قصة معارك الأيام العشرة في منطقة الجليل الأعلى ١٩٤٨


دخلت الهدنة الأولى في ١١ حزيران/ يونيو ١٩٤٨، بعد أن استطاع الجيش السوري أن يحقق بعض الانتصارات، بعد الخسارة الفادحة في معركة "دچانيا أ" و"دچانيا ب"، حيث اضطر بعدها للانسحاب من المناطق الفلسطينية التي سيطر عليها بعد دخوله إلى فلسطين في ١٥ أيار/ مايو ١٩٤٨، خاصة سمخ ومستعمرة "شاعَر هچولان"، عائدا إلى غرب الأردن، ثم انطلق شمالا وقطع نهر الأردن جنوب بحيرة الحولة، عن طريق جسر بنات يعقوب، واحتل بعدها مستعمرة "مشمار هياردين" (كعوش)، من أجل استعمالها كرأس جسر للانطلاق إلى مستعمرة "روش بينا" (بجانب الجاعونة) واحتلالها. (أنظر/ي الحلقة ١٩/٢ بعنوان معارك الجيش السوري في فلسطين قبل الهدنة الأولى).

دخلت الهدنة، وسدت الطريق على الجيش السوري المندفع غربا، مما أعطى الدولة الصهيونية إمكانية تحضير جيشها، من أجل خوض معارك أكثر تنظيما في مواجهة الجيش السوري، حالما تنتهي الهدنة.

مع نهاية الهدنة في التاسع من تموز/ يوليو ١٩٤٨، كانت القوات السورية في الجليل الأعلى الشرقي، مكونة من لواءين، أحدهما يتمركز عند رأس الجسر عند مستعمرة "مشمار هياردين"، معززا بوحدات مدرعة، تحتوي على دبابات من نوع "رينو"، وبطاريات مدفعية؛ أما اللواء الثاني فيسيطر على خط بجانب نهر الأردن من ناحيته الشرقية. وكان خط الإمدادات الوحيد للجيش السوري يمر عبر شارع دمشق – القنيطرة.

الصهاينة يتحضرون للهجوم: حملة "بروش"

قررت قيادة الجيش الصهيوني أن تقوم بمهاجمة القوة السورية المسيطرة على مستعمرة "مشمار هياردين" (كعوش)  وتل الريش، ومحاولة دحرها إلى خارج حدود فلسطين، أي إلى ما بعد نهر الأردن شرقا. وتقرر ان تسمى الحملة العسكرية باسم حملة "بروش"، ويتم تنفيذها بعد انتهاء الهدنة الأولى مباشرة، من أجل استباق أي محاولة سورية لبدء هجوم من أجل التقدم باتجاه الغرب.

وخلال الهدنة الأولى، كانت القوات الصهيونية المتمركزة في مواجهة الجيش السوري، عبارة عن كتيبة ٢٣ من لواء "كرملي"، وكتيبة ٩١ من لواء "عودد". عند اقتراب موعد نهاية الهدنة، تم نقل الكتيبة ٢٢ من لواء "كرملي" من مستعمرة "الياچور" بجانب حيفا، إلى كروم الزيتون بجانب مستعمرة "روش پينا" لتتحضر لساعة الصفر. كذلك تم نقل الكتيبة ٢٤ من لواء "كرملي" من جبل الكرمل، إلى مستعمرة "محانايم"، وتقرر أن تكون الكتيبة ١٣ من لواء "چولاني"، والمتمركزة في معسكر للجيش اسمه "چدعون"، بجانب بيسان، قوة احتياطية لوحدات "كرملي" و"عودد" المشاركة في الهجوم.

كان هدف حملة "بروش" هو القضاء على رأس الجسر السوري عند "مشمار هياردين"، بواسطة تنفيذ هجوم ليلي على القوات السورية، التي يظهر أنها كانت تخطط لهجوم عسكري حال انتهاء الهدنة، ولكن الخطة الصهيونية استبقت هذا التخطيط، حيث أن الجيش السوري كان يهاجم نهارا، كباقي الجيوش العربية، أما القوات الصهيونية فكانت تستغل جنح الظلام لتنفيذ هجماتها ليلا، وإخفاء تحركاتها عن الطرف المعتدى عليه، مستغلة عنصر المفاجأة الذي يجسر الهوة بين قدرات القوة الصهيونية مقابل الجيش العربي.

كانت خطة حملة "بروش" تقضي بعبور الكتيبتين ٢٢ و٢٣ من لواء "كرملي"، نهر الأردن وبحيرة الحولة غربا، إلى داخل الأراضي السورية، من خلف الجناح اليميني للجيش السوري، ومن ثم تقوم الكتيبتان بالتحرك جنوبا حتى شارع جسر بنات يعقوب- القنيطرة، واحتلال خربة دريجات وخربة جلبينة القريبتين من مقر الجمرك السوري، ومن ثم احتلال مقر الجمرك نفسه، ونسف طريق القنيطرة وزرع ألغام فيه، لمنع وصول الإمدادات إلى القوات السورية، وعزلها عن قواعدها في القنيطرة. في نفس الوقت كان على الكتيبة ٢٤ من لواء "كرملي"، وكتيبة ١١ من لواء "عودد"، أن تهاجما القوة السورية المتمركزة عند رأس الجسر في "مشمار هياردين" من أجل مشاغلتها عن الهجوم الأساسي من ناحية الشرق.

انطلاق حملة "بروش" فور انتهاء الهدنة

تحددت ساعة الصفر عند الساعة ٢٢:٠٠ من ليلة ٩-١٠ تموز/ يوليو ١٩٤٨، على أن تتحرك كل القوات المشاركة في الهجوم في نفس الوقت كل حسب الخطة المنوطة بها، وقبل انطلاق الهجوم ابتدأت المدفعية الصهيونية بقصف القوات السورية، المرابطة في تل الريش بجانب "مشمار هياردين".

تقدمت السرية الأولى من الكتيبة ٢٣/ "كرملي" نحو تل المعبرة، جنوبي بحيرة الحولة، واستطاعت احتلاله حتى الساعة ٠٤:٠٠ صباحا، حيث أن القوة السورية المتمركزة على التل كانت قد انسحبت بسبب كثافة القصف المدفعي الذي سبق الهجوم.

السرية الثالثة من الكتيبة ٢٣/ "كرملي"، تقدمت عند منتصف الليل بقرب مزرعة الخوري المحاذية لبحيرة الحولة من الجنوب، وقطعت نهر الأردن بواسطة قوارب أحضرت من مستعمرة "خولتا"، وهاجمت خربة دريجات، واستطاعت احتلالها عند الساعة ٠٢:٥٠، بعد انسحاب القوة السورية منها، بفعل المفاجأة.

أما السرية الثانية من كتيبة ٢٣/ "كرملي"، فقد تمركزت في مستعمرة "دردرة" شرقي بحيرة الحولة منذ صباح التاسع من تموز/ يوليو ١٩٤٨، وعند بدء الحملة انطلقت باتجاه خربة جلبينة، وفِي طريقها احتلت التلة المشرفة على "دردرة"، واحتلت البيت الأسود المحاذي للتلة، بعد مقاومة ضعيفة من القوة السورية التي انسحبت متفاجئة، واستمرت القوة الصهيونية إلى خربة جلبينة واحتلتها.

في نفس الوقت تحركت الكتيبة ٢٢/ "كرملي"، من "روش بينا"، إلى مستعمرة "خولتا" وثم عبرت مزرعة الخوري، وكان عليها أن تعبر نهر الأردن، بواسطة إقامة جسر طوافات  تعبر منه الجيبات المحملة بالأسلحة، ولكن الجيش السوري ابتدأ بقصف القوة التي تقيم الجسر بواسطة المدفعية، مما منعها من إتمام مهمتها، فتقرر أن تنسحب الكتيبة ٢٢/ "كرملي" قبل طلوع الفجر، على أن تعود في مساء اليوم التالي لإتمام مهمتها، وأن تبقى الكتيبة ٢٣/ "كرملي" في المواقع التي احتلتها. 

بالتوازي مع حركة الكتيبتين ٢٢ و ٢٣ من "كرياتي"، قامت سرية من الكتيبة ٩١/ "عودد" بالتحرك من مستعمرة "محانايم"، باتجاه التلة رقم ٢٥٩ وهاجمت التلة ٢٤٣ الواقعة جنوبي خربة يردا، واحتلتها بعد معركة قصيرة، وكان على القوة أن تستمر باتجاه خربة كراد البقّارة، ولكنها لم تستطع ذلك بسبب هجوم مضاد سوري على التلة ٢٤٣، ولكنها استمرت بالحفاظ عَلى مواقعها حتى الصباح.

الكتيبة ٢٤/ "كرياتي"، هاجمت التلة رقم ٢٢٣ جنوبي خربة إربد، واحتلتها بعد انسحاب القوة السورية إلى "مشمار هياردين".

هجوم سوري مضاد في النهار

عندما أصبح يوم العاشر من تموز/ يوليو ١٩٤٨، كان الجيش السوري قد خسر جميع مواقعه، ما عدا مركزه الرئيسي في "مشمار هياردين" وخربة كراد البقّارة، ولذلك لم يكن باستطاعته أن يبقي الوضع على ما هو عليه، وكان عليه أن ينفذ هجوما مضادا من أجل استعادة السيطرة على الموقف.

ابتدأ الهجوم السوري في الصباح الباكر، بقصف مدفعي شديد على كل المواقع الحساسة التي سيطر عليها الصهاينة في تلك الليلة. كان للقصف المدفعي تأثير كبير على القوات الصهيونية، إذ لم يكن بإمكانها أن تتخندق في موقعها قبل الهجوم، وكان مدى المدفعية الصهيونية أقصر من مدى المدفعية السورية.

بعد القصف المدفعي، تقدمت القوات الراجلة السورية بمقدار كتيبة لكل موقع، فالهجوم كان بثلاثة رؤوس، كتيبة باتجاه التلة أو المخفر ٢٤٣، وكتيبة باتجاه خربة يردا وتل المعبرة، وكتيبة باتجاه مزرعة الخوري ومستعمرة "خولتا". كانت الدبابات والمصفحات تتقدم القوة المهاجمة، ويأتي خلفها المشاة، كذلك شاركت ست طائرات عراقية في هذه الهجمات، والتي كانت تطلق قذائفها ونيران مدافعها الرشاشة، ثم تذهب للتزود بالوقود والذخيرة، وتعود بعدها إلى أرض المعركة. كانت الخسائر الصهيونية كبيرة، وعبثا حاولت هذه القوات أن تصمد أمام الدبابات السورية، ولكنها أخفقت في ذلك، فانسحبت أولا القوة المرابطة على التلة رقم ٢٤٣، فاسترجعتها القوة السورية، وتقدمت نحو خربة يردا واحتلتها، وكانت هذه بيد القوات الصهيونية قبل انتهاء الهدنة. استمرت القوة السورية في تقدمها حتى تمكنت من استرجاع التلة رقم ٢٢٣ حتى ساعات بعد الظهر. 

قوة سورية أخرى، هاجمت القوة الصهيونية في خربة دريجات، واضطرتها إلى الانسحاب باتجاه خربة جلبينة، وهناك هاجمتها القوة السورية المندفعة، واضطرتها إلى الانسحاب بعد قتال شديد استمر حتى المساء. كذلك تعرضت القوة الصهيونية في تلة المعبرة إلى هجوم بالدبابات والمشاة، وحصلت القوة الصهيونية على دعم كبير من القوات المتمركزة في مزرعة الخوري، وعلى مساندة المدفعية المنصوبة في المنطقة، ولكن القوة الصهيونية انسحبت أخيرا إلى مزرعة الخوري، وهنا توقفت القوة السورية ولَم تتقدم باتجاه مستعمرة "خولتا".

عند المساء كان الجيش السوري قد استرد كل ما خسره في الليلة الماضية، بل إنه استطاع أن يسيطر على مناطق لم يكن مسيطرا عليها قبل انتهاء الهدنة مثل خربة يردا.

معارك متفرقة في الأيام القادمة

أحبط الهجوم المضاد السوري كل الخطط الصهيونية للسيطرة على الأوضاع في هذه المنطقة، والقضاء على الوجود السوري فيها، ولذلك كان التحرك الصهيوني في ليلة ١٠-١١ تموز/ يوليو ١٩٤٨ محدودا، واقتصر على إحضار الكتيبة ١٣ / "چولاني" إلى المنطقة، وقامت هذه بمهاجمة خربة يردا واحتلتها، بعد معركة قصيرة.

في ساعات ظهر ١١ تموز/ يوليو ١٩٤٨، قامت القوات السورية بمهاجمة مستعمرة "دردرة" التي كانت المستعمرة الوحيدة من الناحية الشرقية لبحيرة الحولة، وأمطروها بقذائف المدفعية، ثم تقدمت القوة نحو مخفر "هدڤيشت" المطل على المستعمرة، واحتلته بعد ثلاث ساعات. بعدها هاجمت الكتيبة السورية مستعمرة "دردرة" ولكنها لم تنجح باقتحامها بسبب الدفاعات المحصنة، وحقول الألغام حولها، وعند المساء توقف الهجوم بدون أن يحقق أهدافه.

خبت نيران الحرب خلال اليومين القادمين، حيث أن السوريين والصهاينة لم يقوموا بأي هجوم جدي في الأيام ١٢-١٣ تموز/ يوليو ١٩٤٨، ما عدا عدة هجمات سورية على خربة يردا، التي احتلتها كتيبة ١٣ / "چولاني"، ولكن هذه الهجمات لم تتكلل بالنجاح.

في ليلة ١٣-١٤ تموز/ يوليو ١٩٤٨، خطط الصهاينة لهجوم جديد على القوات السورية في كعوش ("مشمار هياردين")، على أن تقوم السريتان، الأولى من الكتيبة ٢٢، والسرية الثانية من الكتيبة ٢٣ من لواء "كرياتي"، بالتسلل من الناحية الجنوبية لعكوش، عن طريق وادي شهيون، فتقوم إحدى السرايا بتفجير جسر بنات يعقوب، وتقوم الثانية بمهاجمة القوة السورية في كعوش.

في نفس الوقت، أوكلت مهمة الهجوم على التلة ٢٤٣، لسرية بنادق من الكتيبة ٢٤/ "كرملي"، بمساندة قوة مصفحات. كذلك كان على السرية الثانية من الكتيبة ٢٢/ "كرملي" أن تهاجم تل أبو الريش وخربة كراد البقّارة، والسرية الأولى للكتيبة ٢٣/"كرملي" كان عليها ان تقوم بزرع الألغام في الطريق بين كراد البقّارة وعكوش.

فشلت العملية المخططة، حيث أن القوتين اللتين تحركتا من المنطقة الجنوبية باتجاه الغرب، تعرضتا إلى إطلاق نار شديد من القوات السورية، التي شعرت بها، ولَم تقم باقي القوات بمهماتها المنوطة بها لفشل الهجوم المركزي، وبذلك لم ينجح الصهاينة، مرة أخرى، في القضاء على رأس الجسر السوري.

القتال يحتدم مع اقتراب الهدنة الثانية

في اليومين القادمين، أي ١٤-١٥ تموز/ يوليو ١٩٤٨، لم تنفذ أيّة عمليات جدية، وكأن القوتين قررتا أن تنتظرا دخول الهدنة الثانية حيز التنفيذ. 

في ١٦ تموز/ يوليو ١٩٤٨، قامت القوات السورية بتنفيذ هجوم آخر على ثلاثة محاور، باتجاه يردا، وباتجاه كراد الغنّامة، وباتجاه مزرعة الخوري. أما الهجوم على مزرعة الخوري فكان ناجحا، إذ انسحبت القوة الصهيونية منها إلى مستعمرة "خولتا"، بعد قتال قصير، شاركت فيه القوة المدرعة السورية، وسارت خلفها القوة الراجلة، وبعد عدة هجمات وتكبيد القوة الصهيونية خسائر فادحة، وسقوط ثلاثة أسرى منها بيد القوات السورية، تمكن الجيش السوري من دخول مزرعة الخوري، ولكنه لم يتقدم باتجاه "خولتا".

كذلك استطاعت القوة السورية الثانية انتزاع خربة يردا من القوة الصهيونية التي تمركزت فيها، وذلك بعد أن كبدتها خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات.

الهجوم على كراد الغنّامة لم يتكلل بالنجاح، رغم مشاركة الدبابات في المعركة، وتوقف الهجوم عند المساء بدون أن يتمكن الجيش السوري من انتزاعها من أيدي القوة الصهيونية المسيطرة عليها.

في ليلة ١٦-١٧ تموز/ يوليو ١٩٤٨، حاولت السرية الثانية للكتيبة ٢٣ / "كرملي"، انتزاع مزرعة الخوري من الجيش السوري، لكن المحاولة فشلت فشلا ذريعا، وانتهت المعركة سريعا، بسبب قوة الدفاعات السورية.

في ليلة ١٧-١٨ تموز/ يوليو ١٩٤٨، قامت السرية الثانية للكتيبة ٢٣/ "كرملي"، بهجوم من مستعمرة "محانايم" على خربة يردا. ابتدأ الهجوم عند الساعة ٢٣:٠٠، وتم احتلال مواقع الجيش السوري خلال ساعتين او أكثر من المعارك الشرسة. وكل محاولات الجيش السوري في يوم ١٨ تموز/ يوليو ١٩٤٨، من اجل استرداد السيطرة على خربة يردا، باءت بالفشل، حيث أنه اكتفى بالقصف المدفعي من جهة كراد البقّارة وتلة ٢٤٣، بدون هجوم لقوات المشاة والمدرعات، مما أبقى خربة يردا بيد القوات الصهيونية بعد دخول الهدنة الثانية في الساعة ١٩:٠٠ من مساء يوم ١٨ تموز/ يوليو ١٩٤٨، حيث أن القتال توقف في هذه الجبهة بعد دخول الهدنة بربع ساعة فقط.

معركة تل العزيزيات، وانتهاء المعارك في الجبهة الشمالية

يقع تل العزيزيات على الحدود الفلسطينية السورية، وهو يشرف على المستعمرات الصهيونية في الشمال مثل "دان" و"دفنا"، وكذلك يشرف على طريق المواصلات الرئيسي المتجه من بانياس شمالا إلى مخفر العقدة جنوبا، على الحدود الفلسطينية السورية.

في ليلة ٩-١٠ تموز/ يوليو ١٩٤٨، قامت السرية الثانية للكتيبة ٩١ من لواء "عودد"، باحتلال تل العزيزيات وانتزاعه من القوة السورية المسيطرة عليه، بعد قتال قصير وسقوط قائد الوحدة السورية أسيرا في يد القوة المهاجمة. بعد السيطرة على التل قامت القوة الصهيونية باحتلال قرية العباسية ثم عرب المداخيل، القريبتين من التل من أجل تثبيت خط دفاعي أمامي، في حالة تجدد القتال في المنطقة.

قامت القوات السورية المتمركزة في بانياس بمهاجمة تل العزيزيات عدة مرات، دون أن تنجح في استعادته تحت سيطرتها، واستمر الحال كذلك حتى ١٧ تموز/ يوليو ١٩٤٨، حيث قامت القوة الصهيونية المرابطة على التل باحتلال تل أبو خنزير المحاذي لقرية العباسية، وذلك لمنع أهالي القرية وعرب المداخيل من العودة إلى بيوتهم.

عندها قررت قيادة الجيش السوري ضرورة استعادة تل العزيزيات مهما كلّف الثمن، فتمت مهاجمته بقوة مكونة من سريتين من كتيبة الفرسان الثانية الشركسية، والتي تعتبر من نخبة الجيش السوري، بقيادة جواد أنزور، والذي استشهد في المعركة، وشارك في القتال خمس مدرعات سورية، مجهزة بمدفعية ٢٠ ملم. 

استمر الهجوم طوال يوم ١٨ تموز/ يوليو ١٩٤٨، دون أن يستطيع الجيش السوري استعادة التل، ودخل موعد الهدنة الثانية دون تحقيق الهدف، ولذلك استمر الهجوم يوم ١٩ تموز/ يوليو ١٩٤٨، وبعد أن صدت القوة الصهيونية ثلاثة هجمات متتالية، تكبدت خسائر فادحة، وانسحبت في ساعات الليل، تاركة جثث قتلاها في أرض المعركة.

انتهى القتال على الجبهة الشمالية، دون أن يستطيع الجيش الصهيوني أن يدحر الجيش السوري، الذي قاتل بشجاعة وبسالة، ولكنه لم يحقق أي إنجاز هجومي، ولَم ينفذ خطته في التقدم باتجاه "روش بينا"، وبذلك استمر الوضع في هذه الجبهة على ما هو عليه حتى محادثات فك الاشتباك، بعد هذه المعارك بشهور.


المصادر:

١. "نتانائيل لوراخ"، تاريخ حرب الاستقلال؛

٢. "موشي كرمل"، معارك الشمال؛

٣. "بيني موريس"، ١٩٤٨ تاريخ الحرب العربية الإسرائيلية الأولى؛

٤. أحمد خليفة، حرب فلسطين ١٩٤٧-١٩٤٨، الرواية الإسرائيلية الرسمية؛

٥. "تسادوك آشر"، لواء "كرملي" في حرب الاستقلال؛

٦. عارف العارف، نكبة فلسطين والفردوس المفقود، ١٩٤٧-١٩٥٢؛

٧. موقع وزارة الدفاع في الجمهورية السورية، دور الجيش السوري في حرب فلسطين ١٩٤٨؛

٨. إصدار الجيش الإسرائيلي، معارك حرب الاستقلال ١٩٤٧-١٩٤٩، خرائط وحملات؛

٩. مجلة "غصن زيتون وسيف" الصهيونية، إصدار جمعية البحث في قوات الدفاع، مقالة بعنوان "اللواء التاسع في حرب الاستقلال"، عدد سنة ٢٠١٤؛

١٠. "داني هداري"، حرب الاستقلال في الشمال، من كتاب "حرب الاستقلال ١٩٤٧-١٩٤٩، نقاش مجدد".