تقف المواطنة حنان حسيني، وهي أم لأربعة أبناء، في المكتبة الشعبية في الناصرة، تشكو حال الكتب المدرسية التي تشتريها كل بداية سنة دراسية، فهي تخدم فقط لمدة سنة وبعدها لا حاجة لها، إذ تذهب إلى سلّة القمامة أو تكدس على الرفوف، قائلة 'إننا كل سنة كنا نشتري كتاب أو كتابين لكل طفل أما الآن فنشتري كل الكتب المطلوبة للأطفال الأربعة وهو ما يؤثر على مصروفات العائلة'.

قد تبدو هذه المشكلة عامة، ولكنها تخفي في طيّاتها الكثير من التساؤلات وعلامات الاستفهام عمّا يجري في 'سوق الكتب المدرسيّة المفتوح' من قِبل وزارة التربية والتعليم، وعن ماهية هذه الكتب، وكيفية تأليفها، المصادقة عليها ونشرها، ولماذا كل سنة يوجد لكل موضوع أكثر من كتاب لنفس المنهاج؟ وكيف تجري الأمور؟.

 

معالم المشكلة

يعاني المواطن ميشيل كتورة، هو وغيره من المواطنين من تغيير الكتب حديثًا في كل سنة، وهو أمر لم يكن في الماضي، فجميع أبناء العائلة استخدموا ودرسوا نفس الكتب على حدّ تعبيرهِ، أما اليوم فلا يُستخدم الكتاب لسنتين.

وفي هذا السياق، يفيد مدير عام لجنة متابعة قضايا التعليم العربي، عاطف معدّي، أنّ نسبة كبيرة من الكتب المدرسيّة يتم تبديلها بأخرى مع كل سنة، وهي شاملة جميع المواضيع العلميّة والأدبيّة التي لا حاجة لتغييرها، وبأسعار باهظة جدًا في أغلب الأحيان، متابعًا أنّ المسؤولية تقع على وزارة التربية التعليم، وبشكل خاص على قسم المناهج وكتب التدريس، وقسم السكرتارية التربويّة في الوزارة التي تفرض هذه المناهج والكتب، وهي كما وصفها أنّها سوق بدون مراقب والهدف منه ربحي فقط وهذا مرفوض.

ويوضّح صاحب المكتبة الشعبية في الناصرة، أحمد عبد الخالق من خلال تجربتهِ الخاصة في العمل، أنّ المشكلة الأساسيّة ليست في تغيير المنهاج، فهو لا يتغير إلا بين فترة وأخرى من أجل تطويره وجعلهِ مواكبًا للتطورات الحاصلة في العلوم المختلفة، وهو تغيير إيجابي، لكن المشكلة الأساسيّة تكمن في أنّ المؤلفين يألفون المنهاج بشكل حر مع إباحية المصادقة عليه من قِبل وزارة التربية والتعليم، مما جعل هناك تعداد كبير في الكتب، إذ أن لموضوع اللغة العربية مثلا يوجد 8 أنواع كتب مختلفة ومن دور نشر مختلفة لمنهاج واحد، وهذا شامل باقي المواضيع الأخرى.

ومن جهتها تقول مديرة مدرسة القسطل في الناصرة، سيرين مجلي كنانة، إنّه بالاتفاق مع لجنة أولياء أمور الطلاب لا تقوم المدرسة بتغيير الكتب المدرسية كل سنة، بل اعتمادًا على أسباب محددة وواضحة كل خمس سنوات يتم التغيير، ومن هنا نأخذ بعين الاعتبار الوضع الاقتصادي الصعب بالبلاد، وبالمجتمع العربي بشكل خاص، وبذلك نقوم منذ بداية السنة بتحديد الرسوم المطلوبة من الطلاب خلال السنة، مع تحديد وشرح واف لها ولماذا هي.

ممارسات خاطئة

يشير عبد الخالق إلى أنّ كل مدرسة تختار الكتاب الذي تريده، وفي أغلب الأحيان لا يتم اختيار الكتب على الخلفية المهنية بل على خلفية العلاقات الشخصية الموجودة بين المؤلفين ودور النشر والمفتشين، وهي مشكلة تخلق جو غير مريح لدى الأهل، فالمدرسة تتبنى كتاب رياضيّات، وبعد سنة تقوم بتغييره لمؤلف أو دار نشر أخرى، مع العلم أنّ المنهاج لم يتغير وكلاهما نفس المواد، وذلك يحصل بشكل دوري كل سنة أو سنتين.

ويتابع أنّ الهدف من بيع الكتب هو ربحي من خلال ممارسات دار النشر التي تسعى لتحقيق المبيعات، وذلك عن طريق تعدد الكتب والكراسات، فأصبحت الكُتب للحل المدرسي بدلاً من الكراسات، مما يعني عدم امكانية استعمالها مرة أخرى واضطرار الأهل لشراء كتب أخرى.

ويفيد معدّي أنّ من يضع الأسعار هم ليسوا أصحاب المكتبات، بل دور النشر والمؤلفين الذين لهم نسبة من هذه الأرباح ما يعني أنّ هذه لعبة اقتصاديّة تُكلّف الأهل آلاف الشواقل، مؤكدًا على دور الوزارة الهام في تحديد أسعار مسبقة للكتب، ومسؤوليتها بتشكيل لجنة لفحص الوضع القائم.

تجربة الضفة الغربيّة

ويعتبر عبد الخالق أنّ حل هذه المشكلة يكمن في أنّ تحذو وزارة التربية والتعليم حذو الضفة الغربية أو الدول الأخرى عن طريق أن تُصدر وزارة التربية والتعليم الكُتب بواسطة طاقم مختص يقوم بتأليف الكتب جميعها من الصف الأول حتى الثاني عشر، كي تكون الكتب موحدة، سواء في المجتمع العربي أو غيره، مؤكدًا أن يتم إصداره من قِبل الوزارة، وليس كما هو موجود الآن، العديد من الكتب لذات المنهاج، وكل مؤلف يكتب ما يحلو له، بل ويباع الكتاب وفق علاقتهِ مع مدراء المدارس والأساتذة.

ويشير إلى أنّ هذا الحل يؤدي إلى تخفيض سعر تكلفة الكتاب، فطباعة خمسين ألف نسخة لكتاب اللغة العربية للصف الأول تكون أرخص بكثير من وجود ثمانية أنواع كتب مختلفة، كل نوع منهم يُطبع فقط بسبعة آلاف نسخة فيكون أعلى سعرًا، ويوضح فكرته أنه 'إذا عملت الوزارة على تشغيل طاقم يقوم بتأليف الكتب المدرسية فالتكلفة ستكون أقل، وهذه هي تجربة الضفة وهي تجربة ناجحة جدًا، إذ أنّ أسعار الكتب المتعارف عليها في الضفة الغربيّة هو ما بين 10 إلى 20 شيقل ليس أكثر، وهي كُتب وزارة التعليم وموحدة لكل المدارس في الضفة الغربيّة، فالحل الوحيد هو أن تصدر الوزارة كتباً موحدة يكون الهدف منها تعليمي وليس ربحي تجاري'.

وعن الحل، رأى معدّي، أنّه يكمن في توحيد كتب التدريس وانتقاء أفضلها عن طريق عدة وسائل، أوّلها، إقامة لجان مهنيّة مشتركة مع وزارة التربية والتعليم ولجنة متابعة قضايا التعليم العربي لبناء وبلورة مناهج جديدة في كافة المواضيع لتلائم الطالب العربي ووضع رقابة صارمة على مضامين ومحتويات هذه الكتب، وثانيها وضع رقابة حادة على الأسعار بالتنسيق مع دور النشر والمطابع ووزارة التربية والتعليم.