أزمة انتخاب رئيس المحكمة العليا تهدد بتقويض مبدأ فصل السلطات في إسرائيل
تشهد إسرائيل أزمة غير مسبوقة مع تصاعد التوتر بين السلطتين القضائية والتنفيذية، في ظل محاولات الحكومة اليمينية الحالية تقليص صلاحيات المحكمة العليا عبر "إصلاحات قضائية" أثارت جدلًا واسعًا، واعتُبرت محاولة "انقلاب" على استقلالية القضاء.
وتصدر المشهد في الأسبوع الأخير انتخاب القاضي يتسحاك عميت رئيسا جديدا للمحكمة العليا، والذي قاطعه وزير القضاء يريف ليفين، مما وسع الشرخ الموجود أصلا بين المحكمة ووزير القضاء، مما يثير أسئلة حول مصير التوازن بين السلطات والخشية من تلاشي المبدأ الأساسي في النظام الديمقراطي من خلال فصل السلطات.
في الحوار التالي نسلط الضوء على جذور الأزمة الراهنة، مع الخبير في القانون الإسرائيلي، المحامي محمد دحلة، وانعكاساتها على النظام السياسي في إسرائيل، ودور المحكمة العليا كـ"حصنٍ" أخير لحماية الحقوق الفردية وحقوق الأقليات في مواجهة تغوّل السلطة التنفيذية.
"عرب 48": كيف ترى الأزمة الحالية المتعلقة بانتخاب رئيس المحكمة العليا في إسرائيل، وما هي أبرز تداعياتها؟
دحلة: ما حصل من تعيين لرئيس المحكمة العليا غير مسبوق في إسرائيل، وهو دليل على عمق الأزمة في إسرائيل على مستوى الخلاف الدستوري والخلاف بين السلطات، ويعكس الانقسام الكبير في المجتمع الإسرائيلي اليهودي حالة المعسكرات من جهة معسكر يميني فاز في الانتخابات وشكل حكومة يمينية بامتياز، ويريد أن يعكس هذا الانتصار الانتخابي عن طريق تغييرات كبيرة في جهاز القضاء، وهذا يشمل كل جهاز القضاء من القاعدة إلى قمة الهرم، والأزمة تجلت بشكل كبير في انتخاب رئيس المحكمة العليا، ولكن الحقيقة أن الخلاف مع جهاز القضاء شامل ومتعدد الجبهات، وفي جوهره واحد، وهو الانقلاب على النظام القديم، وعلى الجهاز القضائي ومحاولة السيطرة عليه ليصبح جهازا متناغما مع أجندة الائتلاف اليميني الحاكم، ويصبح أكثر طوعا لرغبات هذا الائتلاف، وهذه الرغبات مختلفة، ولكن كافة الأطراف في الائتلاف الحاكم تلتقي مع الانقلاب على الجهاز القضائي بشكل يكون طيعاً لرغبات هذا الائتلاف، وبطبيعة الحال سيكون لهذه الأزمة تأثير كبير على العمل اليومي للمحاكم، فمن غير المسبوق أن تكون علاقة عدائية بين وزير القضاء ورئيس المحكمة العليا، ولم يسبق أن صرح وزير قضاء بأنه لا يعترف برئاسة رئيس المحكمة العليا وأيضا رئيس حكومة لا يشارك في طقوس تنصيب رئيس المحكمة العليا وهي سابقة، وهذا يعكس حالة عداء ومقاطعة بين الحكومة والمحكمة العليا، وعلى المستوى العمل اليومي هناك العديد من الإجراءات بموجب القانون يجب أن تتم من قبل وزير القضاء بعد مشاورته مع رئيس المحكمة العليا، أي هناك حاجة إلى توافق بين الاثنين، وهذه الإجراءات بدءا من تعيين رئيس محكمة ما في البلاد مرورا بالكثير من الصلاحيات اليومية في الجهاز القضائي، والتي يمكن أن تتعطل وتؤثر في عمل جهاز القضاء، وبالتالي تؤثر بصورة مباشرة على المتقاضين في المحاكم، وفي ظل الظرف القائم لا يمكن تعيين رؤساء محاكم في البلاد، وهذه عينة بسيطة من إجراءات عديدة ينص القانون أنها يجب أن تتم بالتشاور بين وزير القضاء ورئيس المحكمة العليا.
"عرب 48": هل تعجل مدير المحاكم بالدعوة إلى جلسة انتخاب رئيس المحكمة العليا، وما هي الآثار القانونية والسياسية المترتبة على تأخر انتخاب رئيس جديد للمحكمة العليا؟
دحلة: الهدف منذ البداية من قبل معسكر وزير القضاء إحباط هذا التعيين. جلسة تعيين رئيس المحكمة العليا تأجلت لمدة 15 شهرا، كان من المفترض أن تجتمع المحكمة العليا لانتخاب رئيس في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ومنذ ذلك اليوم وحتى يوم جلسة تعيين القاضي عميت، ووزير القضاء يماطل ويسوّف، ويستخدم الأساليب كلها للتأجيل، ولم يُبق أي حيلة بالصندوق إلا واستعملها كي يعطل هذا الانتخاب، وكان من الواضح أنه يسعى إلى التأجيل كي يضجر عميت، وينسحب من المنافسة، وأرادوا تعيين القاضي يوسيف الرون لمدة عام لعدة أسباب ربما أهمها تسمية أعضاء لجنة التحقيق في أحداث السابع من أكتوبر 2023، وربما أيضا فيما يتعلق بملفات نتنياهو.
"عرب 48": كيف تقيم موقف وزير القضاء من الأزمة، وهل تعتقد أن موقفه يعكس رؤية سياسية أم مسألة دستورية قانونية؟
دحلة: نعم، بالتأكيد يريف ليفين لا يهتم حقيقة بالمسألة القانونية، هو يسعى إلى تغيير جذري في الجهاز القضائي لتطويع جهاز القضاء عن طريق تعيين قضاة موالين لهذا الائتلاف، وهناك تعيينات على مستوى كبير، وهؤلاء يتقدمون في السلك القضائي، ويسيطرون لاحقا على جميع مقاليد الجهاز القضائي، نعرف مثلا القاضي نوعم زولبرغ الذي ينتمي فكريا للصهيونية الدينية، ومستوطن في الضفة الغربية، عُيِّن في الجلسة نفسها نائب رئيس المحكمة وهو سيكون في العام 2028 حسب مبدأ الأقدمية رئيسا للمحكمة العليا، حينها ستكون السيطرة على الجهاز القضائي ليس فقط من الخارج إنما أيضا من الداخل.
"عرب 48": هل تعتقد أن تصريحات ليفين الأخيرة حول المحكمة العليا تهدد التوازن ومبدأ فصل السلطات في إسرائيل؟
دحلة: هي محاولة لإخضاع السلطة القضائية نهائيا لرغبة اليمين الذي أصبح أغلبية ساحقة في المجتمع الإسرائيلي، والذي يسيطر اليوم على الحكومة وعلى البرلمان (الجهاز التشريعي) أي سلطتين من ثلاث سلطات بأيدي اليمين، وهذا لا يكفيهم، بل يسعون إلى السيطرة التامة على السلطة الثالثة، وهي السلطة القضائية، ويريدوها خاضعة تماما لهم وبدون استقلالية.
"عرب 48": ما هي الحلول التي من الممكن الخروج بها لحل الأزمة الحالية، خاصة بعد دعوة القاضي المتقاعد أهارون براك الأخيرة بضرورة التوصل لتسوية، وهو المتهم بالثورة القضائية والقضاء التقدمي للمحكمة العليا، وبالتالي كل الادعاءات اليوم بضرورة مبدأ "المعقولية" والحد من سيطرة الجهاز القضائي كانت على تلك الثورة التي قادها حينها براك واليوم يقول توصلوا إلى تسوية مع وزير القضاء، كيف ذلك؟
دحلة: أعرف القاضي أهارون براك شخصيا، فإسرائيل تتفاخر بالقاضي براك في المحافل الدولية، وعادة ما ينتدب براك للدفاع عن إسرائيل عندما تتهم بانتهاكات حقوق الفلسطينيين على شقي الخط الأخضر، عندما تنتهج إسرائيل نظام فصل عنصري أو نظام أبرتهايد في كامل فلسطين التاريخية تدافع إسرائيل عن نفسها بواسطة قرارات الحكم التي أصدرها القاضي براك خلال عمله قاضيا في المحكمة العليا ورئيسا لها، فالقاضي الذي يعتبر داخليا في إسرائيل عدوا لدودا لليمين يستخدمه اليمين خارج البلاد للدفاع عن إسرائيل. أعتقد أن القاضي براك يتعذب اليوم من كيل الاتهامات له، وهو يهودي صهيوني بطبيعة الحال، ولو أن أفكاره تقدمية أكثر من غيره فيما يتعلق بالتعامل مع الأقليات ومع الفلسطينيين في المناطق المحتلة، ولكنه يهودي صهيوني يسعى إلى أي حل، حتى إنه سعى إلى الوصول إلى صفقة ادعاء مع رئيس الحكومة، فهو فعلا يسعى إلى تسوية، ولا يريد هذا النزاع بين السلطتين.
"عرب 48": هل هناك حاجة إلى تغييرات تشريعية في إسرائيل، أم أن الموضوع برمته يمكن أن ينتهي ويختفي تماما مع أفول وانتهاء الإجراءات القضائية ضد رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو؟
دحلة: أعتقد أن هذا التوصيف هو التوصيف الصحيح. أقطاب الائتلاف كل لديه حساباته الخاصة مع المحكمة العليا، والمسألة الأساسية لحزب الليكود المركب الأساسي لهذا الائتلاف هو ما يتعلق برئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وما يرونه أنها محاولة من الجهاز القضائي وسلطات إنفاذ القانون محاولة للإطاحة بنتنياهو، ما يعني محاولة إطاحة بحكم الليكود وحكم اليمين، وهذا هو سبب العداء تجاه الجهاز القضائي، ولو لم تكن الملفات القضائية قائمة فلربما لم تكن الأزمة أصلا، وحتى نتنياهو نفسه لطالما كانت له تصريحات بضرورة احترام المحكمة العليا واستقلالية القضاء، وعندنا وصلت النيران القضائية أطراف عباءته رأينا أنه انقلب على الجهاز القضائي برمته، الآن هو يعادي النيابة والمستشارة القضائية وبالأمس القريب الشرطة، ولكن أعتقد أن العداء والهجوم سيشن قريبا على هيئة المحكمة المركزية في القدس، والتي تنظر في ملفاته، في حال أُدين ولاحقا على قضاة المحكمة العليا، واليوم ليفين يقوم بهذا الدور نيابة عن نتنياهو.
"عرب 48": هل تعتقد أن الأزمة الحالية قد تؤثر في صورة إسرائيل الدولية خاصة ما يتعلق بسيادة القانون؟
دحلة: صورة إسرائيل مهزوزة أمام العالم الذي يهتم بالقانون والحريات بسبب نظام الأبرتهايد الذي تنتهجه إسرائيل، وثانيا بعد حرب الإبادة في قطاع غزة، وثالثا بسبب الانقلاب على الجهاز القضائي، فالعالم سيرى أن ما كانت إسرائيل تتباهى به أمام الأمم والعالم، وتعتبر درة التاج أن لديها جهازا قضائيا مستقلا ومتنورا، والآن يتم إخضاع هذا الجهاز بطريقة عنيفة إن صح التعبير، وهذا سيمس أكثر صورة إسرائيل، وسيزيد فرص ملاحقة الجناة الإسرائيليين في المحاكم الدولية والمحاكم الأخرى في مناطق مختلفة.
اقرأ/ي أيضًا | انتخاب يتسحاق عميت رئيسا للمحكمة العليا بإسرائيل.. وزير القضاء: جُردت من سلطاتي ولا أعترف به