جلس بهجت خمايسي، يستذكر نفحات الانتفاضة الفلسطينية الثانية وأحداث هبة القدس والأقصى في قرية كفركنا، منذ لحظة اندلاع شرارتها الأولى وحتى لحظة استشهاد شقيقه، محمد.

17 عاما مرت على هبة أكتوبر، يوم أعتدى أريئيل شارون على حرمة القدس والأقصى، ما أشعل نيران انتفاضة الفلسطينيين الثانية، في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2000، فالغضب امتد على طول البلاد وعرضها لتخرج المظاهرات المنتصرة لحق الفلسطيني في أرضه، ليرتقي المئات من الشباب الفلسطيني، اختلطت دمائهم بدماء 13 شهيدا من الداخل قضوا برصاص الشرطة الإسرائيلية في الأيام الأولى للانتفاضة، في ما تصالح على تسميته فلسطينيو أراضي الـ48 "هبة القدس والأقصى". 

وتعالت الأصوات التي تطالب بالتحقيق في استشهادهم، لتشكل لجنة أور عام 2002 للتحقيق في أحداث الهبة وتقديم نتائج التحقيق للمحكمة، ولكن لغاية اليوم لم يصدر أي حكم يدين القاتل وينتصر للضحية.

بهجت خمايسي

ولم تكن الأحداث في قرية كفركنا نشازًا عما دار من مواجهات عمت معظم البلدات العربية في الداخل الفلسطيني، ودفعت ثمن انتصارها للحرية ورفضها للاحتلال بسقوط واحد من شبانها، الشهيد محمد غالب خمايسي، برصاص الأمن الإسرائيلي.

يتحدث خمايسي لـ"عرب 48" عما علق بالذاكرة من ذلك اليوم، فيقول: "أتذكره كما لو كان اليوم، يوم انطلقت المظاهرات تجوب الشوارع في البلدة تنديدا بانتهاك حرمة الأقصى، فقامت البلدة ولم تقعد".

وتابع "نزل محمد في اليوم الرابع للمشاركة في المظاهرات كأبناء جيله، ولكنه تأخر في ذلك اليوم بالعودة إلى البيت حتى دقت الساعة السابعة مساء، لحظة وصلتنا أنباء إصابته برصاص القناصة بركبته، عرفنا لاحقا من خلال التحقيقات بأن القناصة يتبعون لشرطة طبرية".

"نقلناه إلى المستشفى لإجراء عملية سريعة له، ولكن للأسف بسبب انفجار الرصاصة في رجله، دمر الجهاز العصبي مما أدى إلى استشهاده على الفور"، كما جاء على لسان شقيق الشهيد خمايسي لـ"عرب 48".

وأضاف "اليوم، وبعد 17 عاما، نتذكر مرارة الموت، مع كثير من الفخر، قدمنا شهيدا فداء لهذا الوطن، وهل هناك من هم أعز مقاما من الشهداء؟ إنه عزاء البلدة الوحيد، حالنا كحال باقي البلدات العربية التي قدمت أرواح أبنائها ثمنا للكرامة، لتعلم الأجيال اللاحقة معنى حب الوطن".

وأنهى قائلا: "كفركنا اعتادت دائما أن تقدم الغالي والنفيس من أرواحها شبابها، محمد شهيد الانتفاضة وتلاه العديد من المصابين الذين يعانون حتى يومنا هذا من إصاباتهم خلال الانتفاضة، وقبل 3 أعوام عادت القرية لتقدم شهيدا آخرا من أبنائها، نحن ككل الشعب الفلسطيني نعاني من قمع وعنصرية الحكومة الإسرائيلية، هي معنية بإزهاق أرواحنا كلما سنحت لها الفرصة دون محاسبة من أحد، كيف لا ولغاية الآن تقرير لجنة أور الذي حققت في أحداث أكتوبر، لم تمسسه محكمة".

إحياء ذاكرة طلابنا...

مرت الأعوام الـ17 سريعا، سقط خلالها 60 شهيدا قضوا برصاص الشرطة الإسرائيلية في أحداث مختلفة في بلدات متفرقة، الأمر الذي يعيد مؤشر ذاكرة الأجيال المتلاحقة دائما، للقضية الأم، قضية الاحتلال والاستعمار والتطهير العرقي والحق المسلوب، قضيتنا الفلسطينية، وواقع وجودهم في البلاد.

وعن إنعاش ذاكرة الأجيال الشابة، يقول رئيس اتحاد لجان أولياء الأمور في الناصرة، وائل عمري لـ"عرب 48": "لا شك أن عملنا في المدارس هو الأهم، فلدينا في المدارس 600 ألف طالب عربي، أي ثلث السكان العرب في البلاد هم طلاب، لذلك من المهم جدا أن نعمل مع هذه النسبة من الطلاب على بناء الوعي التاريخي، فهؤلاء الطلبة هم رجال المستقبل وقياداتنا المستقبلية، فنحرص على صقل الذاكرة وإحيائها من خلال النشاطات المختلفة".

وأضاف "من المؤسف أن هناك العديد من المعلمين غير مدركين لمسؤولية تمرير النشاطات التاريخية في المدارس، مما نعتبره تهربًا من المشاركة بالمسؤولية التي تقع على عاتقنا جميعنا في المقام الأول".

إحياء الذكرى الـ12 للهبة في سخنين (أ ف ب)

وختم قائلا "هناك توجهات من لجنة المتابعة ولجنة متابعة التعليم في البلاد بالتعاون مع اتحاد لجان أولياء الأمور، لإحياء ذكرى هبة أكتوبر، من خلال تمرير فعاليات مختلفة ومشاركة الطلاب في إعدادها، وهذا نحرص على تمريره على الدوام في المدارس العربية كل عام، وفي هذا العام أعلنت لجنة المتابعة العليا عن تخصيص أول حصتين من يوم أمس الإثنين لعمل برنامج إحياء الذاكرة في جميع أقطار البلاد".

غير أن المراقبون قالوا إن المشاركة الشعبية الهزيلة في المسيرة والمهرجان المركزيين إحياء للذكرى الـ17 لهبة القدس والأقصى في مدينة سخنين، الأول من أمس، الأحد، حالة الإحباط والتردي التي يعيشها العرب الفلسطينيون في أراضي الـ48، وأثارت التساؤلات حول عزوف الناس عن المشاركة في هذه الذكرى، وعزا البعض ذلك إلى عدم تطوير آليات النضال وسبل إحياء المناسبات الوطنية.

لم ترتق المشاركة لمستوى الحدث وحجم التضحيات التي قدمها الشهداء والجرحى والمعتقلون وعوائلهم، ولم يتجاوز عدد المشاركين في المسيرة ألفي شخص، بخلاف ما كانت عليه في السنوات الماضية.

هذا وخلافًا للسنوات السابقة، لم تشهد المدارس العربية إحياء للذكرى الـ17 للهبة يرقى لحجم التحديات التي يواجهها الفلسطينيون في أراضي 48.

اقرأ/ي أيضًا | مشاركون: مسيرة هبة القدس والأقصى لم ترتق للمستوى المطلوب