لا شك أن المواد التي يحتفظ بها الأهالي من يوم الأرض قليلة بسبب محدودية وسائل الإعلام في تلك الفترة، فغالبية الصور وحتى مقاطع الفيديو التي بقيت إلى اليوم بأيدينا هي من وسائل إعلام عبرية، لقلة وسائل الإعلام العربية في الداخل في تلك الفترة، وتحديدا عام 1976.

من بين تلك الصور القليلة، هي تلك الصورة التي التقطتها صحيفة 'معاريف' العبرية في مدينة قلنسوة لأحد المعتقلين، وهو مكبل اليدين ويقوده عنصران من رجال الشرطة أو حرس الحدود إلى الدورية أثناء اعتقاله.

ويقول نايف خطيب، أبو لؤي، من قلنسوة لـ عرب 48: 'أذكر تماما تلك الصورة، وأذكر أحداث يوم الأرض تماما كما لو كانت تمر أمام عيني الآن. كنت في حينه في التاسعة عشرة من العمر، ولا يمكنني نسيان تلك الذكريات التي لا تغيب عن ذهني'.

'اقتحموا البيت بعد مطاردة شبان'

وأضاف: 'الصورة نفسها، لها حكاية، وهي أنني كنت أكبر إخوتي، وكنت جالسا في البيت مع والدتي وإخوتي الصغار، وكان بيتنا في تلك الفترة يقع في البلدة القديمة بقلنسوة. تفاجأنا بقوات حرس الحدود وهي تطرق على الباب وتكسره وتقتحم البيت. توجهت إليهم فقالوا لي إنهم يطاردون شبانا متهمين بإلقاء الحجارة صوبهم على خلفية المظاهرات، فقلت لهم إنني لم أر احدا. ولكن على ما يبدو ظن رجال الشرطة أن الشبان المطاردين دخلوا لبيتنا للاختباء فيه'.

'تعاركت معهم واعتدوا على والدتي واعتقلت بمعسكر للجيش'

وتابع قائلا: 'بعد نقاش وجدال بيني وبينهم، قاموا بالاعتداء علي، وعلى والدتي المرحومة، وكنت اذود عن إخوتي الصغار، فاعتقلوني واعتقلوا أشقائي، ولكن أطلق سراحهم في نفس الليلة، أما أنا فقد تم اعتقالي ليس في سجن وليس في مركز الشرطة، بل قاموا باعتقالي في معسكر 80 للجيش، في منطقة الخضيرة وبردس حنا، وبقيت معتقلا هناك لمدة 15 يوما تقريبا'.

'اعتدوا علي بشكل وحشي أثناء التحقيق'

ومضى يقول: 'أثناء مكوثي هناك تعرضت لاعتداءات أثناء التحقيق، تارة عبر توجيه اللكمات لرأسي وظهري، وتارة أخرى بالعصي على منطقة الكتف والأرجل، ما أدى إلى سيلان الدم من جسدي. عانيت كثيرا أثناء التحقيق، وكان معي في غرفة التوقيف شابان آخران من قلنسوة. وفي أحد الأيام سمعت صوتا لشخص أعرفه من بلدنا، فنظرت من الشباك وناديت عليه، وكان في المعسكر برفقة والدي وعمي. وفي اليوم ذاته أطلق سراحي'.

'المخابرات أخفت عن أهلي مكان اعتقالي'

وأردف قائلا: 'أهلي لم يكونوا يعرفون أين أنا. والدي كان يعمل في شركة 'إيجيد' في ذلك الوقت، واستطاع أن يجمع معلومات عن مكان اعتقالي. وفي النهاية عرف أنني في معسكر 80، وذهب هناك ليسأل عني فقالوا له إن اسمي غير موجود في سجلات المعتقلين، وكذبوا على والدي، ولا اعرف لماذا أخفت المخابرات مكان اعتقالي، لكن بالنهاية نجحوا بالتعرف على مكاني والضغط على المخابرات لتقدمني للمحاكمة'.

'المحكمة غرمتني بألف ليرة وكان مبلغا كبيرا جدا'

وسرد أبو لؤي ما جرى قائلا: 'بعد ذلك عُرضت على محكمة الصلح في تل أبيب- يافا، ونظرت المحكمة بطلب الشرطة، وفي النهاية وافقت على إطلاق سراحي بشروط مقيِّدة، وهي دفع غرامة تقدر بألف ليرة، وكانت مبلغا كبيرا جدا، وليس بوسع إنسان عادي دفعه، والشرط الثاني كان الإبعاد عن منطقة الناصرة وأم الفحم والضفة الغربية لمدة ثلاث سنوات، حيث واجهتنا مشكلة الغرامة، لكن الحزب الشيوعي في قلنسوة آنذاك توجه إلى والدي ودفعوا الغرامة عوضا عنا، مع العلم أنهم ساعدونا ووقفوا لجانبنا بتوكيل محام أيضا'.

'تعامل الشرطة مع العرب قاس وشرس'

وروى أبو لؤي ما جرى في يوم الأرض قائلا: 'كانت قوات الأمن هائجة في ذلك اليوم، كانوا يعتدون على كل من يرونه، هناك الكثير من الأشخاص الذين تم الاعتداء عليهم واعتقالهم، هذا اليوم بالفعل تم الكشف عن أن قوى الأمن لا تعاملنا كمواطنين، وسقط القناع عن الديمقراطية الإسرائيلية، فهي ديمقراطية لليهود فقط، ولكنها وحشية تجاه العرب، ومنذ يوم الأرض وحتى اليوم، ونحن نرى كيف تتعامل الشرطة مع مظاهرات العرب بالمقارنة مع مظاهرات اليهود، فتعاملهم معنا يكون قاسيا وشرسا'.