويفيض من الحب والأمل يصر على انتمائه وحبه لبلده ووطنه، مؤكدا أن الشعب الفلسطيني يستحق هذه التضحيات وأن الثلة القليلة من 'المتعاونين' لا تمثل الغالبية الساحقة من الشعب.

وتحدث شلاعطة  بأسى وغضب على من ينعتهم اليوم بالسماسرة والمتعاونين قائلا: 'ناضلنا وصنعنا يوم الأرض وهبة القدس والأقصى وقدمنا الشهداء والجرحى والأسرى، وما زلنا نواجه سياسة المصادرة والتضييق والعنصرية والعداء، علينا نبذ السماسرة وتصعيد النضال في معركة الوجود والصراع على الأرض'.