مضت 69 عاما على تهجير أهالي لوبية، تلك القرية التي كانت تضاهي بعدد سكانها صفورية المهجرة وطبريا القريبة، ولا تزال ذكريات الزمن الجميل في لوبية حاضرة بقوة في ذاكرة ابنتها، الحاجة زهرة عبد الرحمن عجاينة، بعد رحلة عذاب وصلت فيها العائلة إلى بنت جبيل في لبنان، وأمضت هناك شهورا طويلة، حتى عادت إلى عرابة، ومنها إلى المغار لتستقر أخيرا في قرية ديرحنا.

استذكرت الحاجة زهرة عبد الرحمن عجانية حياتها في لوبية، وقالت لـ'عرب 48' إن 'حياتنا في لوبية كانت جميلة، كنا نحب بعضنا البعض، كان بيتنا مشتركا مع بيت عمي مختار الحارة محمود الحسين عجاينة، في منطقة الرأس بالجهة الشمالية من لوبية، وكانت عندنا أملاك كبيرة، امتلك والدي 300 دونم من الأراضي الزراعية وقطيعا من المواشي، وكانت حالتنا الاقتصادية جيدة جدا، كنت طفلة أبلغ من العمر 8 سنوات في عام النكبة، أذكر تلك الأيام وحكايات لوبية وحاراتها والمنزول وهو بيت الضيافة ومكان تجمع كبار السن للتسامر. كنا ونحن أطفال نلعب أمام ساحة المصفة، أحببنا لوبية وعيشتنا كانت بسيطة للغاية، كنا فلاحين نزرع الأرض ونأكل مما تنتج أرضنا، لم تكن مدرسة للبنات بالقرية ولذلك لم أتلق الدراسة، ولكن كانت مدرسة للبنين نمر بجانبها في طريقنا للمراعي، كان بيت خالتي قريبا من المدرسة أيضا وكنت أزورها بشكل دائم'.

وتحدثت الحاجة عجاينة عن اعتداءات العصابات الصهيونية ومقاومة الثوار لهم، وقالت إن 'لوبية كانت مركز المقاومة لكل قرى المنطقة، وكان الثوار يأتون من القرى المجاورة في حين دارت المعارك بالمنطقة الشمالية للبلدة، وكنا نساعد النساء عند تزويدهن الثوار بالماء والطعام'.

وأشارت الحاجة عجاينة إلى التهجير، 'لا أذكر كيف هُجرنا من بلدنا تحديدا، بيد أنني لا أنسى مشهد عائلتي وهي تحزم أمتعتها وأغراضها على ظهور الدواب، ثم تهجيرنا حتى اللجوء إلى كروم بنت جبيل في لبنان، كنا نبيت تحت أشجار التين، مكثنا هناك لفترة زمنية فمرض والدي بشدة ونقل إلى مستشفى بيروت، فأوصانا الأطباء بالعودة إلى فلسطين وقالوا إن كتب له الشفاء سيكتب له في فلسطين وإن كتب له انتهاء الأجل فسيموت في وطنه، هكذا عدنا إلى منطقة قرب قرية الجش وأرسلنا إلى أقاربنا في عرابة بالأمر فأحضروا لنا حافلة أقلتنا إلى عرابة، وشفي والدي وعمّر حيث عاش 95 عاما'.

ومضت الحاجة عجاينة تروي تنقل عائلتها من مكان لآخر بعد اللجوء، 'مضت فترة قصيرة ثم سقطت عرابة، وصار اليهود يسألون عن أهل لوبية بعد احتلالها والتهديد بأن كل من يأوي شخصا من لوبية سيكون مصيره الموت ونسف بيته، هكذا لم يشأ والدي البقاء خوفا من أن يتعرض الأقارب في عرابة للأذى، انتقلنا إلى أنسبائنا في قرية المغار ومضت عدة أيام حتى احتلت المغار، وتكرر تهديد العصابات اليهودية لكل من يأوي أهالي لوبية، فاضطررنا للانتقال مجددا إلى دير حنا، ثم سقطت دير حنا أيضا بعد أيام وكان تسليم أهالي البلدة من قبل المخاتير عند الشعبة، لكن مخاتير دير حنا رفضوا معاقبة أي مهجر أو لاجئ وقالوا للضابط اليهودي إن هؤلاء غير مسلحين ولا علاقة لهم بمعارك لوبية، وهكذا تمكنا من البقاء في دير حنا كأهل وأحباب، والحقيقة أننا لم نشعر يوما بأننا مهجرين أو لاجئين بل أبناء هذا البلد، لكن الحنين إلى لوبية لا يتوقف فوالله إنني أحزن وأتألم كلما أمر قرب لوبية وأرى أرض والدي التي تصل حدودها إلى مستشفى 'بوريا'، ورغم أن ابني حسين لم يولد في لوبية إلا أنه يردد دائما 'سنعود يوما إلى لوبية' وهو يزورها أسبوعيا ولا ينقطع عنها أبدا'.

وعن سبب سؤال العصابات الصهيونية عن أهالي لوبية بالتحديد في كل مكان، قالت الحاجة زهرة عجاينة إن 'لوبية كانت قلعة صمود، شهدت معارك كبيرة تكبد فيها اليهود خسائر جسيمة، ورفض ثوار لوبية تسليمهم جثث قتلاهم في حينه. كانت لوبية قلعة مقاومة في المنطقة تركز قربها الثوار من البلدات العربية، وذاع صيت المقاومة في لوبية، وهكذا لاحق عناصر العصابات الصهيونية أهالي لوبية من قرية لأخرى فقد أرادوا الانتقام منهم بعد خراب البلاد، وتشتت الأهل في عدة دول عربية وأجنبية وبعضهم بقي في بلدات عربية في منطقة الجليل'. 

اقرأ/ي أيضًا | النكبة: هجرّوا الأهالي ودمرّوا الكابري في يوم واحد

اقرأ/ي أيضًا | البعنة: مشاركة واسعة في افتتاح أسبوع أفلام النكبة

اقرأ/ي أيضًا | غصة النكبة ونشوة الاستقلال