شهد عام 2015 تصعيدا في الاعتقالات السياسية واستشراس المؤسسة الإسرائيلية وأجهزتها الأمنية والقضائية ضد المواطنين العرب الفلسطينيين في الداخل، إذ مارست ضدهم وسائل قمع وتعسف خلال الهبة الشعبية الفلسطينية التي انطلقت في شهر تشرين الأول/ أكتوبر.

وخلال شهرين من انطلاق الهبة، اعتقلت قوات القمع الإسرائيلية نحو 250 فلسطينيًا من الداخل، نصفهم تقريبًا لم يبلغوا الـ18 عاما بعد، بتهم عديدة، وأغلبها كانت التحريض على العنف والإرهاب والإخلال بالنظام العام.

شهد هذا العام ظاهرة الاعتقالات الاستباقية التي شنتها المؤسسة الإسرائيلية، إذ قامت باعتقال منظمي السفريات للمظاهرة القطرية التي نظمها الحراك الشبابي في الداخل في الليلة التي سبقت المظاهرة، في محاولة لإفشالها. واعتقلت بعض الناشطين وأهاليهم كورقة ضغط عليهم لثنيهم عن تنظيم المظاهرة.

كما شملت الاعتقالات السياسية في الداخل هذا العام اعتقالا إداريا بحق الفتاة أسماء حمدان من الناصرة واعتقال الناشطة والشاعرة دارين طاطور من الرينة منذ 10.10.2015، وكلتاهما لا تزالان رهن الاعتقال حتى اليوم، الأولى بتهمة نية تنفيذ عملية من خلال رسالة نصية قصيرة أرسلتها لأحد أفراد عائلتها، حسب ما تدعي السلطات الإسرائيلية، والثانية بتهمة التحريض على العنف والإرهاب على موقع التواصل الاجتماعي 'فيسبوك'.

كذلك شهد هذا العام سابقة قضائية وتصعيدًا لافتًا، إذ اعتقلت السلطات الإسرائيلية لأول مرة ناشطين على خلفية كتابات على مواقع التواصل الاجتماعي، من بينهم كان الناشط أنس خطيب من شفاعمرو، الذي اعتقل نحو 60 يومًا، وبعدها أطلق سراحه للحبس المنزلي حتى إنهاء الإجراءات القانونية بحقه.

تواطؤ الجهاز القضائي

يقول المحامي آرام محاميد من عدالة- المركز القانوني لحقوق الأقليّة العربيّة في إسرائيل، الذي ترافع عن عدد كبير من المعتقلين السياسيين، إنه 'خلال موجة الاعتقالات السياسية الأخيرة، كان هنا العديد من الخطوات التصعيدية وغير المألوفة من قبل، أبرزها تواطؤ المحاكم مع الشرطة الإسرائيلية والنيابة العامة وتلبية غالبية طلباتهم، كما لو أنها كانت كتابًا مقدسًا، دون الرجوع للقانون أو الأحكام القضائية السابقة'.

وأوضح أن 'الجهاز القضائي تساهل في عدد من القضايا مع النيابة العامة وطلباتها، سواء بقبول طلبات تمديد اعتقال أو تقديم لوائح اتهام وغيرها، مع أن الغالبية الساحقة من المعتقلين لا تملك سجلًا قضائيًا ولا سوابق جنائية. وكانت ذريعة المحكمة دائمًا حساسية الوضع الأمني، في الوقت الذي كانت الشرطة والنيابة العامة تهدفان إلى جعل المعتقلين عبرة للباقين، ووسيلة ردع لإخافة الشباب ومنعهم من التظاهر، وترهيبهم وثنيهم عن النزول إلى الشوارع'.  

وعن الخطوات التصعيدية الأخرى، قال محاميد، إن 'الشرطة الإسرائيلية وأجهزة الأمن قامت لأول مرة باعتقالات بسبب مواقع التواصل الاجتماعي، سواء بسبب منشورات ادعت أنها محرضة أو بسبب تنظيم مظاهرات ودعوة الناس للمشاركة فيها، وقامت الأجهزة الأمنية بخطوات عديدة غير قانونية لإلغاء المظاهرات، واستعملت الوعيد والتهديد بحق معظم من حاول تنظيم أي احتجاج، حتى لو كان قانونيًا'.

الشرطة تخرق القوانين

وأكّد محاميد أن 'الشرطة خرقت القوانين بالجملة، بداية بالتحقيق مع الأطفال والقاصرين دون حضور أهلهم أو وجود محام معهم، وهو خرق خطير للقانون، إذ أجبرت الشرطة بعضهم على التوقيع على أقوال لم يتفوهوا بها، منها اعترافات بإلقاء الحجارة ومهاجمة رجال الشرطة وعرقلة عملهم، مستغلين جهلهم وخوفهم الشديد في مثل هذه المواقف وعدم وجود الأهل أو المحامي. وكذلك استخدمت النيابة العامة العديد من القوانين التي تم تعديلها، في المحكمة، دون إعارة أي اهتمام للتعديلات التي أجريت عليها، واعتبار تهم التحريض عبر مواقع التواصل الاجتماعي تهمًا أمنية، خاصة في ظل تواطؤ المحاكم بعد التعليمات التي أصدرها وزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان، بتقديم استئنافات على كل قرارات إطلاق سراح المتظاهرين'.

اعتقال الآباء للضغط على الأبناء

وهذا العام، استخدمت الشرطة الإسرائيلية أسلوبًا جديدًا للضغط على الناشطين وثنيهم عن التظاهر أو تنظيم المظاهرات، إذ قامت باعتقال الناشطين مع آبائهم، كوسيلة ضغط عليهم، على الرغم من كون بعضهم قاصرين، واعتقال الآباء أو توقيفهم للتحقيق، كما تسميه الشرطة الإسرائيلية، بسبب نية ابنهم/ابنتهم المشاركة بمظاهرة هو خرق آخر للقانون.

وتروي راية شمالي، البالغة من العمر 17 عامًا والتي اعتقلت بادعاء تنظيم نشاط غير قانوني، أن الشرطة الإسرائيلية اعتقلت والدها في الساعة السابعة مساءً، قبل المظاهرة القطرية في مدينة الناصرة التي نظمها الحراك الشبابي، حيث أتت لاعتقالها ولم تكن في المنزل، فاعتقلت والدها حتى وصلت إلى مركز الشرطة، عندها قاموا بإخلاء سبيله.

التهديد والوعيد

وقالت شمالي إن الشرطة حققت معها من الساعة الحادية عشرة حتى الثانية بعد منتصف الليل، ووجهت لها أسئلة تتعلق بحياتها الشخصية ونشاطها السياسي، دراستها وعلاقاتها الاجتماعية، وحاول المحققون خلالها زرع الخوف في نفسها عن طريق التلميح بأنهم يعلمون كل شيء عنها ولا مجال للتلاعب معهم.

وخلال التحقيق، وجه المحققون أكثر من مرة تهديدات مبطنة، إما من خلال الأسئلة أو التعليقات على أجوبتها، ملمحين إلى أن نشاطها السياسي يمكن أن يؤثر سلبًا على مستقبلها المهني والأكاديمي، في محاولة منهم لردعها عن المشاركة في نشاطات سياسية مستقبلية، وهو أسلوب استخدمه المحققون مع معظم المعتقلين من طلاب المدارس أو المعاهد الأكاديمية المختلفة.