عاد وليد عفيفي، الذي خاض المنافسة في انتخابات رئاسة بلدية الناصرة لمزاولة عمله بهمة ونشاط أكبر لصالح المجتمع النصراوي، وأكد أنه ينظر إلى الإيجابيات في كل تجربة، واضعا نصب عينيه العديد من المشاريع والبرامج التي سيعمل عليها بهدف المساهمة في بناء المجتمع والارتقاء به نحو الأفضل.

ومثلما خصّ العفيفي موقع "عرب 48" بأول مقابلة عند إطلاق حملته الانتخابيّة، يخصّه اليوم بأول مقابلة بعد انتهاء الانتخابات، قيّم عفيفي فيها انتخابات بلدية الناصرة الأخيرة، مؤكدا أنه لن يخوض الانتخابات في الدورة المقبلة، وأنه سيسعى لإنشاء قيادة شابة وطموحة.

"عرب 48": كيف تقيم نتائج الانتخابات لبلدية الناصرة، والتي فاز بها علي سلام بفارق كبير؟

عفيفي: أعتقد أن الانتخابات المحلية، وبسبب وضعية بلدية الناصرة، تأثرت بعوامل كثيرة من خارج الناصرة، والواقع الذي أفرزته نتائج الانتخابات، في هذه المرحلة، نتج عن الوضعية السياسية العامة في البلاد، بمعنى أن معظم التأثيرات لم تكن محلية. ولو سألنا أنفسنا من له مصلحة في أن يكون له دور مؤثر في انتخابات الناصرة؟ نجد أن هناك عدة فئات كانت معنية بهذه النتيجة وكل منها أخذ دوره. ومن أبرز هذه التأثيرات كان دور الحركة الإسلامية، وبعض الأحزاب والشخصيات السياسية ومنها أحمد طيبي الذي كانت له علاقة مباشرة بانتخابات الناصرة، وهو أعلن عن نفسه بأنه "مهندس" الانتخابات المحلية في المجتمع العربي، وأعتقد أن هناك رضا تاما من السلطة لسير أمور الانتخابات في الناصرة ونتائجها.

"عرب 48": أنت وصفت خطابك بأنه عقلاني ومتزن وواقعي، مقابل الخطاب الغوغائي، ألا تحمل الجمهور النصراوي جزءا من المسؤولية فالنتيجة بالتالي تعكس تصويتهم؟

عفيفي: نعم، كنا نحرص على مخاطبة عقل الإنسان الذي يسعى إلى تطوير مجتمعه، مقابل الخطاب الغوغائي والفوضوي والشرذمة، لكن على ما يبدو، كان هناك رغبة أو نية لتشويه صورة الناصرة وشيطنة الفئات السياسية في المدينة لتبرير دفع الناس عن تحكيم العقل، ولعكس وضعية البلد وكأنها ما تزال تعاني من تداعيات الفشل الذي خلفته إدارة الجبهة للبلدية في السنوات السابقة. كنت طوال الوقت أقول إن علي سلام كان جزءا من هذه الإدارة وهو جزء من الجهاز الذي أحضر في سنوات التسعينيات ليتعامل بمسؤولياته، إذا كانت عليه مسؤوليات في إطار الجبهة، لذلك فإن خطاب علي سلام كان يهدف فقط إلى تكريه الناس بالجبهة بوصفها هي من أفشلت بلدية الناصرة، مع أنني أعتقد بأن الذي أفشل مدينة الناصرة هو عدم وجود الوعي لهويتنا نحن كأبناء للناصرة، والخلل في الانتماء الوطني، وهنا ربما يشار إلى فشل القوى السياسية التي عجزت عن التعامل بجرأة وبصراحة على توضيح الخط الوطني العام، وعملت هذه القوى من خلال توجهاتها الخاصة والفردية، بينما الواقع يقول إن الخط الوطني كان يجب أن يكون واضح المعالم، لا التباس فيه ولا مهادنة.

"عرب 48": يقال، وأنت تعلم ذلك، إن الجمهور النصراوي كان يرى خطاب الجبهة وخطابكم استعلائيا مقابل خطاب شعبي أو شعبوي يخاطب العامة، ما رأيك؟

عفيفي: لا... هذا الكلام غير صحيح، لم يكن أي خطاب استعلائي مقابل خطاب شعبي، فتوجهنا جاء على أساس طرح بدائل لتطوير المجتمع، فالتعليم هو أمر شعبي والثقافة هي شأن شعبي يهم كل الناس، وهي جزء من ثقافة الإنسان وحضارته وامتداده التاريخي، موضوع مكافحة الجريمة هو أمر شعبي، وتوسيع مسطح المدينة كذلك هو أمر شعبي يهم كل مواطن. ونحن لسنا بحاجة إلى خطابة بلغات تختلف، ولكن عندما يصبح المواطن يرى بأن القشور هي أهم من جوهر مشاكله وهمومه، ويعزو مشاكله هذه لجسم ثالث لكي يبرئ نفسه من المسؤولية، ويوجه أسباب فشله للآخرين بادعاء أن غيره لم يقم بدوره، يطرح السؤال أين كان دورك أنت؟! نحن مجتمع يبحث دائما عن الأعذار ودوره يقتصر على رد الفعل وليس المبادرة، نحمّل مسؤولية توجهنا وأخطائنا لغيرنا "نحن أخطأنا لأن غيرنا أراد لنا أن نخطئ"! بينما الواقع هو أن مسؤوليتنا هي في تحمل مسؤولية مجتمعنا. والحديث عن أن خطاب الجبهة أو وليد عفيفي كان خطابا متعاليا، وفي المقابل علي سلام لم يكن لديه أي خطاب شعبي بل انتهج الغوغائية وزرع الكراهية واعتمد تشويه الصورة والسمعة للبعض، دون أن يكون لديه أي برنامج أو طرح لفكر معين، فالمشاريع لا يتم إنجازها بالمجسمات وصور الجامعة وإستاد الكرة، فهذه كلها كانت استخفاف بعقول الناس. ويبدو أن المحرك الرئيسي للناس هو الانتماءات الضيقة والكراهية والحقد على الغير، في الوقت الذي كنا نحن ندعو إلى تقبل الغير واحترام المختلف والرأي الآخر. لذلك قلت إنه لن تكون هناك معارضة في المجلس البلدي لو حصلت على الرئاسة، بل ستكون شراكة في العمل البلدي لأننا كلنا أبناء بلد ولدينا نفس المشاكل، ونرغب في إيجاد حلول، لكن علي سلام أراد إلغاء الطرف الآخر ومحاولة تشويهه، وهكذا تصرف تجاهي، واهتم بتشويه سمعتي وسمعة الشركات الاقتصادية المشغلة لأكبر قطاع من العمال والموظفين في مدينة الناصرة، وهذا خطأ ممنهج يحمل رسالة بأننا لا نريد لأهلنا النجاح بل علينا أن نبقى اتكاليين. ننتظر الوزير حتى يقدم لنا ميزانية ولا نستطيع أن نبني مجتمعا ناجحا، ونعتمد على الحكومة في إيجاد حلول لمشاكلنا وتجاهل فكرة أننا نستطيع أن نرتقي بالمستوى الفكري والمستوى التشغيلي لأهل البلد، وفي بناء اقتصاد محلي ومجتمع مترابط. هذه الطروحات لم تكن موجودة بل كانت العبثية هي سيدة الموقف لدى علي سلام، مقابل برنامج واضح، ولكي لا يفهم عليه الناس اتبع نهج التهجم والغوغائية، وكانت كلماته كلها متناقضة، وعلى مدار حملته الانتخابية استعمل نقيض كل كلمة كان يقولها سواء في نفس الخطاب أو في موقع آخر، فالموضوع ليس موضوع خطاب شعبوي وآخر استعلائيًا بقدر ما هو توجيه واضح لحالة فوضى وعدم إيجاد حلول لأن هذه الفوضى تفيد المصالح الضيقة للبعض، ونحن نعلم أن لدى البعض أهداف في عدم مكافحة الجريمة والعنف وحل مشاكل الخاوة.

"عرب 48": من المستفيد من عدم مكافحة العنف؟

عفيفي: لن أذكر أسماء، ولكن هم أشخاص يشكل العنف مصدر معيشة لهم، وطرح حلول لمشاكل العنف لا تناسبهم لأنهم هم جزء من العنف. مقابل ذلك هنالك غياب للرؤية الواضحة للخط الوطني وفرز العلاقة بين تيار يهدف إلى بناء المجتمع والنهوض به كجزء من الكرامة المحلية والشخصية المستقلة وبناء الإنسان الذي قد يلتقي مع المستقبل بطموحات خارج إطار الأقلية، وبين أشخاص كانوا سياسيين انتهازيين على مدار عشرات السنين، لذلك فإن جزء من المسؤولية تقع على عاتق الأحزاب لأنها لم تكن واضحة.

"عرب 48": حسب رأيك، اليوم، بعد مرور نحو شهر على الانتخابات هل كان تحالفك مع الجبهة تحديدا بمعزل عن القائمة الأهلية وشباب التغيير خطأ، خاصة أن علي سلام استغل هذا التحالف للتحريض عليك بوصفك جبهوي وشيوعي، وربما نجح في ذلك؟

عفيفي: أولا، خطاب علي سلام هذا جاء نتيجة الفراغ السياسي والعملي لديه وعدم إيجاد ما يقوله للناخب، ولكي يربط استمرار معاناة أهل الناصرة بالإدارة السابقة، ووجد أن هذا الهجوم كان ورقة رابحة له في الانتخابات الماضية وواصل هذا النهج. أعتقد أن 38% من أهل الناصرة رأوا صورة مغايرة، ويعتقدون أنه لا مكان لهذه اللغة في الشارع، وهذه النسبة من أهالي المدينة كانت مقتنعة بضرورة التغيير وبشراكة الجبهة، وكان على "ناصرتي" أن تكون شريكة أيضا لأن من فيها هم أبناء هذا المجتمع وهم ليسوا رهائن لدى إنسان معين. اليوم هم رهائن! ليس لديهم حرية القرار ولا حتى طرح فكرة إيجابية تصب في مصلحة المدينة. ولتفادي المواجهة كان من الأسهل عليهم الخوض مع الركب وركوب موجة خطاب التشويه لسمعة الغير لتحصيل مكاسب شخصية.

"عرب 48": ماذا تعلمت من هذه التجربة، وهل ترى نفسك مرشحا في الانتخابات المقبلة؟

عفيفي: تعلمت شيئا واحدا هو أن المجتمع النصراوي يجب ألا يُترك، ويجب العمل على مأسسة العمل الجماعي والجماهيري، وهذا ما سأعمل عليه في المستقبل من موقعي.

"عرب 48": لكن هذا المجتمع رفضك رئيسا، هذا ما اختاروه لأنفسهم وعليهم تحمل مسؤولية اختيارهم؟

عفيفي: اللغة العربية غنية بالمقولات وبالحكم والأمثال، أستطيع أن أذكر لك عشرات الحكم في الأمل والطموح والسعي للأفضل والرغبة في الانتماء، مقابل عشرات المقولات الأخرى المناقضة في تثبيط الهمم وزرع خيبة الأمل وزرع اليأس، لكن أنا أسعى لبناء جسر من الأمل في بحر من اليأس للانتقال إلى مرحلة أفضل. نحن نعيش في هذا المجتمع وواجبنا أن نخدمه إن لم يكن بالعمل السياسي فبالاجتماعي والاقتصادي، ويستحيل الارتقاء بالمجتمعات دون تحمل المسؤوليات على طول المسيرة غير آبهين بالإخفاقات التي تواجهنا في الطريق. المهم أن نصل إلى الهدف وإلى النتائج التي بدأنا نسعى لأجلها والمتمثلة بمأسسة العمل الاجتماعي في الناصرة، والعمل على توعية المجتمع لكيفية وضع أهدافه المستقبلية، وتوضيح الصور أمامه من خلال عملية الفرز والاختيار في التوجه، سواء إلى الخط الوطني أو الخط الديني أو الخط الغوغائي أو الانتهازي، وذلك لكي يسهل على الخط الوطني أن يفرز أو أن يلفظ هؤلاء من حوله.

"عرب 48": لم تجب على السؤال حول رغبتك في الترشح لرئاسة البلدية مرة أخرى؟

عفيفي: سيكون لي دور فعال في بناء قيادة شبابية واعية وجاهزة لقيادة الناصرة نحو مستقبل أفضل، لكن لا أعتقد أنني سأكون مرشحا للرئاسة مرة أخرى. ولا أرى في أي شخص بأنه "الصورة الوحيدة" لقيادة مجتمع! بل الأهم هو البحث عن أشخاص لديهم طموحات وكفاءات ورغبة في التغيير والنهوض بالمجتمع، يحملون رؤية لبناء مدينة مزدهرة. وأعتقد أن مجتمعنا العربي على مستوى البلاد بحاجة لهذه الصيغة وتوضيح الخطوط العريضة في بناء مستقبل مجتمعنا، وفي مقدمتها الخط الوطني الذي يعرف كيف يلفظ الخطوط الأخرى التي تحاول أن تمنع وتعرقل تطوره أو تملي عليه شروطها.

"عرب 48": هل تفاجأت من النتيجة؟

عفيفي: طبعا، تفاجأت من النتيجة. وقد وصلت إلى قناعة بأن نتائج انتخابات الناصرة لم تعكس 100% قرار الناخب النصراوي، بل كانت متأثرة بقوى خارجية، وكانت هناك تدخلات عديدة بكل المستويات، لأن إسقاطات الانتخابات في الناصرة عادة ما تكون لها إسقاطات على الانتخابات العامة. وقد تمت تهيئة الظروف لهذه النتيجة، ولذلك أنت ترى اليوم الغزل والمزاودات والمساومات والرخص في تحديد الخط السياسي الوطني في الانتخابات العامة.

"عرب 48": أين أخطأتم، وهل تشعر بأن هناك من خدعك أو غرّر بك، أم أنكم لم تحسنوا التقدير؟

عفيفي: المشكلة لا تكمن بالاستنتاجات ولا بالتقييم "جل من لا يسهو". لا يوجد إنسان يعمل بدون أخطاء، ربما كانت أخطاء هنا وهناك، ولكن كنت مقتنعا جدا بضرورة الاستقلالية وعدم الانتماء لأي فئة بشكل قيادي، وهذا ما حاولنا أن نطرحه، وبهذا الطرح لا يوجد خطأ. القرار باستقلالية الرأي وعدم التبعية أمر ضروري. مجتمعنا بحاجة لأشخاص يفكرون خارج الأطر وخارج القوالب، لأن كل إطار يرى نفسه الأفضل من وجهة نظره، بينما كنت أرى مستقبل مدينة الناصرة من خلال مجموعة الرؤى الوطنية الصحيحة وغير المنتفعة والتي لا تعمل في الظلام!

اقرأ/ي أيضًا | مقابلة | عين علي سلام على الكنيست

اقرأ/ي أيضًا | خاص | وليد عفيفي لـ"عرب 48": علي سلام دكتاتور ومأزوم