تكاد لا تنتهي إجراءات مناقصة جديدة أو تمديد اتفاقية عمل لجمع النفايات في منطقة البطوف إلا وترافقها عقبات كبيرة أمام السلطات المحلية، وغالبا لا يتقدم أكثر من مقاول جديد للمناقصة، ليستمر المقاول في عمله، وكأن العمل يدور في مكان شبه مغلق.

تابعوا تطبيق "عرب ٤٨"... سرعة الخبر | دقة المعلومات | عمق التحليلات

في مدينة عرابة، نشرت مناقصة لجمع النفايات ثلاث مرات، تقدم إليها مقاول واحد في المرة الأولى بسعر فوق الحد الأقصى فيما لم يتقدم أي مقاول بعرض للمناقصات الأخرى، وفي قرية كوكب أبو الهيجاء أيضا نشرت مناقصة لجمع النفايات ولم يتقدم سوى مقاول واحد، وكذا الأمر في بلدة كفرمندا ومدينة المغار. وتعاود السلطات المحلية نشر مناقصات جديدة وفقا للقانون بغية فتح مجال المنافسة بين مقاولي جمع النفايات والحصول على عروض أفضل، لكن دون جدوى.

توّجه أصابع الاتهام، في هذا السياق، إلى عصابات الإجرام، ويقول بعض المطلعين والمراقبين إن هذه العصابات بسطت سيطرتها الكاملة على مناقصات وأعمال جمع النفايات، ومواقع طمر النفايات، والتي باتت تكلف المجالس المحلية والبلديات مبالغ طائلة، ترى عصابات الإجرام بأنها سهلة المنال.

منذ أشهر لا تتوقف جرائم إطلاق النار المنسوبة في معظم الأحيان، على ما يبدو، لعناصر إجرامية، تعود خلفيتها إلى ممارسة ضغوط للسيطرة على مناقصات جمع النفايات، آخرها قبل أيام إذ أطلقت النار على سيارة جمع النفايات في عرابة، وقبلها إصابة مدير كبير يعمل في هذا القطاع بالمنطقة، وإطلاق النار على مقاولين.

تبلغ كلفة جمع النفايات "الرطبة" في عرابة ما يزيد عن 14 مليون شيكل سنويا، وفي كفر مندا نحو 14 مليون شيكل سنويا، وفي بلدة مثل البعينة - نجيدات وعدد سكانها 10 آلاف نسمة مع نشاط تجاري ضعيف، نحو 3 مليون شيكل سنويا، وفي قرية كوكب أبو الهيجاء ما لا يقل عن 1.3 مليون شيكل.

وترتفع هذه المبالغ سنويا بمقدار كبير، إذ ارتفعت أسعار طمر النفايات خلال السنوات الأخيرة عشرات المرات، ما يجعل طمر النفايات معضلة صعبة تواجهها السلطات المحلية وتتحمل أعباء كبيرة في سبيل تقديم خدمة أساسية للمواطنين.

قال رئيس بلدية عرابة، د. أحمد نصار، لـ"عرب 48" إنه "منذ تسلمي رئاسة بلدية عرابة واجهت مشكلة جمع النفايات، كانت تكلفة جمع النفايات البيتية مليون شيكل شهريا، مع توقف في العمل وإضراب بسبب الطلب المتكرر لرفع أسعار جمع النفايات. نشرنا ثلاث مناقصات لجمع النفايات في عرابة ولم يتقدم إليها أحد سوى في المناقصة الأولى وكان عرض المقاول أعلى من الحد الأعلى للمناقصة. اليوم تكلفنا عملية جمع النفايات مليون ومئة وسبعين ألف شيكل شهريا، وهذه المبالغ ندفعها مضطرين لأنها قضية حساسة والمواطن لا يحتمل تراكم النفايات".

أحمد نصار

وأضاف أن "تجربتنا مع مناقصات النفايات ليست بسيطة، كما ذكرت أعلاه نشرنا ثلاث مناقصات ومناقصة رابعة من خلال الشركة الاقتصادية ولم تؤد أيا من هذه المناقصات للرسو على أحد ولم يتقدم أحد للمناقصة سوى في المناقصة الأولى. لا أعرف أسباب عدم تقدم مقاولين للمناقصة، ولم أتوجه لأي من المقاولين، فالمناقصة سيرورة قانونية، وتجربتنا تقول إنه ما من أحد يتقدم لمثل هذه المناقصات، وإذا تقدم أحد فإنه سيبقى لوحده دون منافس".

وتابع رئيس بلدية عرابة أن "تجربتنا في مناقصات جمع النفايات اضطرتنا لشراء سيارات لجمع النفايات، ونحن كنا مضطرين ولسنا مخيرين، ومن يشغل هذه السيارات هي البلدية. بدأنا العمل في جمع النفايات وتقديم الخدمة للمواطن، ولكن يوم الثلاثاء الماضي أطلقت النار على إحدى سيارات جمع النفايات، وتوقف العمل بسبب التهديدات، ما أعادنا إلى ذات المكان للخروج من مشكلة وأزمة النفايات لضمان تقديم الخدمات لأهالي عرابة، والتعامل مع الأزمة بعقلانية، ومنع الانحدار لأمور أخرى لا تحمد عقباها".

وتطرق نصار إلى دور الشرطة في فرض الأمن "في الحقيقة، أعلمنا الشرطة بالحاصل، وطلبنا منها تخصيص كل الإمكانات في سبيل المحافظة على النظام وضمان عمل البلدية تجاه المواطنين كما يجب، ولكن الحاصل على الأرض ليس وفقا للتوقعات، ما يعيدنا إلى البحث عن حلول ومخارج لهذه الإشكالات، فالاعتماد على الشرطة بتوفير الحل فيه وهم ونوع من توقع في غير مكانه على الرغم من أننا نتمنى أن تقوم الشرطة بمهامها بكل الأمور المتعلقة في مجتمعنا من مكافحة الجريمة إلى غيرها. نحن في حالة من الإحباط وخيبة الأمل، ونتمنى أن تصحو السلطات لتوفرا حلا جذريا لهذه المظاهر السلبية".

وقال رئيس مجلس محلي كفر مندا، علي خضر زيدان، لـ"عرب 48" إنه "في كفر مندا، نشرنا مناقصة تقدم إليها مقاول وتمت المناقصة وفقا للمعايير القانونية، ولن نسمح بأي شكل من الأشكال أن تستغل أي جهة في مجال الخدمات بشكل مباشر أو غير مباشر".

علي خضر زيدان

وأضاف أن "في بلدتنا هناك فصل بين جمع النفايات الرطبة والنفايات الصلبة، وهذه خطوة في سبيل منع الاحتكار، وأجريت المناقصة من خلال اتحاد مدن جودة البيئة - حوض البطوف. في كفر مندا تبلغ كلفة جمع النفايات شهريا حوالي مليون ومئة وأربعين ألف شيكل أي ما يقارب 14 مليون شيكل سنويا، وهذه مبالغ كبيرة، لكن هناك شروط لوزارة البيئة لعمية دفن النفايات، وهذا ما يرفع من أسعار جمع النفايات وردمها".

وقال رئيس مجلس كوكب أبو الهيجاء المحلي، نضال حاج، لـ"عرب 48" إنه "في الواقع، في قرية كوكب كان لدينا مناقصة وقدمت شركة واحدة لهذه المناقصة وفازت بها. لدينا مقاول يقوم بعمله بصورة مرضية جدا لقرية كوكب".

وأضاف أنه "نعي الوضع الخطير في البلاد عموما وفي المجتمع العربي على وجه الخصوص، بسبب تواجد فرق من الناس تحاول تقسيم المناقصات بينها. هذا الأمر لم أره في كوكب، ولكنه موجود في بلدات أكبر من كوكب. نعي أن هذا المجال خطير سواء في جمع النفايات أو في مكبات النفايات، وهو موضوع كبير جدا ودخلت فيه السياسة أيضا، وأقصد إنتاج فوضى مقصودة في المجتمع العربي".

نضال حاج

وختم حاج بالقول إن "هذه الفوضى يمكن حلها بسهولة كبيرة، إن أرادت السلطات فعلا مواجهة هذه الفوضى، وقد يمكنها حل 80% من هذه الفوضى، وعلينا نحن كمجتمع أيضا واجبات ومسؤوليات".

كان من الصعب جدا محاورة مقاولين لجمع النفايات بشكل واضح. توجه "عرب 48" إلى 7 مقاولين للحديث عن هذه القضية، قبل 3 مقاولين الحديث، لكنهم اشترطوا عدم نشر الأسماء.

قال المقاول "أ" في حديثه لـ"عرب 48" إن "هذا المجال مغلق بسبب أنظمة الدولة، فهي من يفرض هذه القوانين حتى صار دفن النفايات بتكلفة فاحشة، فالأسعار تضاعفت عشرات المرات خلال السنوات العشر الأخيرة، ولا يستطيع أي مقاول جديد أن يدخل هذا القطاع، حتى إن فاز بمناقصة جمع النفايات فإنه لن يجد مكانا لطمر النفايات، وبالتالي سيضطر للتنازل عن المناقصة وربما يخسر مئات آلاف الشواكل بسبب مغامرة الدخول لهذه المناقصات".

وقال المقاول "ب" لـ"عرب 48" إنه "عيك أن تتخيل بأنك فزت بمناقصة لجمع النفايات وقمت بشراء سيارات خاصة لهذا الغرض، وفجأة ينتخب رئيس بلدية أو مجلس محلي كان قد تعهد لشخص آخر بالفوز بمناقصة جمع النفايات. هل تقف مكتوف الأيدي وأن ترى أنك في ليلة وضحاها ستخسر عملك، وكل ما تملك وربما تضطر لبيع بيتك وأرضك لتسديد القروض التي كنت قد حصلت عليها لشراء سيارات جمع النفايات؟ سيارة واحدة لجمع النفايات تكلف أكثر من مليون شيكل عند الشراء وتباع بأقل من 100 ألف شيكل".

وتابع المقاول قائلا إن "رؤساء المجالس المحلية والبلديات هم من ينتجون عصابات الإجرام، لأنهم حوّلوا كل شيء لمناقصة سياسية، أقصد أن فلانا يصوّت أو يدعم رئيسا فيعده بالفوز بمناقصة للعمل وغير مهتم بالتبعات وما ينتج عن ذلك، عدا عن أن هذا المجال تغيّر في السنة الأخيرة بشكل جذري وكبير، فمنذ الحرب في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تغيرت أمور كثيرة وارتفع سعر السولار إلى ضعف السعر تقريبا، واستعادة الضريبة عن السولار تقلصت من 1.5 شيكل إلى صفر، وارتفعت أسعار العمالة، أعني كنا نستعين بالأيدي العامة من الضفة الغربية بأقل من نصف تكلفة عامل من البلاد، وهذا المجال أغلق تماما واليوم نحن نعاني من هذا الأمر، كذلك ارتفع سعر ردم النفايات بنسبة 100%".

وتساءل المقاول "أين رؤساء المجالس المحلية والبلديات من رفع أسعار دفن النفايات؟ لماذا لا يتشكل أي ضغط على الوزارة والحكومة لمكافحة رفع هذه الأسعار التي أصبحت غير معقولة وغير ممكنة؟ حتى إن أردنا التكتل لإنشاء مكب للنفايات لدينا فنحن نواجه عقبات كبيرة ولا يسمح لنا، وهذا سببه الشروط والقيود المفروضة علينا بينما يتاح إقامة مكب للنفايات في مناطق أخرى بسهولة، ويتم التعامل مع مديري مكبات النفايات وكأنهم يديرون شركات هايتك، بينما يتم التعامل مع المقاولين لعرب البسيطين وكأنهم عصابات إجرام".

وتحدث المقاول "ج" لـ"عرب 48" عن قطاع جمع النفايات بأنه "في هذا المجال لا بد أن تكون قادرا على حماية نفسك من أي تهديد، وأية تهديد يجب أن يواجه بتهديد موازن، بل يجب أن تكون قادرا على الرد بقسوة أكبر. لقد تعرضت لإطلاق نار تجاه بيتي ومحاولات تهديد وغيرها، ولكني قادر على الثبات في هذا المجال، على الرغم من أن هناك ما يشبه السوق المغلقة في هذا العالم".

وختم المقاول حديثه بالقول إنه "اتخذت عهدا بالعمل بشفافية وصدق وأمانة ومصداقية عالية، وأربط كافة أعمالي ونشاطاتي بصورة مباشرة مع الوزارة المختصة كي لا يكون أية تلاعب في ميزان النفايات، ولذلك أستطيع النجاح بأمانة وصدق، ولكننا نعرف أن هذا العمل في هذا المجال صعب للغاية، ولا يخلو من الأخطار".

اقرأ/ي أيضًا | السلطات المحلية العربية في مرمى العنف والجريمة