اعتبر الناشط الحقوقي والسياسي، علي حيدر، أن تجربة القائمة المشتركة ساهمت بتخفيف حدة التوتر والحساسيات بين الأحزاب والحركات السياسية المختلفة، انعكست إيجابا على المجتمع العربي، محذرا من الإحباط الذي أعقب تفكك المشتركة.

ودعا إلى "إجراء عمليات مراجعة وتقييم والتفكير في ما حصل حتى الآن وإصلاحه وترشيده وفي إيجاد وخلق قيادات موحدة، جماعية، قادرة ومسؤولة، والعمل على تقوية المؤسسات الجماعية مثل لجنة المتابعة التي يجب أن تنتخب بشكل مباشر، والاتفاق على المرجعيات الوطنية والرؤى المستقبلية، ويجب أن تبذل الطاقات والجهود في بناء الذات الجماعية وتعزيزها واستثمار الجهود في الجوهر".

علي حيدر

وعن تجربة المشتركة، قال حيدر: "لا يمكن في هذا السياق إجراء قراءة شاملة وكاملة لمسيرة المشتركة، ولكن يمكن الإشارة إلى بعض نقاط القوة والضعف في مسيرتها القصيرة. لقد تشكلت القائمة المشتركة في سياق سياسي معين، وفي ظروف ألزمت مركباتها خوض الانتخابات معا في قائمة واحدة. كان السبب الرئيسي لخوض الانتخابات معا هو رفع نسبة الحسم. وخفف تأسيس المشتركة في حينه حدة التوتر والحساسيات بين الأحزاب والحركات السياسية المختلفة، بل ولاقت استحسانا ودعما من المجتمع العربي الذي طالما حلم وطمح ورغب في أن تخوض الأحزاب العربية الانتخابات للبرلمان معا متغلبة على المعيقات الشخصية والحزبية".

وأضاف: "لقد نجحت القائمة المشتركة في الحصول على أغلبية ساحقة من أصوات المجتمع العربي، وأن تكون الكتلة الثالثة في الكنيست، وأن تشكل المعارضة الحقيقية والوحيدة للحكومة، كما أنها استطاعت إدخال وجوه جديدة للكنيست، ومثلت تقريبا كافة الشرائح والمواقع، وحاولت التصدي للقوانين العنصرية والتوجه للمؤسسات الدولية".

وأشار إلى أنه "مع ذلك، لم تنجح القائمة المشتركة بالمحافظة على تماسكها الداخلي، فلم يكن تنسيق جدي وجيد وعميق بين مركباتها، ولم يكن حوار فكري وعميق حول الأمور الفكرية والتوجهات الإستراتيجية، فلم تنجح القائمة ببناء مؤسسة وتنظيم وبقي عملها مقصورا على ردود فعل ومبادرات قليلة وعينية. لقد توقعنا من القائمة المشتركة إقامة مراكز أبحاث من أجل رفد وتعزيز عملها وإبداع أدوات عمل جديدة. كما توقعنا تحويل القائمة المشتركة من وسيلة للسؤدد السياسي إلى حاملة لمشروع وطني مستدام وناجع. كما توقعنا ونتيجة لتوفر الميزانيات تفعيل فروع وكوادر الأحزاب في البلدات العربية وبعث روح جديدة في العمل الجماهيري والشعبي والسياسي. لم تستطع القائمة المشتركة وضع إستراتيجية واضحة وموحدة. لقد شهدنا توترا وتشنجا على إثر أزمة التناوب، الشيء الذي مس بهيبتها ومكانتها، كما شهدنا أحيانا توترا بين المشتركة ولجنة المتابعة. لم تنجح المشتركة بالتواصل المباشر والمنهجي والمستمر مع الجمهور الفلسطيني".

"عرب 48": كيف تتوقع رد الجمهور على تفكيك المشتركة؟

حيدر: منذ الإعلان عن الانتخابات للكنيست الحالية وحتى تركيب القوائم لم نسمع كلاما في الجوهر من قبل الأحزاب والحركات، وإنما جل النقاش والجدل تمركز حول ترتيب القوائم وتوزيع مقاعد ورئاسة القائمة أو القوائم والمساهمة في تمزيق شعبنا إلى مناطق جغرافية وطوائف وجهات وقبائل وبروز الانتهازية والمراوغة. لقد وصلت الحالة السياسية لدى فلسطيني الداخل إلى درجة كبيرة من التردي والتدهور والعبث، فقد فقدت قطاعات واسعة وكبيرة من أبناء شعبنا ثقتها بالقيادة وبالأحزاب والحركات السياسية وبقدرتها وبمؤهلاتها وبمدى نضجها على تمثيل المجتمع الفلسطيني وقضاياه. إن هذه السيرورة حفزت وتحفز قطاعات واسعة من أبناء شعبنا، أفرادا ومجموعات على مقاطعة الانتخابات.

"عرب 48": ما هي دوافع وأسباب الإحباط في المجتمع العربي؟

حيدر: إن إحباط واستياء المجتمع العربي ينبع من ثلاثة أسباب رئيسية: لقد توقع المجتمع العربي من القائمة المشتركة الكثير، وأحيانا توقعات مبالغ به، ولم تنجح المشاركة بتحقيقها. ومن ثم مسيرة التفاوض التي استمرت طويلا وكانت متعبة ومرهقة ومضنية وكان المجتمع نادى ممثليه وتوقع حتى آخر لحظة بأن يتوحدوا وأن يصلحوا ما قد أفسد. والشيء الأخير هو ما تمخضت عنه هذه المفاوضات من انقسام، ولكن مجتمعنا ذكي وكان متابعا ويدرك من كان معنيا بتفتيت المشتركة ومن كان معنيا بالحفاظ عليها.

"عرب 48": في ظل ما آلت إليه الأمور، هل من جدوى للعمل البرلماني؟

حيدر: لقد أشرت في مرات عديدة بأن العمل من خلال البرلمان هو إحدى إستراتيجيات النضال، وأن وجودنا في البرلمان هو في هامش الهامش، كما أكدت أن كل من يتوقع أنه يمكن أن تحل مشاكلنا من خلال الكنيست فهو موهوم، ولكن المجتمع العربي يتوقع أن يمثله في البرلمان قيادات وطنية مستقيمة واعية وقوية تتمتع بالكفاءة، وهذا لا يعفي أعضاء البرلمان كجزء من قيادة المجتمع العربي من التفكير والعمل بشكل فاعل على إيجاد حلول لمشاكله (الإسكان والعنف والعمل والأرض والهوية وغيرها). وفي المقابل تنجيع أداء الأحزاب والحركات من أجل الحصول على تمثيل أكثر وأقوى.

"عرب 48": كيف تقرأ الدعوات من قبل دعاة المقاطعة، وهل تتوقع بأن يكون لها هذه المرة أثرا كبيرا؟

حيدر: باعتقادي هنالك ثلاثة أنواع من المقاطعة: المقاطعة الإيديولوجية المبدئية وهي موجهة بالأساس تجاه الدولة ومؤسساتها ولا تؤمن بجدوى المشاركة في الانتخابات البرلمانية وتؤمن أن المشاركة تمنح شرعية للدولة... وهذه مقاطعة شرعية لأنها تؤمن بأن هنالك إستراتيجيات أخرى للنضال وأبرز ممثلي هذا التوجه الحركة الإسلامية (الشمالية) المحظرة إسرائيليا وحركة أبناء البلد وآخرين. وثانيا، المقاطعة أو عدم المشاركة من منطلق اللامبالاة وعدم الاهتمام بالسياسة وأحيانا من منطلقات كسل وتقاعس وسلم أولويات آخر، وهذه هي الشريحة الأكبر. وأخيرا، المقاطعة الاحتجاجية وهي موجهة تجاه الأحزاب والحركات السياسية العربية نتيجة لفقدان الثقة بالأداء والممارسة والاعتبارات ونتيجة لعدم تشكيل القائمة المشتركة. وهذا بدأ بالبروز بشكل أكبر على أثر تفكيك القائمة المشتركة والمفاوضات وما تمخض عنها. وممكن اعتبار المقاطعة في هذا السياق نوع من أنواع العقاب للقيادة، ولكن هذه الشريحة قابلة أيضا للحوار، وقطاعات واسعة منها ممكن أن تشارك بالتصويت في حال طرأت أحداثا سياسية أو تحريضية أو عنيفة تجاه المجتمع العربي حتى الانتخابات المقبلة. المقاطعة الإيديولوجية آخذة بالازدياد ونسبة التصويت سوف تكون منخفضة مقارنة بالانتخابات السابقة.

"عرب 48": يرى البعض أن ما آلت إليه الأمور ضرب بالصميم ثقة الجمهور بقيادته، هل هناك من مخرج لهذه الأزمة، وما هو المطلوب أمام هذه الوضعية؟

حيدر: أزمة القيادة التي يواجهها الشعب الفلسطيني بشكل عام وفلسطينيي الداخل بشكل خاص ليست جديدة، ولكنها آخذة بالتفاقم. شعبنا الفلسطيني في كل مواقع تواجده، وعلى مدار السنين، يواجه سياسات إسرائيلية تهدف تقطيع أواصره في الجغرافيا وفي الرؤية وفي الحراك السياسي وفي أشكال التنظم، ولنا نحن كفلسطينيين مساهمة ومسؤولية في عملية التشرذم، فالنكبة عام 1948 ومن بعدها احتلال عام 1967 خلقا ثلاثة مجموعات، اللاجئين الفلسطينيين في الشتات والفلسطينيين تحت الاحتلال وفلسطينيي الداخل، وأصبح لكل جزء منهم قضيته على التوالي، العودة والتحرر والمساواة، وأما "أوسلو" والانقسام وما بعدهما فقد زادا الشرذمة، فالواقعين تحت احتلال 1967 أصبحوا ثلاث مجموعات، ضفة غربية وقطاع غزة وقدس، ولكل منهم قضيته وهمومه. والقائمة المشتركة التي ُعرضت في السنوات الأخيرة كنموذج للوحدة في مرحلة التفكك في العالم العربي واجهت هي أيضا حالة التشرذم والانقسام. ما يواجهه شعبنا في كل أماكن تواجده، وهنا أتفق مع تشخيص وتحليل عالم الاجتماع الفلسطيني، جميل هلال، بأن شعبنا يعاني من غياب قيادة سياسية موحدة للمجتمع الفلسطيني، وجود أزمة تمثيل وطني نظرًا لضعف واستقطاب المؤسسات الوطنية وانقسامها، وغياب المرجعيات الوطنية الواضحة والرؤى المستقبلية المتفَق عليها باعتقادي، يستوجب إجراء عمليات مراجعة وتقييم والتفكير في ما حصل حتى الآن وإصلاحه وترشيده وفي إيجاد وخلق قيادات موحدة، جماعية، قادرة ومسؤولة، والعمل على تقوية المؤسسات الجماعية مثل لجنة المتابعة التي يجب أن تنتخب بشكل مباشر، والاتفاق على المرجعيات الوطنية والرؤى المستقبلية، ويجب أن تبذل الطاقات والجهود في بناء الذات الجماعية وتعزيزها واستثمار الجهود في الجوهر، وفي تغيير مسار التاريخ.

اقرأ/ي أيضًا | كبها: "الأحزاب الصهيونية تستغل تفكك المشتركة لاستهداف الصوت العربي"