يعتقد الداخل إلى قلب مدينة الناصرة في هذه الأيام التي تسبق عيد الفطر السعيد لوهلة أنه ضل الطريق أو أن حظر تجول فرض على وسط المدينة وشارعها الرئيس. كان سكان الناصرة والبلدات المجاورة في سنوات مضت يتفادون دخول المدينة بسياراتهم الخصوصية إلا لأمر طارئ، فهم يعلمون أنهم في مثل هذه الأيام سيقعون في فخ الاختناقات المرورية لساعات طويلة.

ما يحدث اليوم هو ليس فقط أمر غير معتاد، بل هو مستهجن! أن تسير في الشارع الرئيس للمدينة في ساعات عصر يوم السبت دون أن تواجهك أية عقبة مرورية هو أمر غير مسبوق ومثير للدهشة. ما سبب غياب "شروة العيد" ولماذا غاب الزوار والأهل عن المدينة؟

انعدام البهجة

جابر أبو أحمد، صاحب محل للمواد الغذائية ولشروة العيد تحديدا ففي محله الواسع تجد المجففات وشوكولاتة العيد على أنواعها وكافة أنواع الحبوب والبقوليات والمكسرات، حاول أن يشرح ويعلل الأسباب التي أدت إلى غياب شروة العيد، وقال لـ"عرب 48" إن "موسم العيد لم يعد بالحجم الذي كان من ذي قبل، والأسواق كبرت واتسعت وكذلك المنافسة بين هذه الأسواق تشهد فوارق في الأسعار، فضلا عن أن الناصرة لم تعد عاصمة للمشتريات كما كانت في السابق يقصدها القريب والبعيد، بل أصبح في كل بلدة صغيرة أسواق ومجمعات تجارية، ولم يعد في الناصرة ما يميزها عن سواها من المدن سوى في الجانب السياحي".

جابر أبو أحم

وأضاف أن "هناك أسواق جنين تنافس الأسواق المحلية وتضربها في العمق، وهناك أسواق تركيا التي أصبح السفر إليها سهلا ومتاحا وقليل التكاليف ما يجعل البعض يفضل السوق التركية على المحلية في الحسابات التجارية. أمر آخر أن العيد لم يعد فرحة وما لم يكن في متناول اليد إلا أثناء الأعياد أصبح اليوم في متناول اليد طيلة أيام السنة. كل أيام السنة نشتري الملابس الجديدة ونأكل اللحوم، وهو أمر يؤثر سلبا على بهجة العيد وعلى التحضيرات والاستعدادات لاستقبال العيد، وحتى على صعيد العلاقات بين الناس فقد غابت عن العيد عاداته الجميلة في تبادل أطباق كعك العيد، ورائحة الكعك التي كانت تنبعث من كل بيت، واجتماع الأسرة ليلة العيد، كل هذه العوامل جعلت من العيد مناسبة عابرة".  

تغيير أساليب الشراء

وقال مدير مجمّع "همشبير لتسرخان" في الناصرة، فيكتور عيسى، الذي يعمل فيه منذ افتتاحه قبل 38 عاما، لـ"عرب 48" إن "أساليب الشراء تغيرت بين اليوم وما كانت عليه في السابق. نحن نتجه نحو الأسلوب الغربي ولم نعد نشتري الملابس لمناسبة العيد، وغالبية الناس تفضل السفر في عطلة العيد. ولو قارنا مع الماضي البعيد نجد أن نسب السفر تضاعفت اليوم بعشرات المرات عما كانت عليه في أيام خلت".

فيكتور عيسى

ربما يكون الشراء عبر الإنترنت قد أثر على شروة العيد التقليدية من المحلات التجارية، لكن عيسى قال: "لا أدري ما نسب مدى انتشار ظاهرة الشراء عبر الإنترنت في مجتمعنا العربي، لكنني أستطيع القول إنه في الماضي كان 'همشبير لتسرخان' هو المجمع التجاري الوحيد في الناصرة بينما اليوم أصبحت المدينة محاطة بالمجمعات التجارية وشبكات الأغذية الكبيرة من كل جانب، ومن الطبيعي أن تقسم الكعكة على الجميع".

أما عن زيادة القوى العاملة واستقدام عاملين من فروع أخرى للعمل في فترة العيد، فقال إنه "لا حاجة لاستقدام عاملين في مثل هذه الأوضاع، وما نفعله فقط هو زيادة عدد ساعات العمل في العيد بحيث يغلق المجمع أبوابه في الساعة العاشرة بدلا من الثامنة مساء".

مجمعات تجارية منافسة

وآثر أحد كبار التجار في الناصرة الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه الحديث عن الجانب السياسي للموضوع، وقال إن "هذه المجمعات التجارية الضخمة الرابضة على أطراف المدينة من كل جهة إنما جاءت من أجل ضرب اقتصاد المدينة وضرب المصالح التجارية الصغيرة التي تعتاش منها مئات العائلات في المدينة، تنضاف إلى ذلك أزمة السير الخانقة التي أصبحت الميزة الأبرز لمركز المدينة، لذلك أصبح معظم الناس يفضلون الأماكن المتاحة للسيارات عبر الطرق الالتفافية ولا يكلفون أنفسهم عناء الدخول إلى وسط المدينة أو إلى سوقها القديمة التي كانت تعج بالمتسوقين في الأيام التي تسبق عيد الفطر".

وقالت ريما، إحدى العاملات في واحدة من أكبر شبكة حوانيت الألبسة المنتشرة فروعها في جميع أنحاء البلاد، لـ"عرب 48"، إن الشبكة تضع "أهدافا" عالية للعاملين فيها، والهدف يعني معدل ما يجب أن يبيع كل عامل في الشبكة، وهذه الأهداف توضع مقارنة بالسنوات الماضية في مثل هذه الفترة.

وأضافت أنه "حتى اليوم لم يبلغ أي عامل من العاملين الهدف الذي وضع له إلا في حالات استثنائية. يوم الجمعة كانت الحركة التجارية أضعف بكثير مما هو متوقع وكذلك السبت والأحد، فالحركة التجارية في ساعات النهار تكون شبه معدومة بسبب الحر والصيام، وتنتعش في ساعات المساء (بعد الإفطار)، لكنها بعيدة جدا عن تحقيق أهدافها".

اقرأ/ي أيضًا | إعادة هيكلة وتنظيم المواصلات العامة في الناصرة

اقرأ/ي أيضًا | الناصرة: من ينقذ سوق البلدة القديمة؟