على وقع الحرب الدمويّة الممتدّة منذ سنة ونصف السنة، وتتقاطع مع مرور 77 عامًا على قيام إسرائيل، يعود الصحفيّ والمؤرّخ الإسرائيليّ المعروف توم سيغف إلى نقطة البداية ليضع علامة سؤال كبيرة حول المشروع الصهيوني، منطلقًا من فرضيّة كون غالبيّة الإسرائيليين هم لاجئون أو من نسل لاجئين، ما يعطي لأول وهلة مصداقية للصهيونية التي وفّرت بلادًا يستطيعون القدوم إليها.

لكنه يستنتج أن غالبيّة الناجين من المحرقة لم يقدموا للعيش في إسرائيل، كما أن غالبيّة اليهود في العالم لم يأتوا إلى إسرائيل رغم استطاعتهم، الأمر الذي يشير إلى أن الصهيونية ليست قصة نجاح كبيرة، إضافة إلى أنها لا توفّر الأمن لليهود الذين يشعرون بالأمن خارج إسرائيل أكثر من شعورهم بالأمن فيها، ما يجعل المشروع الصهيوني خاطئًا منذ بدايته.

في الكتاب الذي يحكي سيرة حياته، والصادر بالألمانيّة بعنوان القدس ركن برلين – مذكرات، يكشف سيغف أن والدَيه اللذين هربا من مطاردة النازية لأنهما شيوعيّان وقدما إلى البلاد عام 1935، أرادا العودة إلى ألمانيا فور انتهاء الحرب العالميّة الثانية، وأن والده بدأ بالتواصل الفعليّ مع أصدقاء هناك لهذا الغرض، وباشرا بترتيب عودتهما إلى موطنهما الأصليّ قبل أن يقطع ذلك المسعى مقتل أبيه، مشيرًا إلى عودة أخته لاحقًا واحتلالها مقعدًا في البوندستاغ عن حزب الخضر.

ويقول صاحب كتاب المليون السابع، الذي بحث علاقة الهولوكوست بدولة إسرائيل واستخدامها مبرّرًا لقيامها وصدقِيّة الحروب على وجودها، في مقابلة أجراها معه عوفر أديرت لملحق هآرتس بمناسبة صدور كتابه الأخير، إن الادعاءات بأنّ حماس نازيّة، وأن السابع من أكتوبر هو الحدث الأكثر فظاعة منذ الهولوكوست، هي ادعاءات إشكاليّة، لأنّه في حرب الـ48 سقط 6000 إسرائيلي، وفي الحرب الحاليّة لم يصل أعداد من قُتلوا إلى مثل هذا العدد. مضيفًا، أنّه من الجائز أن الهولوكوست، كعامل مركزيّ جدًّا في الهويّة الإسرائيليّة، تجد نفسها في منافسة الآن، وأن الحرب التي أعقبت السابع من أكتوبر تغطّي على المحرقة.

الموازاة بين حماس والنازيين بدأت مباشرة بعد السابع من أكتوبر، كما يشير الصحفيّ نير حسون، الذي يقتبس في مقال بعنوان "حماس نازيّة وغزّة درِزْدَن" نشرته هآرتس، تصريحات لنتنياهو وجلعاد أردان ويتسحاق هرتسوغ بهذا الشأن، وينوّه إلى استطلاع الرأي الذي أظهر تأييد 54% من الجمهور الإسرائيلي لهذه الموازاة، مشيرًا إلى أنّ الهدف منها هو تحرير الجيش الإسرائيلي والجمهور الإسرائيلي من كل اعتبار أخلاقيّ، ضميريّ أو قانونيّ، باعتبار أنّه في الحرب ضد النازيين كلّ شيء مسموح، وإلّا انتهينا في أوشفيتس.

حسون يقول إنّه بالرغم من أنّ السابع من أكتوبر هو هجوم إرهابيّ مخيف...، ولكن الساعات الثماني أيضًا التي سيطرت فيها حماس على أجزاء من النقب الغربي، لا تغيّر من حقيقة أنّ حماس والفلسطينيين كانوا وما زالوا الطرف الأضعف في المعادلة، حتّى في أوج ذلك اليوم المخيف، وحتى لو كان قد انضمّ حزب الله إلى الحرب في بدايتها، فإنّ إسرائيل ما كانت لتكون في أيّ لحظة تحت خطر يهدّد وجودها، هذا ناهيك عن أنّ السابع من أكتوبر هو أوّلًا وأخيرًا نتاج فشل الجيش و"الشاباك" وليس نجاح حماس.

كما يشير حسون إلى أنّ قصف مدينة درِزْدَن الألمانيّة كان محلّ خلاف منذ اليوم الأوّل، ووجه بتساؤلات الصحفيين الصعبة واستنكار أعضاء برلمان بريطانيّين، حتّى إنّ آرتور هاريس، صاحب استراتيجيّة تدمير المدن الألمانيّة، اعترف في سؤال حول المسّ بالأبرياء بضرورة إعادة النظر في الموضوع، فيما كتب ونستون تشرشل، الذي دعم هاريس في استراتيجيّته تلك، أنّ هناك حاجة لإعادة النظر بمواصلة قصف المدينة فقط بسبب تعاظم الإرهاب، علمًا أنّ كلّ ذلك حدث في وقت كان فيه القانون الدوليّ يخطو خطواته الأولى.

وفي المقارنة، يُظهر المقال أنّ في غزّة قُتل حتى الآن ضعف عدد الذين قُتلوا في قصف درِزْدَن، وأنّ عدد القتلى في غزّة يعادل عدد قتلى القنبلة الذريّة التي أُلقيت على ناغازاكي اليابانيّة، وأقلّ بقليل من عدد قتلى هيروشيما. كذلك، فإنّ عدد البيوت التي دُمّرت في غزّة 70%، مقابل 50% في درِزْدَن الألمانيّة، ذلك بالرغم من أنّ العدوّ الذي أمامنا أضعف بما لا يُقاس من النظام النازي.