سقط الشهيد خير ياسين من عرابة البطوف أثناءالمواجهات ين الشباب الغاضب والجيش الإسرائيلي الذي اجتاح بلدة عرابة لكسر الإضراب العام الذي أعلن في الثلاثين من آذار عام 1976 إلا أنه قوبل بمواجهات شعبية عارمة.

وقال وفيق ياسين، أبو الخير، وهو شقيق الشهيد خير ياسين من عرابة البطوف، 'فقدنا شقيقين في جيل 14و15 عاما، في أواخر الستينات في أرض المل المسماة بمنطقة رقم 9، والتي تفجر بسببها يوم الأرض، وذلك بعد أن انفجر بهما لغم من مخلفات الجيش بعد أن استخدم الأرض كساحة للتدريبات العسكرية'.

وأضاف: 'استشهد شقيقي الثالث خير ياسين في آذار 1976 وجميعهم استشهدوا في أرض المل ومن أجلها'.

 وعن ذكرى يوم الأرض، يقول أبو الخير أنه 'مع مرور الأعوام لا ننسى أعزاءنا، وهذا اليوم يحمل لنا الحزن والمفخرة معا لأن حدث يوم الأرض لم يكن حدثا عاديا بل قرر مصير ووجهة جزء هام من شعبنا، ويبقى على شعبنا وعلى الأجيال الصاعدة أن تعي معاني هذا اليوم في تاريخهم وحاضرهم وتقرير مستقبلهم، وأعتقد أن إحياء هذا اليوم يجب أن يكون على مدار السنة لأهميته الكبيرة، وعدم اختزاله في مسيرة أو مهرجان خطابي فقط'.

واستذكر أبو الخير يوم الاستشهاد فقال إنه 'في مساء يوم الأرض سمعنا عن مواجهات في منطقة البركة بين الشباب والجنود، وسمعنا أزيز الرصاص، عندها ركضنا لمنطقة المواجهات على الشارع الرئيسي في البلدة، وكان الشباب خلف السور، وكان الحال أشبه بساحة حرب، واستخدم الجنود الرصاص الحي والمصفحات لمواجهة الشباب الغاضب. وفي هذه الأثناء أصيب أخي خير، وعلمنا لاحقا أنه أصيب بعدما رفع رأسه من فوق السور، فأصيب برصاصة قاتلة في الصدر واخترقت الظهر. بعدها تم نقله إلى السيارة التي نقلته إلى بيت الأهل، ومن هناك إلى المستشفى، ولكنه فارق الحياة قبل وصوله'.

أدلت بشهادتها لعرب 48 قبل رحيلها

ليس قبل أن تمنح عرب 48، قبل سنتين، شهادتها عن المواجهة والشهادة، رحلت الحاجة ندى نعامنة، أم مصطفى، عن عمر ناهز 84 عاما إلى مثواها الأخير.

واستذكر الكثير من المشيعين وممن عرفوا المرحومة بمواقفها البطولية وكرمز بقي شاهدا على البطولة والشهادة مع حكاياتها مع يوم الأرض الأول.

كانت الحاجة أم مصطفى قد رحلت في الذكرى الأعز على قلبها، لكن حكايتها مع الأرض والبطولة كرمز للأم الفلسطينية المكافحة ستبقى حية في ذهن ووجدان الأجيال الصاعدة، وهي مثال للصمود والبقاء، وصفحة مشرقة ومشرفة في تاريخ الفلسطينيين في الداخل.

شاهدة على الشهادة 

ندى نعامنة، أم مصطفى، سيدة استثنائية برقتها وعزمها معا، بملامح وجهها، وبسمتها الطفولية التي تكاد لم تفارق محياها. سردت ما تيسر لها من شريط الذكريات بالفخر والمرارة معا، ذاكرة لم تصب بالشرخ رغم الشقاء وتجاعيد السنوات المحفورة أوسمة على وجنتيها وحكايتها مع الأرض وإرادة الصمود، الأرض التي دافعت عنها بشجاعة قل نظيرها.

الحاجة أم مصطفى شاهدة على الشهادة وعلى الجرح والصمود، إرادة انتصرت على الخوف والقمع أكثر. التصقت وتشبثت بأرض العائلة في المل، منطقة رقم 9، حتى الرمق الأخير، وتحدت تنكيل العساكر والمحاكم، ولم تهزها الجلسات العشرين في محاكم التيئيس.

قالت أم مصطفى: 'لم ننصع للأوامر العسكرية التي منعتنا دخول أرض المل، رغم أن والد زوجي قد استشهد في هذه الأرض جراء انفجار قذيفة قديمة من مخلفات الجيش. كانت هذه الأرض المصدر الوحيد للقمة أطفالي ومعيشتهم، وعندما كان يتطلب دخول الأرض استصدار ترخيص من الشرطة في منطقة سخنين لم نكن نفعل'.

واستذكرت أم مصطفى 'اعتداء شرطي عليها في مركز الشرطة عندما استدعيت للاستجواب بسبب دخول أرضها بدون تصريح'، فتقول: 'أثناء وجودي للاستجواب في مركز الشرطة، ويبدو أن نبرتي الواثقة استفزت شرطيا عربيا سيئ الصيت والسمعة، فقام بدفعي من رأسي بقوة، وعندها لم أملك سوى أن أخلع حذائي وضربته به. لم أعثر لاحقا على فردة الحذاء التي طارت على وجهه، فعدت للبيت بفردة واحدة'.

وتابعت: 'في حدث مماثل كان في إحدى جلسات المحاكم في مدينة عكا التي بلغت عشرين جلسة حيث حاول أحد موظفي المحكمة إهانتي، فهجمت عليه، وأمسكته، وشددته من شعره بقوة، وطرحته أرضا، إلا أن المتواجدين تدخلوا لتخليصه.. ماذا أقول لك يا ابني؟ معاناتنا استمرت سنوات طويلة، لكن ملاحقة الشرطة وتغريم المحاكم لم يمنعنا عن الاستمرار بفلاحة الأرض حتى عشية يوم الأرض'.

 أم مصطفى: 'الشهيد سقط على كتفي'

كانت الحاجة أم مصطفى تسكن في أزقة حي الجلمة بالبلدة القديمة في عرابة، المفعم بذكريات الطفولة والشباب وحكايات الصمود والمواجهة. في ذات 'البيت القديم الذي داهمته قوات الجيش في يوم الأرض، 1976، حيث تصدت لهم مع زوجها المرحوم حسن نعامنة فتعرضا لاعتداء الجنود. وكانت قد تصدت لهم بأدوات بدائية مما تيسر أمامها دفاعا عن النفس. ورغم إصابة الاثنين نتيجة الضرب بأعقاب البنادق، وبينما محقونة بالغضب والاستبسال لا سيما بعدما تبللت ملابسها شرفا بدم الشهيد خير ياسين الذي هوى على كتفها، فداست برجلها رأس الجندي المعتدي بعد أن تصدت له وضربته بالمجرفة'.

وتابعت أم مصطفى: 'عدت بعدها إلى بيتي، بعد استشهاد خير، وقلبي يتقطع وجهزت دلوا مليئا بالحجارة ومجرفة، وأثناء وجودي في باحة البيت وبيدي فنجان شاي، فاجأني أحد الجنود بشتيمة، فالتفت للخلف وشاهدته وهو يحاول دخول البيت وبيده عصا قصيرة، وبدأ يقترب مني ويحاول أن يضربني فقمت على الفور برد الشتيمة وضربته بالمجرفة بقوة، وبعد أن سقط على الأرض دست بقدمي على رأسه، وانضم زوجي بعصاه، إلا أن أحد الجنود قام بتوجيه ضربة قوية لزوجي بعقب البندقية على عينه مما استدعى نقله للعلاج في المستشفى، لكن رغم ذلك واصلت إلقاء الحجارة على الجنود، وأنا أردد: الموت ولا المذلة. كما قمنا مع الشبان بإغلاق شارع حي الجلمة والتصدي لهم بالحجارة مما اضطر الجنود إلى التراجع. لا زلت أذكر جارنا يوسف الشلش عندما هرع للدفاع عني وهو يلقي الحجارة على الجنود ويصرخ بالناس: النجدة لأم مصطفى'.