'أن تكون ابن أو ابنة شهيد هذا وسام شرف بقدر ما هو مسؤولية وطنية وأخلاقية، ويفرض عليك التزامات تحفظ صورة الأعزاء من الشهداء'.. بهذه المعاني وبكل الاتزان والوقار والاعتزاز تحدثت رسمية غنايم، نجلة الشهيد رجا أبو ريا، التي لم تكن تتعدى سنة وثلاثة أشهر من العمر عندما استشهد والدها دفاعا عن بلده وأرضه.

تقول غنايم: 'حملنا والدي أمانة ورسالة، وشعلة للحفاظ على هذا الإرث المشرف. وهذا يفرض علينا واجب الانتماء والالتزام، وهذا استحقاقاته كبيرة، وكذلك أطفالي الأربعة يعرفون الحكاية بتفاصيلها، ونحرص على هذه القيمة العالية في تربية أبنائنا، وتربية الجيل، خصوصا أن الأسباب التي فجرت يوم الأرض ما زالت قائمة، المصادرات والتمييز وأزمة الارض والسكن وغيرها، لكن حكاية يوم الأرض والشهادة هي محطة من أهم المحطات في تاريخ العرب داخل حدود 1948، حينما خرج المارد من القمقم ليكسر المسلمات والمعادلات بكل ما يتعلق بعلاقة العرب هنا بالدولة، ومكانتهم فيها وعلى أرضهم ووطنهم وتصرفهم كشعب'.

التمسك بالأرض والوحدة هي رسالة للشهداء

وحول الشهادة والتبجيل أضافت غنايم: 'نحن لسنا هواة موت بل إن الشهداء قاوموا الموت والظلم وبحثوا عن الحرية وكرامة شعبهم، وهم أكرمنا. وأهم تكريم للشهداء هو التمسك بالأرض وأن يتوحد العرب بإرادتهم وضميرهم لأن في وحدتنا قوة، وهذه رسالة الشهداء'.

واستذكرت غنيام أنها وشقيقاتها الثلاث في جيل الطفولة أردن العيش في حضن أب محب وشجاع مثل والدها خصوصا في ظروف قاسية، وكانت والدتها هي المعيلة الوحيدة من أجل معيشتهن وتعليهن. وتقول: 'أكثر ما نفتقد الأب الحنون في المناسبات، ولكنه حاضر فينا بحبه وشهامته وخلقه'.

الشهيد يردد: الموت ولا المذلة.. وأحد المشبوهين يرفض نقله للمستشفى

تقول رسمية غنايم: 'اعتدنا منذ الصغر أن نسمع عن حياة الشهيد والدي، وحكاية الاستشهاد والمقاومة، وأن تصطحبنا العائلة لزيارة الضريح، ووضع أكاليل الزهور. وعرفنا الكثير عنه ممن عايشوه وعايشوا يوم الأرض. وعلمنا أن والدي عندما اندلعت المواجهات يوم ثلاثين آذار من العام 1976انتفض لنصرة بلده عندما شاهد الشباب في مواجهة مع الجيش، وحاول البعض منعه من الوصول إلى ساحة المواجهة خشية على حياته، إلا أنه ظل يردد القول: الموت ولا المذلة، وهو يهرع باتجاه المواجهات غير آبه بمصيره في منطقة المقبرة، حيث يقع النصب التذكاري اليوم'.

وتابعت: 'أصيب والدي في منطقة الرأس، ومنع الجيش تقديم الإسعاف له، إلا أن الشباب تمكنوا من نقله بسيارة خاصة، ولكنه ما لبث أن استشهد قرب قرية ميعار المهجرة، في موقع قريب من المكان الذي استشهد فيه خضر خلايلة'.

وأنهت حديثها بالقول إن 'الشهداء يبقون ضمير هذا الشعب، وأوسمة شرف لنا ولشعبنا'.

من جهته يكتفي يوسف حسين أبو ريا، شقيق الشهيد، بالتذكير والتأكيد على أن الشهيد نزل صباح الثلاثين من آذار إلى ساحة المواجهات بالقرب من مقبرة الشهداء على الشارع الرئيسي، ولم يأبه بالتحذيرات والمخاطر، وكان قد علم بإصابة سيدتين برصاص رشاشات الجيش، وهما لبيبة أبو ريا وآمنة محمد خلايلة'.

ويضيف أبو ريا: 'بعد إصابة الشهيد برأسه طلبنا سيارة خاصة من أحد الأشخاص، الذي تبينت عمالته لاحقا، لنقل أخي المصاب إلى المستشفى إلا أنه رفض ذلك بشكل قاطع. وعندها قام سعيد محمد أبو ريا بنقل الشهيد وهو ينزف مدة ال45 دقيقة بعد أن احتجزنا الجيش على رأس العقبة، بالمدخل الغربي لسخنين. وبعد مسافة تقارب كيلومترين، أي قرب قرية ميعار، لفظ أنفاسه الأخيرة'.

أما زوجة الشهيد رجا أبو ريا، أم شادية، فتقول: 'أن اكون زوجة شهيد فذلك مفخرة، فقد استشهد دفاعا عن أرضه وبقاء شعبه، ولولا دماء الشهداء لما عادت أرض المل'.

وتضيف: 'بعد استشهاده، ألهمني الله الصبر والقوة، واستطعت أن أكافح، وأربي وأعلم بناتي الأربع، وأنا سعيدة بهم وراضية بما أعطى الله وأخذ. وبناتي يواصلون تربية أبنائهم على حب الوطن والتمسك بالأرض، ويحافظون ويتمسكون بأخلاق وشهامة والدهم حفاظا على شرف الشهادة'.

وختمت حديثها قائلة إن 'أكبر تكريم للشهداء هو الحفاظ على الأرض وعلى الوحدة، لأن هذا اليوم تميز بوحدة شعبنا لمواجهة المصادرة والحفاظ على انتمائنا لبلدنا وشعبنا، وفي هذه الوحدة استعدنا أرض المل المصادرة'.