الناشط السياسي جريح يوم الأرض الخالد، نايف حجو، ابن دير حنا الذي ينتمي لعائلة هجرت من قرية لوبيا تحدث لـ'عرب 48' بلغة العتب والمفخرة معا عن يوم الأرض، وبدت عليه الحسرة  والوجع حيال المراسيم المتواضعة لإحياء الذكرى الـ39 ليوم الأرض.

كما بدت حسرته رغم حضوره القوي والواثق، ليس بسبب الإصابة البالغة التي تركت له الإعاقة المستديمة في ساقه اليمنى التي اخترقها رصاص الشرطة صباح الثلاثين من آذار عام 1976 عندما هبت دير حنا عن بكرة أبيها لتقول سنكتب تاريخنا من جديد، ووضع معايير رسمت جرح ماضيهم ومعالم حاضرهم وأفق مستقبلهم من هوان واندثار... ولم تخلو نبرته من الدعوة واستعادة جذوة هذا اليوم المشهود لهول المشهد ومعانيه الماثلة..

وقال:  'يؤلمني ويحزنني أن العديد من أهلنا لا يدركون المعاني الحقيقية لهذا اليوم التاريخي والبطولي الذي حدد الكثير من وجودنا ومستقبلنا'.

فكرة مقاومة وشجاعة نادرة بعد الانكسار

نايف حجو ليس مجرد جريح يحمل إعاقته و نزف الجرح والوجع الإنساني فحسب، بل هو ناشط قيادي وسياسي ويعي معنى وعمق الجرح والدور، وقال 'إن انكسارنا الداخلي بعد النكبة  كان عميقا بعمق الجرح ووجع التهجير وتداعيات النكبة، ويوم الأرض كانت محطة وحدث يوحد إرادتنا كأقلية قومية ووجدنا فيه الفرصة الأولى لنلفظ غضبنا ووعينا  ونستعيد الثقة بأنفسنا بعد كل ما لحق بنا من عار ومُر الاقتلاع والتهجير وما تلاها من فرض الحكم العسكري الجائر وقوانين الطوارئ على من تبقى منا بعد النكبة، ويبدو أن يوم الأرض جاء لنرد بوعي أو بغير الوعي على من أراد أن يكرر استباحة مقدراتنا والتمادي على وجودنا المشروع على هذه الأرض، وكانت الفرصة الأولى لرد الغضب على النكبة وتداعياتها بعد أن عرف الناس معنى التهجير والاقتلاع لأهاليهم وشعبهم وما يهددهم من الخطر'.

شعب آبى إلا أن يقاوم.. وهي محطة مثيرة وعميقة..

حجو يتحدث بالأسى والمفخرة  ويقول إن 'يوم الأرض ليس محطة عابرة. على الجيل كما على قيادة شعبنا أن تقرأ نتائجه مرة أخرى لأنها محطة كسرت معادلات ومسلمات استسلم لها العرب جميعا وهبت جماهير الداخل في مرحلة قاسية وهي غير أبهة بالخوف ولا بالموت، وهذا شعب يستحق الحياة، وأذكر بالحذافير أصالة وشجاعة هذا الشعب عندما هب الناس العزل نساء وشبابا وشيوخا نحو الموت ليصدوا أعتى قوة همجية اعتقدت أن تعيد دروس النكبة بالهزيمة والاستسلام لقمع أي روح للمقاومة، إلا أن الرد أذهل الجميع'.

 وأضاف حجو: 'عندما أراد الجيش والقوات المدججة اقتحام البلدة في ليل 29 آذار عام 1976 تمركزوا على المدخل الشرقي للبلدة. علم الشباب بالأمر ولم يترددوا في الاستحكام على المداخل بصدورهم العارية لمنع الجيش من استباحة حرمة البلدة، ونحن تمكنا من تلقينهم بإرادتنا درسا جعلهم يعيدون الكثير من الاعتبارات لوجودنا وحقوقنا هنا، هو نتاج فعل ونشاط وعلينا أن نقرأ دروس التاريخ جيدا لفهم مواطن القوة لدينا'.

الإصابة والجرح

يستعرض حجو ليل الإصابة والمقاومة، ويقول: 'احتشد الجيش والمصفحات وقوات معززة في الجهة الشرقية من دير حنا كما في ساحة حرب حقيقية وبدى التحدي واضحا والبعض القليل فهم التحدي والغالبية الساحقة قاومت بالفطرة والعفوية والشهامة، لكن أعتقد أن ما كان هو استكمال لكسر شوكة من تبقى في وطنه بعد النكبة، وأعتقد أن حجم المقاومة  كانت المفاجئة الكبرى للقيادة الإسرائيلية وحددت لاحقا الكثير من شكل المعاملة مع عرب الداخل، وأعتقد جازما أن هذه المعارك ومثلها هبة القدس والأقصى فرضت على الدولة العبرية شكلا مختلفا للتعامل معنا لأننا قلبنا معادلة الأقلية والأكثرية كما قلبنا معادلة القوة والضعف، لكن للأسف أن الكثيرين منا لم يفهم هذه المعادلة، وأدعو الجميع والقيادة كذلك لقراءة مجددة لمعاني هذا اليوم العظيم'.

أصبت وأنا أنقذ الجريح محمد سالم وعلاقتنا حتى اليوم علاقة الدم

حجو يختصر الحدث ويقول: 'بعد أن أخرج الأهالي الغاضبين الجيش غربا خارج البلدة عرفنا أيضا أنهم أعدوا معتقلا للشباب الذين احتجزوا واعتقلوا، وعندما اقتربنا من المكان بغية تحرير المعتقلين أدرك الجيش الأمر وأخذ بالتصدي لنا وإطلاق الرصاص بشكل كثيف، حيث أصيب محمد سالم إصابة بالغة إلا أنني قمت ومجموعة من الشباب بإسعافه ونقله إلى بيت عادل خطيب، وهناك بعد أن قدمت له الإسعاف الأولي في خلع قميصه وسد الجرح البالغ في كتفه ووضعه بالسيارة، أمطرنا الجيش بالرصاص وأصاب عدد من الشباب كما أصبت أنا والجريح سالم بين يدي'.

 رغم ذلك  يقول حجو : 'لم أتركه كي لا يسقط على الأرض وبقيت أحمله وأنا أنزف من الساق اليمنى، وبعدها تمكنت من الخروج والوصول شرق البلدة وهناك تم نقل الجرحى بالشاحنات إلى مستشفيات العفولة وبوريا في طبريا، وهناك رفضوا علاجنا بسبب مقاومتنا للجيش، إلا أن تدخل  العديد من الأطباء العرب اجبروا على علاجنا'.

 ولفت حجو إلى أن علاقته بالجريح محمد سالم علاقة دائمة وأخوية، بل علاقة دم حتى اليوم، لكن هذا يوم الأرض يجب أن يبقى خالدا كما خلود الشهداء والمعنى العظيم في تحديد حاضرنا ومستقبلنا وإعادة صورتنا التي فرضت نفسها على المؤسسة وأجهزتها.