بعد إقرار الحكومة الإسرائيلية قرارها 1877، المعني بما يسمى تطوير اقتصادي للنقب، أصبحت الصورة أكثر وضوحا بشأن المناكفات والمزايدات الحزبية اليمينية المتطرفة التي أحاطت المصادقة على الخطة وعلاقتها المتينة بمخطط الوزير أوري أريئيل لتسوية قضية الملكية على الأرض إذ يعتزم طرحه قريبا.

وزير البناء والإسكان عن حزب 'كولانو' يوآف غالانت يسعى جاهدا لتحقيق مكاسب سياسية على حساب عرب النقب من خلال التحريض والمطالبة بإدراج تدابير وإجراءات تضمن هدم البيوت العربية وتحفظ الأراضي التي يتم إخلاؤها من العرب.

والمفارقة أن غالانت الذي يبدو مدافعا شرسا عن الالتزام بالقانون وتطبيقه هو الوزير ذاته التي ثبت تورطه في فضيحة الاستيلاء على الأراضي العامة من خلال الاحتيال والتزوير وتقديم بيانات كاذبة، ما دفع جمعية 'الحركة من أجل جودة السلطة' الإسرائيلية بالالتماس للمحكمة العليا ضد قرار تعيينه وزيرا آنذاك.

وقد اتخذ غالانت موقفا متشددا من الخطة، وطالب بإرجاء التصويت عليها حتى يتسنى إدخال التعديلات المطلوبة، وبدأ ينافس وزراء اليمين الآخرين باتخاذ مواقف أكثر تطرفا تجاه عرب النقب، وباشر منافسة أريئيل ذاته الذي يفتخر بأنه 'لا أحد يميني أكثر مني'.

وأرجعت تقارير إعلامية هذا السلوك الانتهازي لغالانت برغبته بالتملق والتزلف من اليمين ورئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، على وجه التحديد لضمان مستقبله السياسي وإيجاد بيت سياسي جديد يأويه، بعدما وصل تحالفه مع كحلون إلى طريق مسدود، وفقا لقراءات وتحليلات للحلبة السياسية في إسرائيل.  

من جانبه، ينتهز الوزير أريئيل الفرصة للظهور بمظهر 'الأخ الكبير' الأكثر اتزانا ورزانة، وظهوره بمشاعر الرأفة والتعاطف مع عرب النقب بعيدا عن السجالات السياسية الضيقة والمدفوع بحس المسؤولية، بعدما انكشف على حد قوله لواقع معاناة عرب النقب والحاجة الملحة لتحسين ظروف حياتهم. أريئيل هو الوزير ذاته الذي عارض مخطط 'برافر' لأنه 'سخي مع البدو أكثر من اللازم' والمكلف بسياسة تركيز عرب النقب في البلدات القائمة وأحد المسؤولين المباشرين عن عمليات الهدم اليومية التي يشهدها النقب وبلغ مجموعها أكثر من ألف عملية هدم في العام الماضي والتي اجتاحت النقب ولا تزال، وخلفت أكثر من 8 آلاف إنسان دون مأوى سنويا.

إذا استبعدنا وجود تغيير حقيقي على مواقف أريئيل وحصول مراجعات جوهرية على سياسته، فكيف تفسر تصريحاته الإعلامية والتسريبات التي يقوم بها بخصوص ضرورة إيجاد حل لمشاكل عرب النقب؟ هل هي للاستهلاك الإعلامي فقط؟ أم أنه لغاية في نفس يعقوب.

بات واضحا من المعلومات التي رشحت من مداولات الحكومة حول خطة التطوير الاقتصادي أنها لم تُعنى بالتطوير فحسب، بل تناولت تفاصيل من مخطط أريئيل المرتقب طرحه قريبا.

أريئيل عارض مخطط 'برافر' الذي تضمن منح العرب 170 ألف دونم من مجموع 589 ألف دونم قدم فيها عرب النقب دعاوى ملكية نهاية الستينات، وتسوية ما تبقى من دعاوى من خلال دفع تعويضات مالية، وفقا لتقارير إعلامية.

يقترح أريئيل اقتصار تسوية الدعاوى على دفع التعويضات المالية فقط دون إعادة أي أرض عربية إلى أهلها، وذلك بدفع مبلغ قدره 50 ألف شيكل للدونم مقابل 10 آلاف شيكل للدونم بموجب معايير وتقييدات صارمة.

يبرر أريئيل هذا الاقتراح بنقص الأراضي بعدما أقرت الخطة الاقتصادية بناء 25 ألف وحدة سكنية وسط شكوك أثيرت حول مدى جدية هذه التصريحات.

تجدر الإشارة أيضا إلى أن عرب النقب يطالبون بالاعتراف بملكيتهم على مساحة تقل نسبتها عن 5% من مجمل مساحة النقب مع العلم أنهم يشكلون أكثر من 33% من مجموع السكان.

يتضح أيضا من المعلومات أن أريئيل يطالب برفع سقف إقامة القرى مقارنة بمخطط 'برافر' من 500 عائلة إلى 700 عائلة، وفقا لمخطط اريئيل، مع العلم أن مخطط 'برافر' لم يأت صراحة على إمكانية الاعتراف بالقرى العربية بتاتا.

ويصف محللون هذا 'التصلب' في موقف أريئيل أنه انزياح وانجرار وراء مواقف غالانت المتشددة، أيا كانت القراءات، فالواضح أن عرب النقب سيبقون ضحية المزايدات والسجالات السياسية الإسرائيلية، وسط حالة من عدم اليقين بعدما تزايدت تهم الفساد الموجهة لنتنياهو وتكهنات بقرب موعد انتخابات برلمانية جديدة.

اقرأ/ي أيضًا | بروفيسور جبارين لــ'عرب ٤٨': البلدة العربية تتحول إلى 'غيتو'