صادقت لجنة في بلدية حيفا على مسح معماريّ جديد معدّل، من شأنه الحفاظ على كافة المباني التاريخية في حيّ واد النسناس الذي "لم تجر فيه خلال عقود أي عملية تطوير أو تحديث، أو حتى إجراء أي مسح للمحافظة عليه"، ما يتسبب بالمسّ "بالنسيج المعماري والتاريخي والهوية الثقافية" للحي.

تابعوا تطبيق "عرب ٤٨"... سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات

وتشمل مصادقة لجنة البلدية للمحافظة على المباني التاريخية في حيفا، والتي تمّ التوصّل إليها الأحد، كل التعديلات والتغييرات اللي تم إجراؤها من قِبل مخطط المدن والباحث د. عروة سويطات، أحد أعضاء اللجنة، والذي قال في تصريحات أدلى بها لـ"عرب 48"، إن القرار "إنجاز تاريخي للمدينة ولحي وادي النسناس، ويخدم رؤيته في العمل والخدمة من أجل المحافظة على ما تبقى من تراث فلسطيني معماري وتاريخي".

مبان تاريخية

وقال سويطات: "لقد جيء إلينا بالمسح المتعلق بالمباني التاريخية في حيفا لأول مرة في شهر أيار/ مايو الماضي، فتم رفض المصادقة عليه من قبل اللجنة بناءً على اقتراحي، وعمليا فالمسح يتم من قبل مهندس خارجي تتوجه إليه البلدية ليقوم بإعداد المسح لها، وبعد الانتهاء منه يقدمه للبلدية لعرضه عليّ للتصديق فتقوم بإقراره أو رفضه... وقد قمت بتقديم اقتراحي القاضي برفض المسح لأنه مسح منقوص".

وذكر سويطات أن المسح السابق "تجاهل الكثير من الأبنية التاريخية في حيفا ولا يذكرها، ويتعامل مع الميراث التاريخي الفلسطيني الحيفاوي بطريقة استشرافية واستعلائية، من خلال عدة أشكال، فالشكل الأول يتمحور حول مفهوم الخطاب الذي يشمل نقطتين هامتين هما: الرواية في الحي والتعامل مع العمارة".

وقال إن "المسح المذكور عندما أتى على تعريف الشخصيات المركزية في حي وادي النسناس، قد ذكر شخصيات تاريخية إسرائيلية فقط، كالكاتب الإسرائيلي سامي ميخائيل، وحايا توما، والكاتب إميل حبيبي، والمؤرخ إميل توما، وتجاهل شخصيات هامة للغاية في تاريخ هذا الحي كالشاعر الشعبي نوح إبراهيم، والشاعر حسن بحيري وأحمد دحبور، والفنان الرسام الكبير عبد عابدة والذي لا زال إلى اليوم يقطن شارع حداد، وجاره في الحي الكاتب الصحافي وديع طمبر".

وتابع سويطات: "إزاء تجاهل هذه الشخصيات التاريخية الهامة، فقد رفضت أن يمر هذا التجاوز مرور الكرام، وعلى صعيد التعامل مع العمارة، فقد وصف المسح المذكور المباني التاريخية في حي وادي النسناس بأنها مبانٍ شبه قروية، ورفضت ما ورد رفضا قاطعا، فهذه الرؤية تدل على استنتاج خاطئ لعملية فهم وإدراك هوية حي في المدينة التاريخية التي بناها ظاهر العمر قبل 250 عاما من الآن".

حداثة فلسطينيّة تم بترها

وشدّد على أن حي وادي النسناس "يمثل التطور المدني والحضري والحداثي العربي الفلسطيني، ومن هنا رفضت التعامل معه على أساس استشراقي يصف الحي بأنه قرية تطورت نتيجة لحداثة الغرب والصهيونية كما جاء في المسح المذكور".

وذكر أن "هذا الحي يحكي قصة مدينة عربية، وحداثة فلسطينية، تم بترها نتيجة للنكبة، ويحكي معاناة شعب تعرض للظلم، لكنه لم يستكن، بل نهض في مواجهة السياسات الصهيونية ليكون القلب النابض لمجتمعنا العربي الفلسطيني".

وتابع: "أما الشكل الثاني الذي رفضته وقمت بتغييره في المسح، يتعلق بالمباني بحدّ ذاتها، فقد تعمّد المسح المذكور تجاهل عدد من مباني المحافظة وإسقاطها وهي تقريبا 15مبنى، حيث لم يأتِ على ذكرها إطلاقا، ولذلك عمدت على إجبار اللجنة والقسم الهندسي والمخططين على إجراء ثلاث جولات مركزية في الحي، حيث جلنا الحي بيتا بيتا وتأكدنا من إحصاء كل المباني التاريخية في المسح الجديد الذي صادقنا عليه بعد التعديلات".

وقال سويطات: "حزت على تفويض كامل من رئيسة البلدية (د. عينات كاليش) ومن لجنة المحافظة (على المباني التاريخية في المدينة) وأعطيت سلطةَ قرار إدراج كلّ ما تمّ إنقاصه أو إهماله في المسح الملغى، في المسح الجديد، وهذا بالنسبة لي إنجاز تاريخي عظيم نحققه لأول مرة في تاريخنا".

وذكر أنه "من اليوم فصاعدا، إنّ أي تشييد لبناء أو أي تطوير يجري في المدينة، سيعتمد على المسح المعدّل الذي صودق عليه وأصبح قرارا نافذا".

وادي النسناس... إهمال وتهميش يمسّان بالنسيج المعماريّ والتاريخيّ للحيّ

وتطرّق د. سويطات إلى الإهمال والتهميش الذي يتعرض له حي وادي النسناس قائلا: "عانى حي وادي النسناس على مر العقود الماضية من التهميش والإهمال، مما أدى إلى أن تصبح الكثير من المباني التاريخية آيلة للسقوط".

وأكد أنه "لم تجر في الحي خلال عقود أي عملية تطوير أو تحديث، أو حتى إجراء أي مسح للمحافظة عليه، مما دفع الكثير من المقاولين والمستثمرين للدخول إلى الحي، بغرض هدم المباني التاريخية فيه، وإبدال هذه الأبنية بسكن عشوائي، بشكل يمس بالنسيج المعماري والتاريخي والهوية الثقافية لهذا الحي، وأذكر هنا بالاسم شركة ’عميدار’ الإسرائيلية والبلدية اللتان تعملان على المس بخصوصية وهوية المدينة".

وأضاف سويطات: "هذا ما يمكنني أن أُطلق عليه مسمى الغبن التاريخي، والقرار اليوم الذي بُني على التعديلات الأخيرة المتعلقة بالمسح، هو بداية حقيقية لتصحيح هذا الغبن وإرساء العدالة في التخطيط من خلال تطوير الحي بما يتماشى مع احترام هويته ومبانيه، ونسيجه التاريخي والثقافي".

وشددّ على أنّ الحيّ "بحاجة للحماية من الطامعين كشركة ’عميدار’ التي استولت على ما يقارب من 40% من مباني الحي، وتجاهلت احتياجات السكان، وعمدت إلى إهمال الأبنية لتصبح آيلة للسقوط".

وذكر أنّ "عميدار" "تجاوزت ذلك إلى التهديد بإخلاء السكان من بيوتهم، وإلقاء عبء الترميم على كاهل السكان، ولم تكتفِ بذلك بل تجرأت على بيع البيوت والمخازن والساحات لمستثمرين كل همهم هو الربح دون الالتفات لمعاناة السكان او الإرث التاريخي لهذا الحي".

وأضاف أن "القرار اليوم يمنع هذا التجاوز الخطير، وأي شخص الآن هو بحاجة للاعتماد على المحافظة على الهوية التاريخية في أي عملية بناء أو تخطيط أو أي مشروع جديد، مما يحول دون هدم أي معلَم من معالم المدينة، بما في ذلك الأبنية والأزقة والجدران".

اقرأ/ي أيضًا | نتنياهو في حيّ وادي النسناس... غير مرحّب به