عشرون عامًا على جرح لم يندمل، ولا عزاء إلا بمحاسبة القتلة، هذا ما تؤكده عائلة الشهيد وسام يزبك من الناصرة، آخر الشهداء الـ13 الذين ارتقوا في هبة القدس والأقصى بتشرين الأول/ أكتوبر عام 2000.

والدة الشهيد وسام يزبك ("عرب 48")

وفي حديث لـ"عرب 48"، أعربت والدة الشهيد وسام يزبك، من الناصرة، عن أملها بأن تحاول لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية ومركز "عدالة" الحقوقي، استغلال قضية "اعتذار" رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، عن استشهاد المربي يعقوب أبو القيعان، لإعادة فتح ملف شهداء هبة أكتوبر. وقالت "نحن أصحاب حق ونشعر أن هذا الحق منتهك طالما لم تتم معاقبة الجناة، اليوم نشعر بأن الأمل بعث من جديد حتى وإن مرّ 20 عاما على القضية".

أما إيناس، شقيقة الشهيد يزبك فقالت في حديث لموقع "عرب 48" إن "أحداث أكتوبر 2000 أباحت دم العرب في هذه البلاد، وشكلت نقطة تحوّل في علاقة المواطن العربي مع الدولة، منذ ذلك الحين نشعر بأننا منتهكين يقمعوننا ويردعوننا بالقتل".

وأضافت "صحيح أن أهالي الشهداء يوكلون أمرهم إلى الله، لكن ما يهمنا هو أن تتم محاسبة الجناة، فهذا أمر قد يشعرنا ربما ببعض الراحة. لا نريد لحقنا ان يضيع".

وعن عشرينية الهبة، قالت إيناس: "كلما اقتربت هذه الذكرى تفتح من جديد جروحا نحاول أن نتناساها، وكنا نعتقد أن الذكرى الـ20 ستكون مختلفة وأن القيادة تستعد لإحياء الذكرى بشكل مختلف، يبعث الروح بالقضية من جديد، لكن شاءت الظروف أن تمر الذكرى صامتة، ونسأل الله أن تمر الجائحة بخير وأن يزول هذا الخوف الذي يتملك البشرية جمعاء".

بالعودة إلى يوم استشهاد وسام، أشارت إيناس إلى أن "الكثير من الأشياء تغيرت في حياتنا، فالجرح ما زال نفس الجرح العميق، وشريط الذكريات يعود مثل كابوس مع اقتراب الذكرى المؤلمة خاصة أن الحق ضائع، وتعود إلينا تفاصيل التفاصيل وكأنها حدثت بالأمس. حياتنا توقفت هناك وكثيرا ما نكرر الحديث في هذه التفاصيل لكي تبقى تعيش فينا وننقلها للجيل الجديد الذي لم يعِ ولم يشهد تلك الأيام وتلك التفاصيل".

إيناس يزبك ("عرب 48")

في كل "يوم غفران" لدى اليهود، تقوم بزيارة النصب التذكاري وموقع الجريمة التي ارتكبت بحق شقيقها وسام عشية "يوم الغفران" الذي صادف الثامن من تشرين الأول/ أكتوبر عام 2000؛ "كان وسام آخر الشهداء الـ13 الذين ارتقوا في تلك الأحداث. أنظر من هناك إلى التجهيزات واستعدادات الشرطة لإغلاق الشوارع وضبط النظام حرصا على أنفسهم وبالمقابل أنظر إلى حالنا كأقلية عربية كم نحن أقلية منتهكة الحقوق".

كان وسام (26 عاما في حينه) الابن الأكبر في العائلة، التي كانت قد احتفلت بزفاف الابن محمد قبل أسبوع واحد من وداع وسام؛ قالت إيناس "في كثير من الأحيان نجد عزاءنا في محبة الناس للشهيد وسام خاصة أولئك الذين يحتفظون بصورته التي وزعنا المئات منها في بيت العزاء والتي ما زالت تملأ جدران المكاتب والبيوت والأحياء".

وعن الثامن من تشرين الأول عام 2000، قالت والدة الشهيد وسام: "في البداية لم أكن أستوعب حجم الصدمة بفقدان من كان أقرب الناس إلى قلبي، لكن بعد ان استوعبت الحدث فإنني أشكر الله أنه مات شهيدا، فكلمة شهيد تمنحني الشعور بالعزة والكبرياء، هو لم يمت في حادث عرضي، واسمه بقي راسخا في أذهان الناس وأجد في ذلك عزاء لي".

وتعود إيناس بالذاكرة إلى اليوم الذي تلا عرس شقيقها محمد، والذي سبق استشهاد وسام بأسبوع، وتقول إنها كانت تجلس مع وسام "وكنا نلخّص أحداث العرس، وكان يقول هل رأيت؛ هذا عرس محمد! إنه عرس متواضع جدا مقارنة بعرسي الذي سيملأ فيه الحضور أرجاء الحي، وستشاهدين الناس خلف البوابة من شدة الازدحام... وبالفعل بعد أسبوع واحد من كلماته هذه كانت أعداد الناس التي توافدت إلى بيتنا بالآلاف للمشاركة في عرس الشهيد، وكنت أرى المشهد الذي وصفه لي وجموع الناس تملأ أرجاء الحي".

عندما كانت عائلات الشهداء تلتقي بشكل دوري وفي المناسبات الوطنية كانت والدة الشهيد وسام تلقى تعاطفا منقطع النظير، من شدة تأثرها عليه، وكانت تقول لهم "كان وسام كل حياتي وأقرب الناس إلى قلبي، كنت مولعة به، وبصفاته الرجولية استطاع ان يجتذب إليه كل من عرفه". وتضيف "كانت علاقتنا بأهالي الشهداء متينة جدا وكنا نلتقي مرة كل أسبوع على الأقل، لكن في السنوات الأخيرة بدأت هذه اللقاءات تتباعد وانشغل كل منا في شؤونه الحياتية واليومية، واليوم نتواصل هاتفيا، ولقاءاتنا أصبحت نادرة، لكننا نبقى متلاحمين 13 عائلة أصبحت عائلة واحدة جمعها الأسى".

أما على صعيد المتغيرات السياسية وما استثمرته القيادات العربية وما استطاعت تحصيله في كل هذه المدة؛ تقول والدة الشهيد وسام "أنا لا ألوم القيادات العربية وأقدّر جهودهم، لكنني أعلم أنه ليس بوسعهم أن يحصّلوا الكثير من مؤسسة حاكمة وظالمة في الوقت عينه".

أما ايناس فتقول إنها ابتعدت وتخلت عن السياسة بعد استشهاد وسام لدرجة أنها كانت ترفض أن تستمع إلى نشرات الأخبار، نتيجة نوع من الإحباط الذي أصابها واصفة أحداث أكتوبر بأنها صدمة كبرى للمجتمع العربي الذي "عاد ليعرف حجمه الحقيقي ومكانته الطبيعية أمام آلة القمع. لقد تعاملوا معنا كأعداء وليس كمواطنين".

10 سنوات، لم تكن والدة الشهيد وسام بيتها إلا للمشاركة في المناسبات الوطنية، أما المناسبات السعيدة فما زالت لا تشارك فيها حتى هذا اليوم، وعن ذلك تقول والدموع تنهمر من عينيها "حتى في فرح ابنتي لم أكن بين المشاركين، فقط ودّعتها وهي تغادر البيت، حرّمت على نفسي المناسبات السعيدة والأفراح. هم لم يخطفوا روح ابني فقط بل سلبوا الفرحة من قلبي.. وسام لا يتكرر، في كل مكان ترك أثرا طيبا".

عندما بلغ وسام أشدّه وبدأ يعمل في مجال الحفريات ويدرس إدارة الأعمال، قطع على نفسه عهدا بأن يرسل والدته إلى الحج على نفقته، وشاء القدر أن يستشهد وسام، وفي أعقاب ذلك دعا العاهل السعودي الراحل، الملك فهد بن عبد العزيز، أهالي الشهداء إلى الحج على نفقة المملكة، تقول "كان ذلك الحجيج بمثابة العهد الذي قطعه وسام على نفسه"، وبعد ثماني سنوات حظي الشهيد وسام بحجة أهدتها له والدته "كرامة له".