* تراجع العمل السياسي الحزبي على حساب المحلي العائلي ميزة أساسية لهذه الانتخابات

* ظاهرة على سلام تخفي استقطابا اجتماعيا فشل توافق الأحزاب ومرشحها في كسره

* على الأحزاب بلورة برامج إستراتيجيّة تربط المحلي بالوطني والسياسي بالعمل البلدي


أفاد تقرير للمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية - "مدار"، استند إلى تحليلات إسرائيلية أن نتائج انتخابات السلطات المحلية في إسرائيل، التي جرت يوم 30 تشرين الأول/أكتوبر 2018، دلّت بشكل عام على ضعف حضور الأحزاب.

وأشار التقرير إلى أنّ ضعفَ حضور الأحزاب في إسرائيل عمومًا، ينطبق أكثر فأكثر على السلطات المحلية العربية، التي لم تسجّل تقدمًا كبيرًا للأحزاب العربية في هذه الانتخابات، بينما سطع نجم مرشحي الحمائل والمرشحين المستقلين.

وجرت الانتخابات المحليّة في 250 بلدية ومجلسًا محليًا ومجلسًا إقليميًا، وتجاوزت نسبة التصويت القطرية %56، في حين جرت الانتخابات في 66 بلدية ومجلسا محليا عربيا، يقدر عدد أصحاب حق الاقتراع فيها بنحو 750 ألف شخص، وصلت نسبة التصويت 80% وفاقت في بعض البلدات الـ90%.

وبنظرة سريعة على النتائج، نلحظ أن أبرز معركة انتخابية جرت في مدينة الناصرة، حيث فاز المرشح المستقل علي سلام، الذي كان قد أطاح في الانتخابات الماضية برئيس البلدية السابق، رامز جرايسي، بعد أربعة عقود من تولي الجبهة لرئاسة البلدية، وفاز سلام بولاية ثانية بعد أن هزم المرشح التوافقي، رجل الأعمال وليد العفيفي، بفارق نحو 13 ألف صوت، فيما حصلت قائمته على غالبية مقاعد المجلس البلدي.

وفي أم الفحم لم يفلح التيار الذي كان محسوبا على الحركة الإسلامية الشمالية، وقائمته "البيت الفحماوي"، من الفوز بالجولة الأولى واستعادة رئاسة البلدية التي كانت الشمالية قد تنازلت عنها طواعية بعد أن أعلنت التوقف عن خوض الانتخابات عام 2013، حيث فاز المرشح الذي انشق عنها، الشيخ خالد حمدان برئاسة البلدية، على أن تجري الجولة الثانية بين مرشح البيت الفحماوي، د. سمير محاميد والشيخ خالد حمدان.

وفي مدينة شفاعمرو، فاز برئاسة البلدية المرشح المستقل المحسوب على السلطة، عرسان ياسين، على رئيس البلدية الحالي، أمين عنبتاوي، المدعوم من التجمع وأبناء البلد، والذي سبق أن تغلب في انتخابات 2013 على الرئيس السابق، والمرشح الذي تدعمه الجبهة، ناهض حازم.

كما شكلت خسارة رئيس اللجنة القطرية مازن غنايم في سخنين إحدى مفاجآت الانتخابات، بعد أن فاز د. صفوت أبو ريّا المدعوم من الجبهة، التي استعادت البلدية بعد عشر سنوات من الإطاحة بها من قبل غنايم، الذي كان مدعوما من التجمع الوطني الديمقراطي.

وفازت الجبهة برئاسة بلدية عرابة، كذلك، حيث استعاد مرشحها عمر نصار منصبه الذي فقده في الانتخابات السابقة، كما فاز مرشحها في كفر ياسيف، شادي شويري، على رئيس المجلس، عوني توما، وفاز مرشح الجبهة في عيلبون، سمير أبو زيد، على الرئيس الحالي، جريس مطر، المحسوب على التجمع، بالمقابل خسرت الجبهة رئاسة مجلس إكسال المحلي، ورئاسة المجلس المحلي في يافة الناصرة، لصالح مرشح التجمع، ماهر خليلية.

وفي كفر قاسم، فاز عادل بدير، المحسوب على الحركة الإسلامية الجنوبية بدورة ثانية، كذلك فاز مرشح أبناء البلد، سليم صليبي، بدورة ثانية في مجد الكروم.

وحول مؤشرات نتائج الانتخابات المحلية ودلالاتها وتأثيراتها على مجمل الساحة السياسية للداخل الفلسطيني، في ضوء المكانة الخاصة المرجوة من الحكم المحلي، كان هذا الحوار مع أستاذ الفلسفة في جامعة القدس والباحث في الشأن السياسي، د. سعيد زيداني.

عرب 48: ما هي أهم الاستخلاصات من مجريات ونتائج الانتخابات المحلية، وما هي أبعاد وانعكاسات هذه النتائج على ساحتنا الوطنية؟

زيداني: برز خلال الانتخابات المحلية ثلاثة نماذج تستحق التوقف عندها وتحليلها، النموذج الذي برز في المدن المختلطة يافا وحيفا واللد والرملة و"نتسيرت عليت"، حيث تداعت الأقلية العربية في هذه المدن وأفلحت في إدخال ممثلين عنها إلى البلديات، وهذا نموذج مصغر عن الأقلية الفلسطينية في إسرائيل التي تشارك في اللعبة الديمقراطية قطريًا للتعبير عن ذاتها السياسية، وإيصال من يمثلون مصالحها إلى الكنيست.

ما يميز هذا النموذج، إضافةً إلى عدم وجود البعد الحمائلي، هو وحدة الأحزاب في قوائم مشتركة في الغالب، وهي قوائم حققت نجاحات متفاوتة بعضها لا بأس به في عدد من المدن مثل اللد والرملة.

النموذج الثاني هو نموذج الناصرة، الأحزاب السياسية المدعومة من العائلات الأرستقراطية في الناصرة، مقابل علي سلام المدعوم من الأحياء الشعبية، وهو نموذج يذكر بالنموذج الذي قاده الليكود عام 1977 عندما حدث الانقلاب على حكم حزب العمل في إسرائيل، حيث كان الانقسام بين "النخبة الأشكنازية"، مقابل من وصفوا تحقيرا بـ"التشختشخيم".

في الناصرة، تم التعبير عن هذا الانقسام مجازًا في الانتخابات الماضية بـ"جماعة السوشي" مقابل "جماعة الرز واللبن"، وهو انقسام لم تنجح الأحزاب ومرشحها التوافقي، أو بسبب مرشحها التوافقي، في كسره وظل يلعب لصالح علي سلّام.

أما النموذج الثالث، وهو النموذج السائد في غالبية القرى والمدن، التي كانت قرى وصارت مدنا، والمتمثل بهيمنة العائلية والحمائلية مقابل الدور الثانوي للأحزاب، وحتى لو تحالفت في هذه الحالة العائلات مع أحزاب أو العكس، فإنّ العنصر المقرر في هذا النموذج هو ليس العنصر الحزبي، بل الوضع المحلي العائلي.

عرب 48: لا بد من أن أستوقفك هنا، لنستوضح معا أسباب تعزز ظاهرة العائلية والحمائلية من انتخابات إلى أخرى، عوضًا عن اضمحلالها، وهي ظاهرة برزت بأسوأ تجلياتها في الانتخابات الأخيرة؟

زيداني: العائلية ليست ظاهرة جديدة، فهي موجودة معنا منذ الخمسينيات، ولكن يجدر بنا الانتباه إلى بُعدين جديدين في هذه الظاهرة، الأول هو استبدال المخاتير بأصحاب الشهادات العليا والثاني استبدال الحالة التي كانت فيها العائلة تريد أن تثبت وجودها وكرامتها ومكانتها من خلال الحصول على رئاسة أو حصة في المجلس المحلي، بوضع باتت فيه القيادات من أصحاب الشهادات العليا، هي من تريد إثبات نفسها وجدارتها عن طريق استنهاض العائلة وتوظيفها في خدمة هذا الهدف.

وهذا فارق كبير يكمن في العقلية التي كانت تسعى إلى توظيف الإطار العائلي في خدمة الجماعة حتى ولو معنويا، وبين العقلية التي توظف الإطار العائلي والجماعة في خدمة الفرد أو المجموعة الصغيرة من الأفراد.

عرب 48: طبعا هذا التوظيف وهذا النهوض يتعززان في ظل غياب العمل الوطني وأدواته السياسية المتمثلة بالأحزاب؟

زيداني: العائلية والانتماءات المرافقة والمشابهة لها ظاهرة موجودة في المجتمعات الريفية والقروية في العالم كله، السؤال كيف يتم التعاطي معها سياسيًا، والإجابة تختلف في حال وجود أو غياب أحزاب سياسية ونجاحها في النفاذ إلى الساحات المحلية ونوع العلاقة بينها وبين التركيبات الاجتماعية القائمة.

ويمكن القول في هذا السياق، إنّه رغم التحفظ على التحالفات التي صنعت بعد يوم الأرض 76، وأدت إلى تغيير سياسي في مجالسنا المحلية، فإنّ العنصر والنَفَس الوطني السياسي كان هو المهيمن في حينه، وبتعبير أكثر فجاجة يمكن القول لقد تحول الوضع من حزب لديه عائلة إلى عائلة لديها حزب.

عرب 48: عودة إلى الناصرة التي شكّلت مفتاح التغييير في حينه، بحدوث الانقلاب المشهود عشية يوم الأرض، وفوز توفيق زياد برئاسة البلدية في الانتخابات التي جرت عام 1975، ماذا جرى؟

زيداني: لسنا بحاجة إلى كثير من التفقّه لنعرف من هي الفئات التي صنعت التغيير عام 1975 وقادت توفيق زياد لرئاسة البلدية، كما أن ما جرى في الناصرة في الانتخابات الماضية شبيه بما حدث في دول الكتلة الشرقية، حيث قالت الناس كفى للجبهة بعد أربعين عاما، وعندما حاولت العودة في هذه الانتخابات عن طريق المرشح التوافقي قالوا لها لم يحن الأوان لذلك، كما أنه حريٌّ بالأحزاب خاصة التي تقول إنها يسارية أن تعيد النظر في تموضعها وتحالفاتها.

عرب 48: الجامع بين نموذج الناصرة وسائر القرى والمدن العربية في هذه الانتخابات هو غياب القضايا والبرامج السياسية؟

زيداني: صحيح، في جميع الحالات غاب عن الانتخابات العنصر القطري السياسي، فلم تكن القضايا الوطنية في الصدارة، ولم يكن لها تأثير عليها، وكأننا وضعنا هذه القضايا جانبا وركزنا على القضايا المحلية.

وفي الحقيقة، فإنّ الحلقة المفقودة والقضية التي يجب أن تؤرقنا جميعا هي عملية الربط بين الوطني والمحلي، فنحن نعرف أنّ غياب الأحزاب له علاقة بغياب البرامج، التي، وإن وجدت، لم تكن هي محور النقاش والاهتمام.

عرب 48: بدا وكأن الأحزاب ليس لديها ما تقدّمه، وحيثما تواجدت انساقت وراء النقاش والصراع محلي الطابع، كما حدث في الناصرة مثلا؟

زيداني: في مستوى الحكم المحلي، الصراع هو على الوظائف والموارد، وكلما كانت هذه الموارد شحيحة كلما كان الصراع حولها أشد، وهذا الصراع يعبر عن نفسه بطريقتين، الأولى بنسبة التصويت العالية جدًا، والثانية بمظاهر العنف التي رافقت هذه الانتخابات.

بالمقابل، فإنّ الأحزاب السياسية لم تستطع لأنها في المعارضة الأبدية (المقصود على مستوى الدولة) لا يوجد لديها برامج أو خطط تقدمها للناس، برامج تربط بين الوطني والمحلي وتستجيب للقضايا الحارقة في مجالات البناء والتخطيط والتعليم والصحة والبنية التحتية وغيرها.

عرب 48: مثل تلك البرامج التي تربط بين الوطني والمحلي تستطيع الأحزاب بلورتها حتى لو كانت في "المعارضة الأبدية" كما تقول؟

زيداني: يمكن ذلك ولكن الموضوع يحتاج إلى مبادرة في مجالات متعددة، كالتخطيط والتعليم والصحة وغيرها وعدم الاكتفاء بصيانة ما هو موجود، مثلًا بلورة اقتراح إقامة مدن عربية جديدة لحل أزمة السكن أو إقامة جامعة عربية لحل مشكلة التعليم العالي أو إقامة مشاريع اقتصادية لحل مشكلة البطالة بين النساء خاصة.

مثل تلك المبادرات هي حلقات الوصل بين الوطني والمحلي وبين السياسي واليومي، وهي القادرة على نقل زمام المبادرة إلى الأحزاب والتخفيف من حدة النزعات العائلية والطائفية والمظاهر الفردانية.

اقرأ/ي أيضًا | كرامة وخدمات


د. سعيد زيداني: أستاذ الفلسفة في جامعة القدس وباحث في الشأن السياسي.