* بوصلة إسرائيل العسكريّة تتجه نحو الشمال، وتعيين كوخافي يضعها على حافة الاشتباك 

* غانتس سيضم المزيد من الجنرالات وسينتهي وزيرًا للأمن في حكومة نتنياهو 

* طيبي يشكل نقطة توازن بين الخطاب الوطني المبتور وحالة الأسرلة 


في خضم السباق الانتخابي الذي يضاف إلى مشاغله رئيسًا لحكومة مثقلًا بأربعة ملفات جنائية، فرّغ بنيامين نتنياهو نفسه للمشاركة، بصفته وزيرًا للأمن، في مراسم تعيين رئيس جديد للجيش الإسرائيلي، خلفا لغادي آيزنكوت، هو الجنرال أفيف كوخافي.

كوخافي، الذي أشغل عدة مناصب في الجيش الإسرائيلي، بينها رئيس الاستخبارات العسكرية "أمان"، وقائد الجبهة الشمالية، غطى حضوره الإعلامي بالزي العسكري على جنرالات الاحتياط الذين تزخر بهم الساحة الانتخابية، مثل بيني غانتس وموشي يعالون ويوآف غالانت، وصولا إلى غابي أشكنازي وإيهود براك.

وتعزّز كثرة الجنرالات، رغم ضعف تأثيرهم الانتخابي، الخطاب الأمني العسكري الذي يطغى على هذه الانتخابات، ويشكّل سمتها الأساسية، كما يقول د. فادي نحاس، أستاذ العلوم السياسيّة والباحث في المجال الأمني العسكري الإسرائيلي.

وحول الانتخابات الإسرائيلية، المركبات والخطاب ودلالات تعيين كوخافي الخاصة بوجهة إسرائيل الأمنية والعسكرية، كان هذا الحوار مع د. فادي نحاس.

عرب 48: جاء طقس تعيين كوخافي منسجما مع أجواء اللعبة الانتخابية، وأضاف إليها "بطلًا حقيقيًا" أضفى عليها البعد الواقعي الذي كان ينقصها، كيف تفهم ذلك؟

نحاس: من الواضح أن الخطاب اليميني الأمني - العسكري هو الخطاب المسيطر على المعركة الانتخابية الإسرائيلية، وهو المظلة التي يجري تحتها النقاش والجدل الانتخابيان، الذي حيّد حتى أحزاب يسار الوسط والوسط، أمثال حزب العمل وحزب يائير لبيد، لينحصر النقاش السياسي بين الليكود وحزب الجنرال بيني غانتس.

الميزة الأخرى التي تبرز في هذه الانتخابات، والتي لها دلالاتها، أيضًا، هي تزاحم هذا الكم غير المسبوق من الجنرالات. فإضافةً إلى الجنرال غانتس، الذي قاد في حينه عملية "الجرف الصامد" ضد قطاع غزة، هناك الوزير السابق الجنرال يوآف غالانت، الذي انشق عن حزب "كولانو" وانضم إلى الليكود، ووزير الأمن الأسبق، الجنرال موشي يعالون، والجنرال غابي أشكنازي، ومن وراء الكواليس رئيس الحكومة الأسبق، الجنرال إيهود براك، أيضًا.

في هذه الأجواء جاء تعيين الجنرال كوخافي قائدًا لأركان الجيش الإسرائيلي ليضع الانتخابات الإسرائيلية أمام الوجهة واليافطة الحقيقية التي تجري تحتها، وهي وجهة مهّد لها ورسمها بعناية بنيامين نتنياهو منذ أشهر عندما "خفّض مستوى اللهب في الجنوب" ووجه البوصلة نحو الشمال.

وأعتقد أنه مع تعيين الجنرال كوخافي، فإنّ إسرائيل تتجه نحو تعزيز التعاون الأمني والاستخباري مع دول الخليج ومصر، الذي يضطّلع فيه كوخافي بدور كبير، إلى جانب عقيدة الضربات الاستباقية التي يمتاز بها. وأعتقد أن كوخافي سيضع الجيش الإسرائيلي على حافة الاشتباك، خاصة على الجبهة السورية.

ترشّح غانتس أربك الساحة السياسية الإسرائيليّة (رويترز)

كوخافي يؤمن أكثر بالحرب الاستباقية وبالقوة المفرطة وهو قادم من وحدة المظليين وقريب من عقلية براك وقائد الأركان خلال حرب لبنان الثانية (2006)، الجنرال دان حالوتس، وذلك بعكس غادي آيزنكوت، الذي تبنّى وحافظ على حالة "حرب بين الحربين".

عرب 48: أنت تقول إنّ البوصلة العسكرية الإسرائيلية تتجه نحو الشمال، ولكن في الواقع الصواريخ تسقط في الجنوب.

نحاس: في حالة قطاع غزة هناك ردع متبادل، كما أن حالة الانقسام الفلسطيني وتثبيت اتفاقية أوسلو مع السلطة الفلسطينية يوفّرا حالة من التهدئة المتبادلة بين الطرفين.

المناوشات بين حماس وإسرائيل تراوح في مطالبها بين التهدئة والهدنة، كما أنّ العدوان الأخير على غزة، أي "الجرف الصامد"، انتهى بتفاهمات واضحة بين إسرائيل وحماس والسلطة الفلسطينية برعاية مصرية، ولا أرى أي تغيير على هذا الصعيد. كما أن إسرائيل أدركت أن العملية الأخيرة وما جرّته من رد فعل فلسطيني، كانت نوعا من الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي، رضيت إسرائيل بدفع ثمنه بسكوتها على رد الفعل الفلسطيني، ولا أرى أي تغيير في قواعد الاشتباك.

إسرائيل تدرك أنّ غزة منطقة محاصرة تعاني من مشاكل كبيرة على الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية، بفعل الحصار الإسرائيلي والضبط المصري والانقسام الفلسطيني، وأنها تفتقر إلى عمق إستراتيجي، وهي أمور تشكل ضمانات موضوعية وفعلية لإسرائيل بالنسبة لهذه الجبهة.

وبرأيي، فإنّ قائد الأركان المنصرف، غادي آيزنكوت، نجح في ترسيخ هذه المعادلة وفي امتصاص ردود الفعل القادمة من خلال تجاوزه لامتحان مسيرات العودة والبالونات الحارقة ورد الفعل الأخير على العملية العسكرية الإسرائيلية الفاشلة داخل القطاع. إسرائيل ترى في القطاع خطرًا آنيًا، ولكن ليس تهديدا إستراتيجيا.

عرب 48: واضح أنّك تلمح للجبهة الشمالية وإيران؟

نحاس: إسرائيل ترى في إيران خطرًا إستراتيجيًا، وفي حزب الله خطرًا فعليًا، ويقلقها جدًا الحضور الإيراني في سورية، وأعتقد أنّ هذه "الأخطار" هي الموجّه للحملة الانتخابية الحالية، التي يتزاحم فيها الجنرالات والخطاب العسكري الأمني، الذي يحيد ويهمش جميع الخطابات الأخرى.

نحن نشاهد "تحطّم حزب العمل" صاحب أجندة بقايا أوسلو وتراجع حزب يائير لبيد الذي يحمل أجندة علمانية- ديمقراطية وكاحلون وليفي أبو قسيس، اللذين يحملان أجندةً اجتماعية، وحتى الخطاب القومي الديني لشاكيد وبينيت، يتضاءل أمام الخطاب الأمني العسكري الذي يسيطر على الساحة الانتخابية الإسرائيلية، بتناغم بين الليكود بزعامة نتنياهو والجنرالات الذين يتقدمهم غانتس.

لقد نجح نتنياهو على مدى سنوات في بلورة هذا الخطاب الذي وضع الهاجس النووي الإيراني كخطر وجودي في عقلية الإسرائيليين، وهو خطاب يرى أنّه بعد انسحاب أميركا من الاتفاق النووي، الذي رفضته إسرائيل، قد تنضج ظروف لعملية عسكرية أميركية ضد النووي الإيراني، وأنّ إسرائيل يجب أن تكون جاهزة لأخذ دورها وتلقي قسطها، في هذه العملية ومنها.

الجدار الإسرائيلي على الحدود اللبنانية (أ ب)

ونستطيع أنّ نجمل هذا الخطاب بمركباته الثلاثة: ضربات استباقية ضد الحضور الإيراني في سورية قد تصل حد الاشتباك، الاستعداد لعملية واسعة ضد حزب الله في لبنان، وانتظار وربما المساهمة في إنضاج ظروف لعملية عسكرية أميركية ضد إيران.

عرب 48: إذا كان هذا هو الحال الانتخابي الإسرائيلي، فإن النتيجة ستكون انضمام غانتس لحكومة نتنياهو المقبلة وزيرًا للأمن؟

نحاس: هذا سيناريو أكثر من محتمل، ونحن نرى أن غانتس، إلى جانب رفضه حتى الآن لطلب زعيم حزب العمل، آفي غاباي، الالتزام بعدم الانضمام لحكومة نتنياهو القادمة، فهو يواصل محاولات ضمّ الجنرالين يعالون وأشكنازي، الأمر الذي سيصبغ حزبه بطابع يميني أمني أكثر وضوحا ويبعده عن ساحة الوسط، هذا ناهيك عن أن غانتس، كعسكري، هو رجل مهمات وليس رجل سياسة، ولذلك لا يستطيع الجلوس في المعارضة، وقد اختبرنا ذلك عند أسلافه براك وليبكين شاحاك ويتسحاق مردخاي وغيرهم. 

نتنياهو يعرف أن تصاعد حدة الخطاب الأمني يخدمه انتخابيا وشخصيا في قضايا وملفات الفساد التي تنتظر الحسم، وهذا التصاعد سيزداد كلما احتدمت المعركة الانتخابية واقترب موعدها.

عرب 48: من الواضح أنّ القضية الفلسطينية غير مطروحة على البساط الانتخابي وباتت خارج السياق الإسرائيلي؟ 

نحّاس: تحييد القضية الفلسطينية بدأ مع بداية الأزمات في العالم العربي، ونحن نشهد اليوم توافق مصالح أمنية "إستراتيجية" بين إسرائيل والعديد من الدول العربية، أبرزها دول الخليج بقيادة السعودية ومصر بقيادة السيسي، ولن أقول إنّ هذه العلاقات ستخرج للعلن بشكل فاضح، ولكنها وصلت مع مصر مثلًا إلى أعلى درجات التنسيق الأمني والعسكري، وسيصل هذا التعاون الأمني والعسكري مع الخليج والسعودية إلى هذا المستوى، كلما احتدم الخلاف الأميركي مع إيران.

إسقاط تلك الدول وغالبية الدول العربية للقضية الفلسطينية من رأس جدول أعمالها، ناهيك عمّا خلّفه أوسلو من تداعيات وانقسام، حيّد القضية الفلسطينية عن سلم الأولويات الإسرائيلي، وأضعف تأثيرها على سير ونتائج الانتخابات الإسرائيلية. 

عرب 48: بالانتقال إلى ساحتنا نحن، ندرك أنّ نتنياهو لا يحتاج هذه المرة إلى تحريض من نوع "العرب يهرولون"، الذي استخدمه في الانتخابات السابقة، لأنه أكثر ارتياحًا، كما أن تأثير الصوت العربي على النتيجة أقل حسمًا، وهو ما يحول المعركة إلى داخلية بعد انسلاخ عضو الكنيست، أحمد طيبي، عن القائمة المشتركة وقراره خوض الانتخابات بقائمة مستقلة، ما يفتح الباب، ربما، أمام سيناريوهات متعددة؟

نحاس: من الواضح أنّ تأثير الأحزاب العربية على السياسة الإسرائيلية في تضاؤل مستمر منذ سنوات، ليس فقط بسبب نزع الشرعية عنهم بل بسبب انزياح الساحة السياسية نحو اليمين أيضا، وباعتقادي أنه كان من المفيد لو أن الأحزاب العربية أجرت مراجعة لموقف المشاركة في انتخابات الكنيست، خاصة في ضوء "قانون القوميّة" العنصري.

بعد انسلاخ الطيبي، سيتحول "الصراع" إلى صراع داخلي، كما قلت، ولكن السؤال هل سيلامس هذا الصراع طبقات المجتمع أم هو يجري في البنى الفوقية ذات المصلحة فقط. برأيي، إن القائمة المشتركة لا تحاول حتى توضيح المشهد الانتخابي الإسرائيلي للناخب العربي، كما أنّ مجتمعنا دخل في حالة عزوف عن السياسة.

كوخافي ونتنياهو في أول اجتماع بينهما (مكتب الصحافة الحكومي)

أنا لا أقول إن الأحزاب والقائمة المشتركة هي السبب الوحيد في عزوف الناس عن السياسة، ولكنها أحد الأسباب في ذلك، فالقائمة المشتركة انشغلت في قضايا الأداء وتجاهلت الخطاب والتثقيف السياسي، وأستطيع القول إنّنا دخلنا بعد الانتخابات المحلية في حالة انفصام (شيزوفرينيّا) بين المصالح الفردية والشخصية وبين الموقف السياسي العام.

عرب 48: ماذا تقصد بحالة الانفصام ومن تخدم؟

نحاس: بدون شك، إن حالة الانفصام تلك تخدم نهج ومسيرة الأسرلة، فهناك تآكل في القيم والمبادئ السياسية والاجتماعية الوطنية على حساب المصالح الفردية والمنافع الشخصية، التي تقضم بهويتنا الجمعية وترجماتها المختلفة. لقد دخل مجتمعنا في طور الخطر الوجودي بعد تداعي الأمن الاجتماعي والشخصي وشيوع حالة الاغتراب الاجتماعي وسقوط المؤسسات التعليمية. 

ويبدو أنّ الانسلاخ عن القائمة المشتركة يدخل ضمن هذا المفهوم، وأقصد الشخصنة والفردانية و"المكيافيليّة" التي تعتمد مقولة الغاية تبرر الوسيلة، وأعتقد أن أحمد طيبي هو الابن الشرعي للأسرلة الجديدة، فهو يشكل نقطة توازن بين الخطاب الوطني المبتور وبين الانغماس في حالة الأسرلة. 


د. فادي نحاس: باحث في العلوم السياسية، مختص في المشهد الأمني - العسكري الإسرائيلي. محاضر في الكلية الأكاديمية "بيت بيرل" وباحث مشارك في "مدار" المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيليّة - رام الله