تقارع القرى العربية مسلوبة الاعتراف في منطقة النقب، جنوبي البلاد، مخططات الاقتلاع والتهجير المفروضة عليها بشكل يومي.

ويدرك العرب الفلسطينيون في النقب أن الهدف من التضييق عليهم وملاحقتهم تحت غطاء القضاء الإسرائيلي بحجة "البناء غير المرخص" هو الإجهاز على دعاوى الملكية أراضيهم والسيطرة على الوجود العربي في النقب.

وابتعد أفق الاعتراف عن عيون العرب سابقا بفعل التركيز في الممارسات الحكومية القمعية في السنوات الأخيرة، والتوحش في ملاحقة العرب وسن قوانين الهدم والمصادرة المختلفة ومنها "قانون كمينتس" العنصري ونص قرار "العقبي"، والتي تلغي فرص إثبات الملكية العربية على الأرض وتعزز الحالة القانونية لهدم المنازل وتوفر الدعم الحكومي الإسرائيلي المطلق لسلطات الهدم.

إسرائيل هدمت قرية العراقيب 140 مرة لغاية الآن 

وبلغ نضال أهل قرية العراقيب الصامدة بعد هدمها 140 مرة، في جلسة المحكمة المركزية ببئر السبع، يوم الثلاثاء الماضي، مرحلة جديدة في معركة الاعتراف بملكية أهل النقب على أرضهم حيث انتزع أهل العراقيب، بعد 8 أعوام من المحاولة، الحق في إبراز شهادات وعرض أدلة قضائية تثبت حقهم التاريخي في أرضهم، وكانت الشهادة الأولى للباحث في التاريخ والمعروف بمواقفه المناهضة للصهيونية، بروفيسور غادي إلغازي، الذي عرض في 4 ساعات مستمرة أدلة تدحض الرواية الإسرائيلية التي تلغي وجود أهل العراقيب على أرضهم.

قضاء وشهود

وقال المحامي الموكل بالدفاع عن سكان العراقيب في قضية ملكية الأرض، ميخائيل سفارد، لـ"عرب 48" إن "الملف الذي أترافع فيه يتمحور حول 8 قطع أراضي في قرية العراقيب، وفتحت هذه الملفات في العام 2007-2008 ومنذ ذلك الوقت تفعل الدولة كل ما باستطاعتها لمنعنا من إحضار شهود من طرفنا ليدعموا حق أهالي العراقيب على أرضهم. وادعت الدولة أن مصادرة الأرض في العراقيب تمت قبل 50 عاما وأي أدلة من ذلك الوقت هي قديمة وغير مناسبة".

ميخائيل سفارد

وأضاف أنه "توجهنا إلى القضاء للمرة الأولى قبل 8 أعوام بطلب إحضار شهودنا للمحكمة ونجحنا فيها، الأمر الذي أغضب الدولة بشدة حيث قامت بالاستئناف مرتين على القرار، وفي المرتين نجحنا بإقناع هيئات القضاة المكونة من 7 قضاة في كل مرة، ولم يساعدنا هذان القراران، ولم يسمح لنا بإحضار شهودنا إلا في الجلسة الأخيرة".

وأضاف: "تعتمد حجة الدولة على أن أهل العراقيب لم يتواجدوا على هذه الأرض إبان النكبة، وأن المصادرة كانت قانونية في وقتها وما زالت حتى اليوم، ونحن لدينا أدلة وعدد من المختصين الذين يثبتوا أن مصادرة أرض العراقيب تمت بتهجير الأهالي بالقوة وانتهاك القانون، ومن هذه الأدلة وجود قبور جماعية وشهادات مسنين عايشوا التهجير بالإضافة إلى أبحاث عميقة أجراها مختصون مثل بروفيسور غادي إلغازي، والتي بحثت في الأرشيف العسكري الإسرائيلي والأرشيفين التركي والبريطاني ووصلت حتى إلى أرشيفات 'الكيبوتسات' الموجودة في منطقة العراقيب. وتثبت أبحاث إلغازي أن التهجير من العراقيب تم في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1951 بالقوة والاحتيال والكذب على الأهالي".

وأكد سفارد أنه "من أهم ما تساعدنا فيه شهادة غادي إلغازي وغيره من المختصين، مثل بروفيسور أورن يفتاحيل ود. عواد أبو فريح وأحمد أمارة هو ملء الفراغات التي تركتها وفاة العديد من شهودنا المسنين خلال الأعوام الثمانية الماضية التي مُنعنا فيها من إحضارهم للمحكمة، وهذه الأدلة هي أهم ما نملك لأننا إذا أثبتنا وجود أهل العراقيب في الأرض خلال التهجير فهذا يعني أن المصادرة لم تكن قانونية من الأساس، حسب القانون الإسرائيلي".

وعن الجديد في المسار القضائي الحالي، قال سفارد، إن "الفرق بين ملف العراقيب، اليوم، و200 - 300 دعوى ملكية على أراضي العرب في النقب بأن الدولة فازت فيها جميعا، أن هذا الملف هو الملف الأول الذي أدير بإستراتيجية قضائية كاملة بمساعدة من قبل طاقم محترف من المختصين المحليين والعالميين يعمل على حشر الدولة في الزاوية قدر الإمكان، وقد يصدر قرارا قضائيا في قضية ملكية الأرض في النقب للمرة الأولى".

وختم سفارد لـ"عرب 48" بالقول إن "أهم ما يجب الإشارة إليه في قضية العراقيب والجديد أنه للمرة الأولى تبحث المحكمة المركزية في بئر السبع في التهجير القسري والألم الكبير الذي تسببت فيه الدولة لعرب النقب. استطعنا بعد 8 سنوات من المحاولة إحضار قصة تهجير المواطنين من عرب النقب خلال النكبة وبعدها إلى قلب المحاكم الإسرائيلية".  

قانون الحرام

وقال ابن النقب د. عواد أبو فريح لـ"عرب 48" إن "المرحلة التي وصلنا إليها تعتبر تاريخية في مسار قضية العراقيب، وتم الانتظار للوصول إليها ما لا يقل عن 10 سنوات، بعد أكثر من 70 عاما من سن 'قانون الحرام' وهو قانون مصادرة الأراضي لعام 1952".

عواد أبو فريح

وأكد أنه "استطعنا تجنيد طواقم محلية وعالمية، مختصة ومحترفة، لتضع في وجه الدولة عدم صلاحية قانون المصادرة الذي صادر ما يقارب 100 ألف دونم من أراضي العرب بالنقب خلال فترة الخمسينات والمثال على ذلك 1960 دونما ملكها جدي في العراقيب صودرت كلها ما عدا 12 دونما لم نعلم في وقتها ما هي حدود المصادرة وكيف تتم وما معناها، ولم يسمح لأحد بمهاجمة هذه الثغرات التاريخية أو نقل النقاش للقضاء وفتح هذه الملفات".

وأضاف أبو فريح: "وقفت أمامنا العديد من التحديات، كان أولها أن نثبت للقاصي والداني أننا لم نتنازل عن أرضنا، ولم نخرج منها طوعا، وأن لدينا ما يكفي من القدرات العلمية والذكية، محليا وعالميا، لإثبات حقنا في أرضنا ووجودنا عليها رغم رواية المؤسسة الإسرائيلية، وبالفعل وجدنا طاقما قويا جدا، وتكلفنا مبالغ طائلة تخطت المليون شيكل في الأعوام الماضية، ولكن أخيرا نستطيع عرض حجتنا والطعن في قانون المصادرة الإسرائيلي المجحف وتعرية الرواية الإسرائيلية، وبالفعل استطاع غادي إلغازي في الجلسة الأولى إحراج الدولة وإثبات أن عائلة الطوري هُجّرت من الأرض قبل مصادرتها".

مساندون لنضال أهل العراقيب أمام محكمة بئر السبع، الأحد الماضي

وعن الأدلة المكتشفة في الأرشيفات الإسرائيلية للتهجير القسري للعرب بالنقب، قال: "تتحدث أرشيفات الجيش الإسرائيلي عن تهجير واضح لعرب النقب، وعن محاولة تفريغ للنقب كاملا من أهله، وهذا ظهر بشكل جلي في محادثات بين ضباط إسرائيليين في سنوات الـ50 منهم أبراهام شيمش، تثبت تورطهم في التهجير ومنع العودة للمهجرين الداخليين رغم الوعود بإعادتهم، وأن التهجير لفترة قصير وغيرها من الأدلة والمستندات".

وختم أبو فريح بالقول: "نشعر أننا محظوظون في هذه المرحلة، فهي قد تشكل طريقنا لإحراج القضاء الإسرائيلي أو إحداث سابقة قضائية تفيد قضية ملكية الأرض لعرب النقب بشكل كبير جدا".

اقرأ/ي أيضًا | الهدم الذاتي... الخيار الأفضل لإسرائيل والأسوأ للعرب

اقرأ/ي أيضًا | وقفة دعم وإسناد للأسير الطوري

اقرأ/ي أيضًا | النقب: اعتقالات بعد اقتحام العراقيب وهدم مساكنها للمرة 140