يشهد الجميع كيف تتساقط أوهام خطة فك الإرتباط التي استطاع شارون تمريرها على جميع اللاعبين في لعبة ما يسمى بعملية السلام.

قد لا يرغب معظم اللاعبين الذين تواطأوا مع هذه الخدعة الإعتراف بهذه الحقيقة المرّة، حقيقة انهيار أوهامهم، مراهناتهم، رغم أن الإنهيار مدو وبصورة دموية ويحصل تحت ضربات التصعيد الوحشي ضد الشعب الفلسطيني من قتل للبشر وتدمير للأملاك، ومواصلة بناء الجدار العنصري الفاصل، ومواصلة تقطيع الضفة الى ثلاثة كانتونات.

ما يقوم به شارون، وحكومته وجيشه، ليس رداً على عمليات فلسطينية عسكرية كما يدعون، وكما يردد بعض المسؤولين في السلطة الفلسطينية، فعملية تقطيع الضفة الى ثلاث بانتوستانات وإقامة الحواجز الضخمة (جنوب نابلس) والتي تجري منذ فترة، ليست وليدة الساعة - لا من منظور نظري ولا من منظور عملي.

هذا الإجراء هو في صلب خطة فك الإرتباط التي فشل أو تجاهل البعض فهم حقيقتها. وبدل أن يبنوا استراتيجيتهم وردّ فعلهم عليها على أساس أنها "عقاب للفلسطينيين" كما نظر شارون نفسه اليها، راحوا يرقصون ويتعاملون معها على أنها عملية تحرير مقزمين بالكامل الأبعاد الأخرى الخطيرة التي نرى تجلياتها على مستويين:

المستوى العملي: مواصلة تهويد الأرض واستيطانها وتمزيقها، (القدس الكبرى ونصف الضفة الغربية ومواصلة بناء الجدار)، وتحويل قطاع غزة الى سجن كبير، وعزل الثقل النضالي لهذه المنطقة عن المشاركة في تحرير الضفة الغربية وفي تحرير قطاع غزة وفك الحصار عنه.

أما المستوى الثاني، هو التغطية الدولية أو التخاذل إزاء هذه المخططات الإسرائيلية، بعد تمكن شارون بفعل خطته الماكرة أن يلقى بالكرة الى الملعب الفلسطيني بدعم أمريكي مطلق وتواطؤ أو تخاذل دولي.

إن ما صرح به وزير الأمن الإسرائيلي شاؤول موفاز لصحيفة يديعوت يوم الجمعة الماضي، حول عدم وجود شريك فلسطيني، وحول عدم رؤيته لحل الصراع في الجيل الحالي هي رؤية شارون رغم تنكره لهذا التصريح واعتباره أنه لا يمثله.
بطبيعة الحال شارون السياسي ليس موفاز العسكري.

هذا التصريح يعني بالضبط العزم على مواصلة تنفيذ رؤية شارون بالنسبة لحل الصراع مع الفلسطينيين التي تقوم على أساسه دولة كانتونات في غزة وعلى جزء من الضفة الغربية والإحتفاظ بالقدس والكتل الإستيطانية الضخمة.

هل الفوضى والفلتان وغياب رؤية سياسية واضحة ومتفق عليها هي السبب وراء سلوك وخطة شارون، كما يدعي المتواطئون؟ ليس صحيحاً، ولكن هذا الوضع الفلسطيني الداخلي الراهن بالتأكيد يساعده في مهمته ويسهل عليه بيع بضاعته أمام المجتمع الإسرائيلي وأمام المجتمع الدولي الذي يعاني من الإزدواجية في التعامل.

فهل يقف المؤثرون في عملية صنع القرار على حقيقة ما يجري في الساحة الفلسطينية ويبادرون الى التعامل مع خطة شارون على أنها خطة احتلال وليست خطة تحرير، وأنه بإمكانهم أن يخربطوا حسابات شارون وأمريكا إذا ما تصرفوا على هذا الأساس. وإذا ما توصلوا الى استراتيجية مقاومة راشدة ورؤية سياسية صحيحة.



"فصل المقال"