لم تكن تجربة الموت والحياة من جديد مسألة سهلة، فقد عانى جريح يوم الأرض علي شلاعطة سحنين، من آلام شديدة إثر إصابته في رجله. يومها كان يعمل بشكلٍ مستقل، ويُشارك العمال في الرواح والغدو.

وقال شلاعطة لـ'عرب 48' إنه 'حين أعلن الإضراب من قبل رؤساء السلطات المحلية العربية، حيث صدر القرار من مدينة شفاعمرو، وحين عدتُ إلى البيت صففت سيارتي وخرجت نحو الساعة الثامنة مساءً، كان أهالي سخنين كلهم يقفون خارجًا وكأنّهم يقبضون على الجمر. تجمع النسوة والأطفال والشباب، كثيرون توجهوا نحو مركز بلدة عرابة، في ذلك اليوم حاولت والدتي منعي من النزول إلى الشارع، وصل الآلاف من سخنين إلى دوار الشهداء (اليوم). ومن بعيد رأينا سيارة أجرة، يطلب صاحبها النجدة، وتبين أنّ الشهيد هو خير ياسين، وصلنا سيرًا على الأقدام، أصبت قرب بلدية سخنين اليوم، وأتحدث عن إصابتي بعد 41 عامًا، كنتُ في حينه في الثانية والعشرين من عمري، أحد الشبان ألقى حجارة فأصابت الجيب العسكري، وفي نقطة معينة، أصبح هناك اكتظاظ في حركة السير، وبدأت المعركة الفعلية، في الشارع السُفلي حيثُ تقيم عائلة بدارنة، كان المواطنون يتمركزون قرب دوار الشهداء وحتى بيت محمد خليل الموسى وصولا إلى دار الرايق. كنت أتجول في المكان، حين رأيت الشهيد خضر خلايلة، رحمه الله، وكان الجنود وحرس الحدود يقفون على الشارع الرئيسي ومن جهة الشرق وتطوّق المكان، فطلبت القوات قوة أخرى من 'غولاني'، أصبحت منطقة الشرق كلها مطوّقة، نظرتُ إلى الخلف فرأيت المصفحات شمالا، بقيت ناحية الغرب مفتوحة أمامي، دخلت إلى مخبز، كانت المصفحات منتشرة في الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، بعد طلب النجدة، صعد الشباب على الأشجار، احترتُ بأمري: ماذا أفعل؟ 'الروح غالية' ومن الممكن أن يتم التعرُض لي، نظرتُ للمصفحة، أحد الجنود كان يحمل سلاحًا، كشفوا أمري فضربوني وأنا أركض، انفجر لغم في جسمي ومن شدة الألم جرجرت رجليْ وأسقطتُ نفسي أمام عتبة أحد البيوت، أطلقوا النار مرة أخرى فأصابت الباطون'.

وتابع مستذكرا تلك اللحظات، أنه 'وصلتُ إلى الساحة، قلتُ لأهل المكان: أنا فلان الفلان، ولم أعد استطع التحرك، قلتُ لهم: 'لو سمحتم أعلموا أهل بلدي، أنني حي، وبعدها لم أعد قادرًا على التحرك، وفقدت الوعي، لم أعرف أين إصابتي، وكانت الدماء تسيل، ثم عرفتُ لاحقًا، بعد ساعة ونصف كنت مطوقًا من الجنود، سحبوا المصفحات وفي الساعة الثانية والربع، انسحبوا، وجاءَ ثلاثة أشخاص من البلدة: صلاح أبو إسماعيل، يوسف العبد خلايلة وأبو علاء موسى محمد خليل موسى، بدأتُ أفقد وعيي من شدة الألم، قلت لهم: لو سمحتم خذوني إلى مستشفى عربي فأخذني شقيقي عثمان إلى الناصرة، في المستشفى كنتُ أصرخ من الألم، عرفتُ أنهم طلبوا وجبات دم، وعرفتُ لاحقًا أنّ عمة زوجتي حلوية الصالح، تلملم دمي بيديها، وتضعه جانبًا، وفي المستشفى تم الإعلان عن الحاجة إلى وجبات دم، ثم فقدتُ وعيي من جديد، والأمر احتاج لأشهر حتى تماثلت للشفاء'.

وأضاف شلاعطة أنه 'في تلك الأيام كانت الناس في غاية الطيبة، وأنا أتشرف بما قدمته عن طيب خاطر، ومئات المناضلين في مثلث الأرض ضحوا مثلي وأكثر. ولستُ الوحيد الذي أعطى، فهناك ضحايا دفعوا دمهم من أجل البقاء. لاحقًا بدأتُ أحرك رجلي، بعد أن كانوا سيقطعونها، إلا أنّ شقيقي عثمان رفض بشدة، أفتخر بإصابتي، وأبعث رسالة لكل إنسان في فلسطين أنّ شعبنا قدم الكثير، ولن ينسى يوم الأرض الخالد، الذي سقط فيه شهداء وجرحى حفاظًا على الكرمة والأرض والوطن'.

• هل تعرف الأجيال الجديدة عن يوم الأرض؟!

شلاعطة: يؤسفني جدًا أن هناك البعض من الناس لا يعرفون حتى أسماء الشهداء والجرحى، وهذا الأمر موجع ومؤلم، لا يعرف الجيل الجديد أننا ضحينا من أجل بقاء الأرض والحفاظ عليها، يؤلمني عدم المعرفة وعدم الشرح للجيل الجديد، سقط الشهداء من أجل الحفاظ على الأرض التي أطعمتنا وحمتنا من الجوع والخوف. ويؤسفني أنّ البعض تنازل عن أرضه، 'يا ريت سقط 100 شهيد' ولا بُنيت 'رفائيل' و'ترديون الصناعية'، وضعوا مصانعهم القاتلة قريبًا منا، كي نتحسر طوال حياتنا على ما خسرناه من شهداء وضحايا.

• يعتبر البعض من أهالي الشهداء أنّ هناك تقصيرا ملموسا من السلطات المحلية وبلدية سخنين بكل ما يتعلق بدعم عائلات الشهداء وزيارتهم طوال الوقت وليس فقط صبيحة يوم الأرض الخالد، ما هو رأيك؟

شلاعطة: بصدق أقول لم أتلقَ مساعدة من أحد، وأحمد الله على كل شيء، وعشتُ وسأعيش على لقمة الخبز بكرامة. نعم هناك تقصير، لكن آمل أن يتم الالتفات إلينا على أننا أهالي شهداء، نحنُ لا نريد المال، نريد الاهتمام والسؤال، دائمًا وليس بشكلٍ موسمي. وفقط في يوم الأرض تجري الزيارات لأهالي الشهداء ووضع أكاليل الورد، والأهم من كل هذا هو الصمود وتربية أبنائنا على روح الوطنية والطريق الشريف والحفاظ على الأرض والوطن، ليس في عرابة، سخنين ودير حنا، وإنما لدينا جميعًا. وآمل في الأعوام القادمة أن يُعلن الإضراب في يوم الأرض.

اقرأ/ي أيضًا | مشاركون: مسيرة يوم الأرض لم ترتق لمستوى الحدث